أبت يد الإرهاب الآثمة إلا أن تنتزع أرواح عشرات النساء والأطفال الباكستانيين خلال الهجوم الإرهابي الذي استهدف، الأحد، منتزه «غولشان إقبال بارك» بمدينة لاهور (شرق البلاد). ويعد هذا الاعتداء الإرهابي، الذي نفذه انتحاري، الأكثر دموية في باكستان منذ أمد بعيد، بعدما ارتفعت حصيلة الضحايا، ومعظمهم من النساء والأطفال الذين قصدوا ذلك المكان للتنزه والترويح عن النفس، إلى أزيد من 70 قتيلا ونحو 300 جريح حسب آخر المعطيات الرسمية. ونقلت وسائل إعلام باكستانية، عن مسؤولين في الشرطة المحلية قولهم، إن الحصيلة المرتفعة لعدد القتلى تعود إلى أن الحادث وقع في منتزه عمومي يعج بمئات الأسر، لاسيما النساء والأطفال، مشيرة إلى أن قوة الانفجار أدت إلى تناثر أشلاء وأجساد الضحايا في كل مكان، في منظر تقشعر له الأبدان. وأضافت المصادر ذاتها أن العشرات من الجرحى تم نقلهم على الفور إلى عدد من المستشفيات المجاورة على متن أكثر من 20 سيارة إسعاف، مؤكدة أن العديد منهم في حالة حرجة جدا. وقال نائب المفتش العام للشرطة بمدينة لاهور، في تصريحات صحفية، إن الأمر يتعلق بانتحاري أقدم على تفجير نفسه في موقف للسيارات، فيما ذكر مسؤول أمني آخر أنه تم العثور على أجزاء من جثة الإرهابي في مكان الانفجار. وأشارت وسائل الإعلام إلى أنه تم إعلان حالة طوارئ قصوى في جميع المستشفيات الحكومية في مدينة لاهور عاصمة إقليم البنجاب، مؤكدة أن السلطات المختصة فتحت تحقيقا معمقا للكشف عن الملابسات الحقيقية للحادث، كما عملت على تطويق مكان الانفجار من أجل مزيد من البحث. ويحيل هذا الاعتداء على الهجوم الإرهابي الذي استهدف، في نونبر 2014، أهم معبر حدودي بين باكستانوالهند، مخلفا أكثر من 55 قتيلا ومئات الجرحى في هجوم تبناه فصيل (جماعة الأحرار)، التابع لحركة (طالبان باكستان). ولا غرابة أن هذا الفصيل نفسه هو من أعلن مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي، حيث أكد إحسان الله إحسان، المتحدث باسم فصيل (جماعة الأحرار)، أن «الهجوم الذي وقع في منتزه بمدينة لاهور كان يستهدف الأقلية المسيحية في باكستان». وبعد أن شدد على أن «الهجوم هو بمثابة رسالة موجهة إلى رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، تفيد بأننا دخلنا مدينة لاهور»، اعتبر إحسان الله أن نواز شريف «يستطيع أن يفعل ما يشاء لكنه لن يتمكن من إيقافنا.. سيواصل مقاتلونا تلك الهجمات.» ويميط هذا الهجوم الإرهابي اللثام على مدى قدرة عدد من الجماعات المتشددة على تنفيذ اعتداءاتها الإجرامية في أنحاء باكستان، بالرغم من الحملة الأمنية واسعة النطاق التي تشنها قوى الجيش والشرطة منذ عدة أشهر في عدد من أقاليم البلاد، لاسيما في كراتشي والبنجاب والمناطق القبلية. كما يكشف الهجوم أنه، بالرغم من أن الجيش والشرطة والحكومة والمصالح الغربية داخل باكستان كانت على الدوام من الأهداف الأساسية والمفضلة لحركة (طالبان باكستان) وحلفائها، فإن المسيحيين وباقي الأقليات الدينية الأخرى كانت بدورها عرضة لمثل تلك الهجمات. وفي السنوات الماضية، تعرضت كنائس مسيحية لهجمات واعتداءات إرهابية نفذها مجهولون، خاصة في مدينة لاهور، معقل رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف في إقليم البنجاب، كما قتل نحو 80 شخصا في هجوم انتحاري استهدف، خلال سنة 2013، إحدى الكنائس في مدينة بيشاور، الواقعة شمال غرب باكستان. ويرى مراقبون للشأن الباكستاني أن هذا الهجوم الإرهابي، الذي استهدف مئات الأبرياء خلال عطلة أسبوعية ودينية بالنسبة للأقلية المسيحية، تمكن من تحقيق هدفه من خلال ضرب مركز القاعدة السياسية والانتخابية لرئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف في إقليم البنجاب. وأشار هؤلاء إلى أن الحادث يعيد إلى الأذهان الاتهامات الموجهة إلى أجهزة الأمن الباكستانية، منذ فترة طويلة، بخصوص احتضانها ودعمها لبعض الجماعات المتشددة، من أجل استخدامها كوسيلة للمساعدة في تحقيق أهداف أمنية واستراتيجية في أفغانستان وضد خصمها الأبدي الهند. تجدر الإشارة إلى أن حركة (طالبان باكستان) تقاتل منذ فترة طويلة من أجل إسقاط حكومة نواز شريف وفرض تطبيق منظورها المتشدد لأحكام الشريعة الإسلامية في باكستان. وتشهد باكستان أعمال عنف تنفذها مجموعات متشددة منذ ال 15 سنة الماضية، تاريخ انضمامها لحملة قادتها الولاياتالمتحدة ضد الجماعات والمنظمات المتطرفة بالمنطقة، بعد الهجمات التي استهدفت نيويورك في 11 شتنبر 2001 .