ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الشريف الطريبق : «ينبغي أن نحرص على أن تكون لدينا قصص مصاغة بشكل جيد»

قبل أن ينزل جينريك «أفراح صغيرة»، فيلم محمد الشريف الطريبق الطويل الثاني، تركّز أنيسة العناية نظرها في أعين المشاهد وفق لازمة الختم على إيقاع شفافية الحكي وانتفاء المسافة من الموضوع. اختيار يقول أشياء كثيرة عن روح هذا العمل الذي ينبئ، رغم هناته القليلة، على نضج وتحكم واعدين. ينبني «أفراح صغيرة» على تصور حميمي لأجواء تطوان في خمسينات القرن الماضي من خلال قصة فتاتين يافعتين (أنيسة العناية في دور يشكل حفل معموديتها فنيا، وفرح الفاسي في دور مركب يعيدها إلى الأضواء) تحتميان داخل علاقة تتراوح بين التآلف والنفور من سطوة مجتمع ذكوري النزعة. لا يسقط الفيلم في فخ النظرة الإكزوتيكية التي تضع الرجل دائما في دور المضطهد، حيث يمكن أن تتجسد النزعة الذكورية في المرأة نفسها حين تصبح أكبر عدو لأختها المرأة. يتسم حوار الفيلم بعمق وسماكة يمنحان الحكي مستويات قراءة تتجاوز اجترار ما يحدث أو حتى التقدم في السرد إلى الغوص في مكنون الشخصيات وتفاعلها مع الوضعيات الدرامية. ولا ننسى المجهود الكبير المبذول على مستوى تشكيل اللقطات وتكثيف السرد حول ما هو أساسي تلافيا للشوائب والتيه اللذان طبعا أفلاما كثيرة نافست «أفراح صغيرة» في إطار الدورة السابعة عشرة من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة. دورة اقتنص فيها الطريبق جائزة أفضل سيناريو وفرح الفاسي أحسن أداء في دور ثانوي، بالإضافة إلى جائزة الجامعة الوطنية للأندية السينمائية للفيلم. ولولا أن الفيلم افتقر، في رأينا، إلى حبكة ثانوية كانت ضرورية من أجل منح الشخصيتين الرئيسيتين حيزا لعيش تجربة أطول بعد فترة التعارف والتقارب، مما كان سيجعلنا نستشعر حدة القطيعة بينهما بشكل أعمق، لكنّا الآن بصدد فيلم أكثر تماسكا وقوة.
في ما يلي حوار مع محمد الشريف الطريبق نتناول فيه هذه الملاحظة وغيرها من الأسئلة التي يثيرها «أفراح صغيرة» الذي سيخرج إلى القاعات الوطنية في السادس من أبريل المقبل.
o كيف انبثقت فكرة الفيلم في ذهنك؟ هل كانت البداية صورة أم موسيقى أم شخصية...؟
n كانت الفكرة الأولى عبارة عن موسيقى، وهي نفسها التي نسمعها في الفيلم. كانت أيضا صورة ولكنها كانت مبهمة في ذهني، وتتعلق بفيلم شخصياته كلها من النساء. كان هذان العنصران أساسيين في انبثاق فكرة الفيلم، ومن ثم نشأ تصور مفاده أن الفيلم ينبغي أن يتموقع في زمن مخالف لعصرنا الحالي، حيث كانت الأجواء النسائية المحضة بارزة و التباين بينها وبين عالم الرجال مرتفعا، فاتجهت إلى آخر مرحلة في المغرب العتيق تحضر فيها هذه الخصائص وهي فترة الخمسينات. فبعد استقلال المغرب، تغيرت الأمور وبدأت النساء تخرج من البيوت وتختلط شيئا فشيئا مع عالم الرجال. بوسعنا أن نقول أن زمن الفيلم هو الفترة الأخيرة التي كان فيها المغرب كما تخيله المستشرقون. بعد هذا التصور الأولي، كان أول عمل قمت به هو جمع معلومات حول العلاقات بين النساء في تلك الحقبة. كيف كانت تحضر مشاعر كالحب والغيرة والتواطؤ بين النساء...؟ بحثت عن سيدات يبلغن من العمر ستين أو سبعين عاما وجالستهم وتحدثت معهم عن كل شيء ولا شيء. استمعت لهن يتحدثن لساعات فقط ليضعنني في أجواء الخمسينات. أحسست بشيء من الغبن حين لم أجد في الأدب المكتوب تفاصيل كثيرة تساعدني على تخيل عالم الفيلم. رغم هذا تابعت البحث وجمعت كل العناصر التي حصلت عليها، فبدأت تتبدى لي قصة فتاتين إحداهما تنتمي لوسط فقير والأخرى لعائلة غنية، وفي منتصف الطريق، وقفت على حقيقة أن وسط المجتمع المحافظ والمنغلق، هناك ميكروكوسم آخر مختلف جذريا عن الصورة التي يعطيها للخارج، واكتشفت المثلية النسوية التي تختلف عن الذكورية وتختلف بالأخص عن المثلية كما نتصورها اليوم، لم أكتشف هذا المعطى بمعنى أنني أول من يخرجه إلى الوجود، بل تبين لي الأمر على شكل استعارة على مدى الحميمية التي كانت تبلغها العلاقة بين النساء آنذاك والتي يمكن أن تنتج صراعا قويا جدا، فمن بين قواعد الدراماتورجيا أنه كلما زاد التقارب بين شخصيتين كلما ارتفعت حدة الصراع الكامن بينهما.
o وكيف اشتغلت على معطيين مهمين جدا في الفيلم هما الديكور وتشكيل صور هذه الحقبة أو بمعنى آخر كل ما يحضر في الكادر والأهم: كيف يحضر؟
n كان مرجعي الأساسي في هذا هو الانتاجات الأجنبية، أي بالأساس اللوحات التشكيلية والكتابات، وبالخصوص أن لدي صديق يقوم بإعادة رسم لوحات المستشرقين. اعتمدت أيضا على بعض الصور القديمة لمدينة تطوان، وكانت كلها بالأسود والأبيض. لكني قررت أن لا أنجز فيلما حنينيا بالأسود والأبيض، بل فيلما عن فترة ماضية نعيشها وكأنها آنية. وفي المقابل لم أحاول أن أقرأ وضعية النساء في الخمسينيات انطلاقا من الخطاب السائد اليوم لدى الحركة النسائية المطالبة بحقوق المرأة، بل أن أعيشها كما هي من الداخل. كانت فكرة النساء آنذاك عن التحرر مرتبطة بأشياء بسيطة كالذهاب إلى المدرسة أو السينما...
o وخلافا للفكرة السائدة كانت النساء وليس الرجال، وخصوصا من بلغن عمر الجدات، هن من يحتفظن بالكلمة العليا والأخيرة كما يظهر في الفيلم...
n فعلا وبالتالي، كما قلت، فإن هذه المرجعيات هي التي أعطتنا الجو العام، لكن الصورة التي أردتها كانت بالألوان، وكنت أبحث مع مدير التصوير عن صورة طرية ومشمسة تظهر أديم وجوه الممثلات بوضوح، لهذا طغت اللقطات المقربة على الفيلم، وحتى حينما كانت تحضر اللقطات المتوسطة، كنا نحاول أن يكون الإطار ممتلئا وأن لا نترك مساحات كثيرة للفراغ. وما أغنى في نظري أيضا تشكيل الفيلم هو أن اللقطات كانت في مجملها ثابتة والممثلات هن من يخرجن ويدخلن في الإطار كل مرة. شيء آخر أحاول أن أتفاداه في هذا النوع من الأفلام، كون الديكور أصلا يتسم ب»الجمال»، هو أن لا يطغى جمال الديكور على الشخصيات، فيصبح لدى المتتبع خصوصا من الأجانب انجذاب للزليج أو الأثاث أكثر من الشخصيات. لهذا سعيت رفقة مديرة التصوير إلى إيلاء اهتمام أكبر للشخصيات ولباسها، أما الخلفية فلا حاجة لتسليط الضوء عليها. تعاملت مع الفضاء وكأنه فضاء عادي حتى لا أسقط في الفولكلورية، لكن هذا لا يمنع من أنه جميل جدا. يجب ألا نبيع أفلامنا كمغاربة بجمال الديكور فقط. ينبغي أن نحرص على أن تكون لدينا قصص مصاغة بشكل جيد.
