صدرت عن «جداول للطباعة والنشر والترجمة» ببيروت، ترجمة الباحث المغربي المقيم في النمسا د. حميد لشهب لكتاب المحلل النفسي الألماني راينر فونك: «الأنا والنحن. التحليل النفسي لإنسان ما بعد الحداثة». وتكمن أصالة هذا الكتاب، بشهادة العديد من المتخصصين، في كونه أول محاولة علمية جدية استطاعت وصف إنسان مابعد الحداثة في شموليته، وتحليل الأسس النفسية والاجتماعية التي تحدد هويته، وإزاحة الغطاء على الثقافة الما بعد حداثية في تجلياتها الاقتصادية، بدراسة الجذور الإيديولوجية لهذه الثقافة وشرح أخطر ما توصل إليه إنسان زماننا من استيلاب وتغريب، عن ذاته وعن الآخرين. تتشابك العوامل التي أدت إلى تكوين هذا الطبع المجتمعي المابعد حداثي الجديد وتتعقد، مفرزة «توجه أنا» جديد كل الجدة، لم يسبق له مثيل في تاريخ الإنسانية، درسه فونك في هذا الكتاب باستفاضة وعمق. وعلى الرغم من أن الكاتب والكتاب متخصصين، فإن فونك قد نجح في إيصال المضامين المختلفة لموضوع دراسته بلغة أكاديمية عالية الجودة في متناول جمهور عريض من المهتمين، وقد لقي هذا الكتاب إقبالا كبيرا عليه في العالم الجرماني أثناء صدوره، وما يزال محور اهتمام الكثير من الدوائر الأكاديمية. يقود كل تغير في الاقتصاد وفي المجتمع إلى تغير في الشخصية كذلك. وتتمظهر هذه التغيرات بالخصوص في فئات اجتماعية بعينها أو في مجموعة مهنية ما أو في فئة عمر أو ثقافة فرعية أو في نمط عيش محدد أو في وسط ما. يتطور إذن نوع جديد للشخصية، يؤثر إلى حد كبير في سلوك الناس وفكرهم وشعورهم وممارساتهم. ليس السلوك وحده هو الذي يتأثر بهذا النوع الجديد للشخصية، بل أيضا تمثل القيم والصورة التي يحملها المرء عن نفسه وعن الآخرين والمحيط والمستقبل والإمكانيات الذاتية وحدودها، التي تميز هذا النوع الجديد من الشخصية بالمقارنة مع الأنواع الأخرى المعروفة في وسط ما. يتعرض المؤلف في الجزء الأول إلى قيام توجه الأنا المابعد حداثي. ففي زحمة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي توجد وراء هذا القيام، يهتم بالخصوص بالأبعاد النفسية لتشكل الأنا المابعد حداثي. أما في الجزء الثاني فإنه يصف وصفا دقيقا الإنسان المابعد حداثي، سواء أكان نشيطا أو خاملا. يتعلق الأمر في الجزء الثالث بالتحليل النفسي لتوجه الأنا المابعد حداثي كتوجه طباعي غير خَلاَّق. وينتج هذا التحليل من تحليل معيش الأنا الغير الواعي وتوجهه ويقود إلى البرهنة على ديناميكية استيلاب/تغريب توجه الأنا. وانطلاقا من هذا شرح فونك التأثيرات المرضية لتوجه الأنا، على الرغم من أن هذا الشرح اقتصر على التأثيرات المرضية التحليل نفسية. ويركز في الجزء الرابع على دراسة التوجه الخَلاَّق وتوجه الأنا المابعد حداثي، آخذا فهم فروم لتوجه الطبع الخلاق بعين الإعتبار، لكي يجيب في مقطع ختامي عن إشكالية ما إذا كان الإنسان المابعد حداثي يتوفر على إمكانيات التوجه الخلاق بالفعل وكيف يمكن التمييز بين الخلاق والخامل المابعد حداثيين.