حل جلالة الملك مساء الأحد بالعاصمة الروسية موسكو، في زيارة رسمية لروسيا الاتحادية . ويرافق جلالة الملك في هذه الزيارة وفد مهم يضم على الخصوص، الطيب الفاسي الفهري وفؤاد عالي الهمة مستشاري جلالة الملك بالإضافة إلى عدد من أعضاء الحكومة ويرتقب أن تعطي هذه الزيارة دفعة قوية للعلاقات بين البلدين وفي هذا الإطار كتبت صحيفة (كومريسانت) الروسية أمس الاثنين أن الزيارة الرسمية لجلالة الملك محمد السادس إلى روسيا محملة بآفاق مستقبل واعد لشراكة في تطور مستمر، على خطى مسار العلاقات التاريخية التي تجمع الأمتين، والذي يعطي في الوقت الراهن دفعة جديدة لمحور الرباطموسكو. وأضافت الصحيفة ذات الانتشار الواسع في مقال بعنوان "وعد الشراكة المغربية الروسية" "إن الصداقة الخاصة بين المملكة المغربية وروسيا تعود للقرن ال 18 كما تؤكد على ذلك المراسلات المتبادلة بين الملكة كاثرينا الثانية والسلطان سيدي محمد بن عبد الله والذين وضعا أسس علاقات مرتكزة على احترام المصالح المتبادلة". وأضاف المقال أن المغاربة يتابعون ب"حماسة كبيرة" زيارة جلالة الملك لموسكو، مشيرا إلى أن هذه الزيارة تستمد "قوتها من هذه العلاقات العريقة والتي تعتبر في الوقت الراهن مصدر إلهام لإعطاء دفعة قوية على أعلى المستويات للشراكة بين المملكة وروسيا". ووفقا للصحيفة ففي الوقت الذي تتميز فيه منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط بظرفية اقتصادية متأزمة وتواصل دوامة العنف "يقدم ملف تطوير العلاقات المغربية الروسية آمالا عريضة لهذه البقعة من العالم". لتضيف "من الواضح أن المغرب وروسيا تمكنا من تثمين علاقاتهما التجارية القوية وهما أيضا على استعداد للمضي في ذلك"، مشيرة إلى أن البلدين وقعا قبل 15 سنة اتفاقا للتبادل الحر كان وراء الرفع من قيمة المبادلات التجارية من 200 مليون دولار في العام 2001 إلى 2.5 مليار دولار العام الماضي. ولاحظت الصحيفة أن حكومتي البلدين قررتا في العام 2013 إبرام اتفاق للصيد البحري يساهم بالخصوص في التنمية والازدهار الاقتصادي والاجتماعي في الأقاليم الجنوبية للمملكة. ووفقا للصحيفة فإن هذا الطموح يتماشى والنموذج الجديد لتنمية الأقاليم الجنوبية في إطار تنظيم المجال والحكامة في المملكة الحريصة بقوة على متطلبات وطموحات مواطنيها مستندة على الجهوية المتقدمة كعنصر فعال لتطوير الديمقراطية التشاركية. وأضاف كاتب المقال أن هذا النموذج من بين خاصياته تقليص الفوارق بين جهات المملكة وتسهيل الولوج للخدمات الاجتماعية في مناخ يرتكز على الأنشطة الاقتصادية وخلق فرص التشغيل. وأكدت الصحيفة في هذا السياق، أن المغرب خصص عدة ملايير من الدولارات من أجل تحديث وإعطاء دفعة للتنمية المعززة في أقاليم الجنوب منذ استرجاعها، بهدف إحداث تحول وجعلها مركزا حقيقيا للتجارة الدولية، وقال إن الفرص ناضجة بما فيه الكفاية من أجل أن تشارك روسيا كمستثمر وشريك استراتيجي. ولاحظت الصحيفة من جهة أخرى أن روسيا والمغرب يتميزان ب"التزامهما المشترك" لمحاربة الإرهاب والتطرف الأعمى ولديهما حجج قوية في هذا المجال، فهناك من جهة القدرات الضخمة الموظفة في تعقب وتحييد الأعمال والمخططات الإرهابية ومن جهة أخرى المقاربة التي ينفذها المغرب في المجال بالخصوص تكوين الأئمة ونشر خطاب الوسطية والاعتدال. وختم الكاتب بالتأكيد على أن آفاق التعاون والتبادل في هذا المجال كما في غيرها توجد واعدة في وقت يعمل فيه البلدان على تنويع وتطوير شراكتهما الواعدة بالفرص المربحة للطرفين. وتتميز المرحلة الحالية للعلاقات التجارية والاقتصادية بين المغرب وروسيا بارتفاع ثابت لحجم التبادل التجاري منذ سنة 1994 ، إذ وصل السنة الماضية إلى 2.5 مليار دولار. وتصدر روسيا إلى المغرب بشكل