يحمل قاموس التشجيع الرياضي أسبوعيا العديد من العبارات والكلمات العنصرية، التي «تتحفنا» بها مدرجات الملاعب الوطنية، بيد أنها لا تأخذ الحجم الذي تشهده بعض الملاعب الأروبية، حيث أصبحت الظاهرة مصدر قلق دائم، تتغذى فيه الشوفينية والكراهية، خاصة ضد الأجنبي، حيث يكون اللاعبون الأجانب أو المنحدرون من أصول غير محلية، عرضة للإهانة والعنصرية، وهنا نستحضر حالة اللاعب الإيطالي من أصل غاني، ماريو بالوتيللي الذي كثيرا ما رمته جماهير الفرق المتنافسة بالموز، كما سبق للاعب المغربي عبد السلام وادو أن تعرض لهجوم عنصري بسبب بشرته السوداء من طرف أحد المشجعين الفرنسيين. وفي المغرب كثيرا ما كانت الألفاظ العنصرية سببا في اندلاع أعمال شغب، وهنا نستحضر ما وقع خلال مباراة الديربي الأخيرة، حيث اشتبك مناصرو الوداد والرجاء، واندلعت أعمال عنف وتخريب، استنكرها كل ما عاينها. فقد حدث أن حمل مناصرو الوداد تيفو عملاق يتضمن لوحة لحديقة حيوانات، تحيط بها بعض القرود، في إيحاء قدحي استهدف مناصري الرجاء، الذين عادة ما يتم وصفهم من طرف جماهير الوداد بالوافدين على الدارالبيضاء، أو « العروبية». وكثرا ما حمل إلينا ملعب أكادير، حينما يستضيف مباراة بين الحسنية وفرق بيضاوية أو رباطية أو مراكشية، بعض العبارات المحرضة على العنصرية، فعندما تصيح مثلا الجماهير «العربية» في وجه الأمازيغ «وا ريح ريح أداك الشليح»، يرد هذا الأخير على الفور «وابومبي بومبي أداك العروبي»، وهنا يتعادل الطرفان، غير أنها قد تفتح المجال لبعض التجاذبات والمناوشات، والتي عادة ما تكون تبعاتها سلبية، كما حدث في شطر الذهاب خلال مباراة الفريق الأكاديري والوداد، حيث اندلعب أعمال تخريب في بعض أحياء مدينة الانبعاث. فعادة ما يعمد السوسيون إلى وصف جماهير الدارالبيضاء ب «أولاد السعودية» أو جماهير الشمال ب «أولاد السبليون»، وهنا نستحضر واقعة ملعب ميمون العرصي قبل سنوات، عندما توقفت مباراة شباب الريف الحسمي ضد الوداد البيضاوي، بعد ثماني دقائق على انطلاقتها، بعدما أصبح الأمن غير متوفر بفعل حدة الاشتباك، حيث أكدت بعض المصادر أن الأحداث تأججت بسبب هتافات عنصرية «الداخل والشمال». كما أن مباريات الرجاء هي الأخرى خارج البيضاء تحمل أحداثا دموية، خاصة في لقائها بالجيش الملكي، حيث يشتعل فتيل الأحداث بالعالم الافتراضي، وسرعان ما يتحول إلى أعمال تخريب واعتداء، مثلما حدث يوم الخميس الأسود بالدارالبيضاء، قبل وبعد لقاء الرجاء والجيش الملكي. والغريب أن بعض الألقاب والنعوت أصبحت لصيقة ببعض الفئات من الجمهور، فرغم أنها تحمل في باطنها إيحاءات قدحية ومهينة، إلا أنها «تعايشت» مع المعنيين بها وقبلوا بها، لدرجة أنهم تسموا بها، مثال جماهير القنيطرة، الذين أطلقوا على أنفسهم «حلالة بويز»، مستمدين إياها من لقب كان يطلق عليهم «أولاد حلالة» وحلالة هي نبتة عشوائية تنتشر في الخلاء. كما يطلق على الجماهير المراكشية لفظ «الحلايقية»، وعلى جماهير الفتح «الكرابة»، والفاسيين «القورع»، الرجاويين «الجراد»، الوداديين «بوحمرون». إن المشهد الكروي المغربي يحمل الكثير من عبارات التحقير والتجريح وأيضا التحريض على العنف والكره، وهنا يقفز إلى السطح ما يتعرض له الجمهور البيضاوي في أغلب الملاعب الوطنية، حيث تنتفض جميعها ترديدا لشعار واحد، «لا راجا، لا وداد، بيضاوة أولاد (...)». هي حالات معزولة ولا تشكل القاعدة العامة، فطالما أن الظاهرة لا تتأسس على مرجعية مذهبية أو عقائدية أو فكرية، فإنها تبقى محدودة التأثير، ولا يمكن لها أن ترقى إلى المستوى الذي تعيشه الملاعب الأوروبية. فحتى اللاعبون الأفارقة تآلفوا مع الوضع، فبالرغم من أن مصطلح «ضراوي» أو «عزي»، الذي فيه إيحاءات