إن المتتبع للشأن السياسي العربي في الوقت الراهن والتطورات الجارية مؤخرا، ابتداء من ثورة الياسمين في تونس ومرورا بالتظاهرات التي حدثت في كل الجزائر و الأردن واليمن، و الاستفتاء الذي جرى في السودان ووصولا للثورة البيضاء في مصر، يلاحظ أن هناك حراكا شعبيا عربيا بصبغة ثورية في معظمها (مع استثناء الحالة السودانية التي أفضت إلى تقسيم الوطن الواحد) تنادي بتغيير النظم السياسية القائمة، وتطالب بجملة من الإصلاحات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي. مما لاشك فيه أن أغلب هذه الثورات الشعبية العربية تعكس حالة عدد من الشعوب العربية المتردية اقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا، وتعبر عن حاجة حقيقية ومشروعة لدى هذه الشعوب للتغيير السياسي والإصلاح الاقتصادي، والعيش بكرامة وتحقيق العدالة الاجتماعية والإنسانية. في الحقيقة إن التمعن في ما حدث والقراءة المتعمقة لمجريات الأحداث وتتابعها وتوقيتها، يطرح العديد من التساؤلات حول خلفية هذه التحركات الشعبية، والعوامل التي ساعدت على ظهورها، ولماذا الآن، ومن هو المستفيد مما يجري، ومن هم الفاعلون السياسيون والقوى السياسية المحلية التي قادت هذه التحركات، ومن هي القوى الخارجية التي لعبت دورا في تغذية هذه الأحداث في محاولة للتأثير بمجرياتها لتصب في مصلحتها، وإلى أي مدى يتفق ما يجري مع الخطط الموضوعة لرسم خارطة سياسية لشرق أوسط جديد، وإلى أي مدى سيكون التغيير السياسي الجاري بالمنطقة ايجابيا وبناء، وتتوفر فيه كل مستلزمات وركائز وأساسيات الدولة الحديثة. انطلاقا من هذه التساؤلات وبالتحديد التساؤل الأخير، يمكن تقديم قراءة موضوعية لمجريات الأحداث الجارية من خلال عرض مجموعة من النقاط التالية: * إن هناك تغييرا يحدث وبشكل تدريجي وبطيء في شكل الدولة العربية وذلك إما بتحول النظم العربية على اختلافها وخصوصية كل منها ، من شكل النظام السلطوي ذي الطابع المركزي والأبوي إلى نظام سياسي ديمقراطي، بمعنى الانتقال من الدولة العربية ذات الحكم المطلق إلى الدولة العربية الديمقراطية في حالة التحول بمعناه الايجابي، أو التحول السياسي بمعناه السلبي يعني أنه قد تكون هناك دول عربية مرشحة للتقسيم وهذا ما حدث بالفعل بالسودان، وهو ما يتفق مع المشروع الأمريكي المعد له منذ سنوات لرسم الخارطة السياسية لشرق أوسط جديد. * لقد شهد العالم في كافة أرجائه وعلى مر سنين طويلة حالة حراك سياسي وتطور في شكل الدولة وبنيتها الوظيفية وهيكلها السياسي، بمعنى أن الدول ارتقت بنظامها السياسي إلى شكل أصبحت فيه أكثر استجابة لمتطلبات الدولة الحديثة بركائزها المبنية على أساس مجتمع مدني تتحقق فيها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحرية التعبير، وتعزيز مفهوم المواطنة من خلال التركيز على عنصر الشراكة بين الدولة ومواطنيها بالمعنى السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وهذا ما غاب عن المشهد السياسي العربي لسنوات، مما جعل عددا كبيرا من الدول العربية بعيدا عن هذا الحراك السياسي العالمي، تعيش عزلة بأنظمتها الكلاسيكية التي أصبحت قديمة ولا تراعي حاجات الشعوب السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الإنسانية، كما لا تواكب متطلبات الدول بمجتمعاتها الحديثة التي ترتقي بشعوبها في ظل التطورات المتسارعة التي تتسم بها الألفية الجديدة.