أساسي المواد الخام (النفط والحديد والكبريت) والحبوب إضافة لذلك تصدر الصفائح المعدنية والمواد الكيماوية والأسمدة والأخشاب. ومنذ سنة 1998 تحتل روسيا المركز الثاني (بعد الاتحاد الاوروبي) بين مستهلكي المنتجات الفلاحية المغربية وبالخصوص الحوامض والطماطم. وتمثل المنتوجات الفلاحية 85 في المئة من قيمة صادرات المواد الغذائية الموجهة لروسيا، بحصص 71 في المئة من الحوامض، و12 من الطماطم، و15 في المئة من منتجات الصيد البحري معظمها من دقيق السمك، في حين يستورد المغرب من روسيا منتجات فلاحية، أهمها لب الشمندر بنسبة 55 في المئة، وزيت عباد الشمس (20 في المئة). وبخصوص الصادرات المغربية من الخضر والفواكه، أهم ما يصدر منها نحو روسيا هي الحوامض والطماطم والبطاطس، وعرفت هذه المنتوجات نموا مستمرا من سنة 2009 إلى 2015. وسجلت صادرات المغرب من الحوامض 317865 طنا سنة2013 / 2014، وأصبح بذلك السوق الروسي أهم سوق للحوامض المغربية بحصة 57 في المئة سنة 2013/2012. إلا أن المغرب البلد، الذي يتوفر على بنية وتنوع في مختلف منتجاته السياحية، يراهن على السوق السياحية الروسية الصاعدة، التي أصبحت تكتسي في السنوات الأخيرة أهمية خاصة بالنظر لمؤهلاتها وإمكانياتها الضخمة. ويبرز الاهتمام المغربي بالسوق الروسي من خلال الحضور البارز والمستمر في جل اللقاءات والمحافل والتظاهرات السياحية التي تنظم في مختلف مدن الفدرالية الروسية وبلدان رابطة الدول المستقلة، من أجل الترويج للوجهة السياحية المغربية والتعريف بما راكمته المملكة على جميع المستويات السياحية والثقافية والاقتصادية. وعلى الرغم من اقتحام المغرب للسوق السياحية الروسية منذ أزيد من عشر سنوات، إلى جانب حضوره بانتظام في المعارض الدولية للسياحة بموسكو، مازال لم يرق إلى تطلعات هذه السوق الرائدة والواعدة، حيث أن عدد السياح الروس الذين يزورون المغرب لم يتجاوز 30 ألف سنة 2015 بالمقارنة مع وجهات سياحية منافسة للوجهة السياحة المغربية من الدول المتوسطية. فجميع مقومات السياحة موجودة بالنسبة للمنتوج المغربي الذي يتميز بالسياحة الشاطئية والجبلية والبيئية. كما أن استقطاب السياح الروس يتطلب تضافر جهود كل الفاعلين، وذلك من خلال تدريس العاملين في الفنادق اللغة الروسية، وتوفير ميزانية خاصة لتسويق المنتوج السياحي المغربي في روسيا، إلى جانب فتح خطوط جوية مباشرة تربط يوميا بين موسكو وسان بيترسبروغ والمدن المغربية. وكانت مندوبية المكتب الوطني للسياحة في موسكو قد نظمت عدة زيارات خلال هذه السنة منها جولات في مجموعة المدن المغربية، بمشاركة صحفيين وفاعلين سياحيين والعديد من وكالات الأسفار من مختلف المدن المغربية لتعريف المهنيين والوكلاء السياحيين الروس بالمنتوج السياحي المغربي المتنوع. والواقع فبالنظر لعوامل كثيرة فإن المغرب، الذي يتمتع بالاستقرار والمؤهلات الطبيعية والخبرة المهنية في المجال السياحي، علاوة على توفره على بنيات تحتية ذات مستوى عالمي أضحى من الوجهات السياحية التي تستأثر باهتمام السائح الروسي في الآونة الأخيرة وهو ما يعكسه تطور عدد السياح الروس الزائرين للمغرب، وذلك بالرغم من الظرفية الاقتصادية الصعبة التي تمر منها روسيا بشكل خاص والاقتصاد العالمي بشكل عام. وما حضور السياحة المغربية في السوق الروسية من خلال الفاعلين والمهنيين السياحيين إلا دليل واضح على هذا الاهتمام الذي حقق تحولا هاما على هذا المستوى، إذ بإمكان المملكة ،إذا ما توفرت الشروط الموضوعية ،أن تحقق أرقاما قياسية في توافد السياح الروس على المغرب خلال السنوات القادمة وذلك شريطة توسيع وتعميم الحملات التواصلية والوصلات الإشهارية لتشمل ربوع روسيا الفدرالية و باقي دول رابطة الدول المستقلة. ويرى المهنيون إن