رحلة طويلة مع الأدب وعلم النفس والفلسفة ودراسة الأديان والتاريخ تلك التي قطعها المفكر السوري جورج طرابيشي، الذي توفي يوم أمس الأربعاء عن عمر يناهز ال77 عاماً. مرّ طرابيشي بتحولات كبيرة في رؤيته السياسية، تحول فيها من القومية إلى الماركسية ومن ثم إلى الليبرالية، كما أنه بدأ مشواره الفكري ناقداً أدبياً ومترجماً لأهم ما كتب المفكرون الغربيون، مثل هيغل وسارتر، ولكنه تخصص بترجمة كتب عالم النفس الشهير سيمغوند فرويد إلى العربية، عبر أكثر من 30 كتاباً. بعدها غاص المفكر السوري - الذي قرر الرحيل لباريس قبل 40 عاماً - في التراث وتخصص في نقد العقل الديني، ونشر ردوده على المفكر المغربي محمد عابد الجابري بكتب شهيرة، كان عنوانها العريض "نقد نقد العقل العربي"، مثلت إضافة كبيرة للمكتبة العربية. فضل طرابيشي العمل بهدوء بعيداً عن الأضواء والمؤتمرات الثقافية، التي لم يحضر إلا القليل منها، لأنها تحولت - كما انتقدها في أحد حواراته - إلى لقاءات واجتماعات لا ينتج عنها ما يفيد. حضوره الصحافي المكتوب ظل محدوداً باستثناء بعض الحوارات القليلة، أما المقابلات التلفزيونية فهي شبه معدومة. يعد طرابيشي من أبرز الكتاب التنويرين في العالم العربي ودافع بضراوة عن أبرز مفكري النهضة العربية، وانغمس في التراث الإسلامي والعربي في بحث طويل عن ينابيع الفكر الحر وقيم التسامح والحرية في محاولات حثيثة منه، لإدخالها في نسيج الواقع العربي المحترق بنار الصراعات الطائفية والدينية. للراحل طرابيشي مقولات شهيرة تعبر عن منهجه النقدي، الذي اشتهر به نستعرض هنا سبعاً منها: المقولة الأولى كل حديث عن الإصلاح السياسي، مع الإبقاء على المنظومة المعرفية القديمة والمفاهيم التقليدية، إنما هو نقش على ماء. المقولة الثانية إن الانفتاح على الحداثة هو الذي يمكن أن يطرح على التراث أسئلة جديدة.. وأن يستنطقه أجوبة جديدة.. وأن يعيد صياغته في إشكاليات جديدة. المقولة الثالثة من قبل ما كنت أقرأ - والقراءة هوايتي الكبرى - إلا مع أو ضد.. ومن بعد صرت أقرأ بعيداً عن همّ المع أو الضد.. من قبل كنت أقرأ لأحكم ومن بعد صرت أقرأ لأعرف.. من قبل كنت أرد كل ما أقرأه إلى ما أعرفه.. ومن بعد صرت أنطلق مع كل ما أقرأه إلى ما لا أعرفه. المقولة الرابعة ثقافتنا هي انغلاق على مفاهيم من عصور سابقة كانت فعالة آنذاك، لكنها اليوم بلا أدنى فعالية، نحن نريد أن نجيب عن أسئلة الأبناء بأجوبة الأجداد. المقولة الخامسة عدو الديمقراطية هو تصوير الديمقراطية على أنها الخلاص.. وكبرى مشكلات العالم العربي أننا اختصرنا الديمقراطية إلى أحد مظاهرها، وهو صندوق الاقتراع. المقولة السادسة العقل لا يكون عقلا إلاّ إذا كان نقديا. المقولة السابعة مجتمع يريد الديمقراطية في السياسة ولا يريدها في الفكر ولا على الأخص في الدين، هو مجتمع يستسهل الديمقراطية ويختزلها في آن معا.