عنصرية، تقوم على التمييز العرقي، إلا أنها لا تشكل لهم أي قلق أو تذمر، لأنهم تفهموا الخصوصية المغربية، وتكونت لديهم قناعة شخصية بأن مثل هذه العبارات لا تصل إلى العنصرية الحادة المستفزة للمشاعر والنعرات، بدليل أنه لم يصدر عنهم أي رد فعل. لكن ورغم كل هذا فمثل هذه العبارات ينبغي أن تزول من الملاعب الوطنية، ومن قاموس التشجيع، لأنها قد تفتح المجال على عواقب غير محمودة، لأن شرارة العنف يمكن أن تشتعل في أي لحظة. وحاولت بعض الفصائل المساندة للجماهير المغربية تشكيل ائتلاف تنضوي تحت لوائه مختلف الألترات المشجعة للفرق المغربية، غير أن البعض رفض، وسعى بكل جهده على إحباط هذه المبادرة، التي كانت ربما ستحد من كثير من المظاهر العنيفة، التي رافقت مباريات الكرة المغربية. وعموما فإن أشكال الكراهية والحقد، بل والعنصرية، ترتبط بظاهرة الهوليغانز التي عرفتها وتعرفها بعض الملاعب العالمية، وبالأخص منها الأوربية بكل من إنجلترا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها، علما بأن هذه الظاهرة تجد أصلها في تسلل فلول من اليمين المتطرف إلى ملاعب أوروبا، لتعلن حضورها بها من خلال شعارات وهتافات كلها دعوة إلى الكراهية والحقد والعنصرية، والتي تستهدف بالأساس اللاعبين الملونين، بالأخص منهم الأفارقة. إن ملاعبنا الوطنية تعرف مثل هذه السلوكات والممارسات، التي تعد ضربا للفعل الرياضي في عمقه الحضاري والإنساني، لكن ورغم ما قد تشهده الميادين من عنف وشغب، فإن هذه الظاهرة لم تصل بعد إلى المستوى الذي تعرفه البلدان الأوروبية، لكننا بدأنا نخطو إليها بخطوات متسارعة. لقد كان لواقعة رفع جماهير المغرب التطواني للافتة عنصرية خلال ديربي الشمال أمام اتحاد طنجة خلال الدورة 18 من الدوري الاحترافي، أن تفجر أحداثا عنيفة، لأن الجماهير الطنجاوية عبرت عن امتعاضها واستيائها من تلك اللافتة، التي استنكرتها مكونات فارس البوغاز، وفي مقدمتها المكتب المسير، الذي أصدر بلاغا استنكاريا، رفض فيه الشعارات «العدائية واللافتات المرفوعة في ملعب سانية الرمل التي تسيء لمدينة طنجة وساكناتها، والتي هي بعيدة عن الأخلاق الرياضية التي يجب أن تسود في مثل هذه المباريات»، كما استنكرما «تعرضت له جماهير الفريق من اعتداءات، رغم امتثالها لقرار منع التنقل الجماعي المنظم، حيث لم يسلموا من الانتهاكات رغم تنقلهم الفردي بشكل قانوني ورغم توفرهم على تذاكر الدخول إلى الملعب»، قبل ان يطالب الجامعة «بفتح تحقيق عاجل ونزيه حول الممارسات التي تعرض لها الفريق وجمهور الفريق داخل وخارج الملعب، وخاصة التجاوزات التي دفعت الحكم لتوقيف المباراة إلى حين استتباب الأمن داخل الملعب، وإخراج اللافتات التي رفعت ضد الفريق ومدينته من قبل الأمن». وختاما نشير إلى أنه لا ينبغي - في تعاملنا وتتبعنا لمثل هذه الانفلاتات والتجاوزات – إغفال أن الجمهور الرياضي لا يمثل كتلة منسجمة ومتجانسة، بل يتكون من فئات ومجموعات بعضها يتكون عفويا داخل الملاعب، وبعضها الآخر يكون نتيجة لتنظيم أو هيكلة مقصودة ومتفق عليها، كما هو الأمر بالنسبة لمجموعات «الأولترا»، التي أصبحت تؤثث حاليا الكثير من ملاعبنا، حيث أصبح لكل فريق تقريبا «أولتراه». فالأمر يتعلق بمجموعات منظمة تعلن عن نفسها من خلال اللافتات والشعارات التي ترفعها، والتي لا يخلو بعضها من إبداع أو طرافة. كما أن مجموعات الأولترا هذه ترتبط فيما بينها بعلاقات تتراوح ما بين المودة والصداقة، وبين والكراهية والعداوة، بحيث يلاحظ أنه في بعض المباريات التي تكون فيها العلاقات بين أولترا الفريقين متوترة يتفنن كل طرف في رفع الشعارات واللافتات التي تعرض بالخصم وتسخر منه. ولا تخلو هذه الشعارات عادة من كلام عنصري.