السوق السياحية الروسية كبيرة جدا وواعدة، لان ساكنة روسيا الاتحادية تقدر بأزيد من 140 مليون نسمة ويصل عدد الروس الذين يقومون برحلات سياحية إلى الخارج سنويا ال 20 مليون سائح، كما أن هذه السوق يمكن أن تمثل بالنسبة للمغرب رافعة سياحية واقتصادية تمكنه من تحقيق الأهداف المسطرة في الاستراتيجية السياحية في أفق سنة 2020 . وفي هذا السياق ومن أجل استقطاب المزيد من السياح الروس، يؤكد المهنيون أنه يجب تضافر جهود الجميع منعشين وفاعلين في المجال ، وفي الوقت ذاته ، وضع استراتيجية خاصة بروسيا ،لأن المغرب ليس ممثلا فيها سياحيا بالشكل المطلوب. من جهة أخرى، و بخصوص العلاقات المغربية الروسية أكد سفير المغرب لدى روسيا عبد القادر الأشهب أن هذه العلاقات تميزت على الدوام بطابعها الودي وبروح التشاور حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، مشيدا في هذا الإطار بالتطور المطرد الذي تعرفه العلاقات الثنائية بفضل "التعاون الاستراتيجي القائم بين البلدين والنمو المتزايد في المبادلات الاقتصادية والتجارية والثقافية. وأضاف الأشهب في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة الزيارة الرسمية التي يقوم بها جلالة الملك محمد السادس إلى موسكو ابتداء من يوم الأحد، أن العلاقات بين البلدين شهدت خلال الفترة الأخيرة نموا مطردا إذ أصبح المغرب الشريك التجاري الثاني لروسيا على المستويين الإفريقي والعربي، مبرزا أن البلدين يتقاسمان نفس الرغبة والإرادة لتطوير التعاون في ما بينهما. وأوضح السفير أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفع ليصل إلى مليارين و500 مليون دولار العام الماضي، منوها في الوقت ذاته بالمستوى المتميز الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين والذي شمل مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. وفي معرض حديثه عن أهمية الزيارة الملكية إلى روسيا أوضح أن هذه الزيارة ستعطي دفعة قوية وكبيرة لمسار العلاقات المتينة التي تجمع البلدين، مبرزا في هذا السياق أن الزيارة الملكية تكتسي أهمية قصوى وبعدا تاريخيا نظرا للظرفية الراهنة وكذا للمكانة الرفيعة التي يحظى بها جلالة الملك لدى السلطات الرسمية والشعبية كقائد كبير له من الحكمة وسداد الرأي، ما جعل المملكة المغربية تخطو خطوات مسبوقة في درب النماء الاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي . وفي هذا الصدد أبرز أنه خلال هذه الزيارة سيتم التوقيع على العديد من الاتفاقيات التي من شأنها العمل على "تطوير، ودعم التعاون والشراكة الاقتصادية والتجارية بين البلدين والرقي بها ." وسجل الدبلوماسي المغربي بأن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي تم التوقيع عليها خلال الزيارة التاريخية التي قام بها جلالة الملك محمد السادس لروسيا الفيدرالية سنة 2002 وزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمغرب سنة 2006 ، تعتبر خارطة طريق للعلاقات المتميزة التي تجمع البلدين ونموذجا متفردا في العلاقات المغربية الروسية، حيث عرف التعاون الاقتصادي والتجاري خلال السنوات الأخيرة، إبرام مجموعة من الاتفاقيات همت الميدان الفلاحي والصناعات الغذائية والنقل الجوي . وقال إن سلسلة من الخطوات تم اتخاذها على هذا المستوى والمتمثلة في تفعيل مشاركة رجال الأعمال الصناعيين والمصدرين، إذ قام مجموعة من رجال الأعمال المغاربة بزيارات عمل إلى روسيا إما للمشاركة في منتديات اقتصادية أو المعارض التي أقيمت بكل من سان بترسبورغ وموسكو، حيث كانت المشاركة المغربية مكثفة ،عبر فيها العديد من رجال الأعمال المغاربة والروس عن تفاؤلهم بفرص التعاون بين روسيا والمغرب والآفاق الاقتصادية المتاحة حاليا في كلا البلدين.