o لنسلط بدورنا الضوء على الممثلين. يتسم الفيلم باشتغال جيد على صعيد الكاستينغ وإدارة الممثلين. براعة الكاستينغ تتجسد في أنيسة العناية ومجهود إدارة الممثلين يظهر في آداء فرح الفاسي...
n (ضحك) هذه طريقة فريدة لرؤية الأمور. فعلا فمنذ البداية، كنت أراهن على كاستينغ غير تقليدي بمعنى أن أنشر إعلانا وأستدعي كوميديين وأختبرهم وغيرها من الخطوات الاعتيادية. لدي دائما تصور، حتى ولو كنت أسعى أحيانا إلى التخلص منه، أبقى من خلاله وفيا إلى المكان الذي أصور فيه. وأولى الاعتبارات المحلية هي اللهجة. قلت لنفسي أن لهجة الممثلات ينبغي أن تكون تطوانية محضة، إلى درجة أن صديقا انتدبته من أجل الاشتغال على ترجمة الحوارات من الدارجة التطوانية إلى الانجليزية طلب مني أن أترجم الحوار أولا إلى العربية، لأنه لم يكن يفقه شيئا في بعض فترات الفيلم. وبالتالي، كنت أعرف مثلا منذ البداية أن فرح الفاسي (ت.م: منحدرة من عائلة تطوانية) ستكون في الفيلم وقد كانت تتابع عملي منذ الكتابة، وساعدتني نساء من عائلتها في هذا الجانب. أما أنيسة العناية، فكنت أتابعها منذ مدة لأنها مثلي تنحدر من العرائش وهي تتابع دراستها في المعهد العالي للتمثيل. وضعتها في مجال اهتمامي من بعيد ولاحظت إلى جانب نظرتها المميزة، أن لدى أنيسة خاصية أخرى كونها بمجرد أن تغير مظهرها الخارجي حتى تصبح شخصية مخالفة تماما كل مرة، وهذا كان مهما حتى تستطيع لعب دور فتاة أصغر من عمرها. ميزة أخرى تتسم بها أنيسة هي أنها جريئة وهذا ما تبين لي من خلال مراقبة كيفية عيشها في محيطها، وكيف لا تولي أي اهتمام لنظرة المجتمع. كان مهما بالنسبة لي أن تكون الممثلة متصالحة مع جسدها. ما إن تتموقع أنيسة في الإطار، إلا وتحقق التركيز اللازم وتصبح في حاجة لتوجيهات قليلة من أجل أن تجد إيقاع اللعب المناسب. الأساسي أننا كنا نعيش مجتمعين في مكان واحد، نلتقي ونتجاذب أطراف الحديث ونراجع الحوار وندقق فيه. هكذا كانت الممثلات مشاركات فعليات معي في إنجاز الفيلم.
o هل تمرنتم كثيرا قبل بدء التصوير؟
n امتد التمرين لمدة شهرين متفرقة في الزمن. كنت أتمرن مع كل ممثلة على حدة. وبعد ذلك بدأت في جمعهن من أجل التمرن على بعض المشاهد، قبل أن نلتقي جميعا في الشهر الأخير قبل التصوير. كان ضروريا أن تعيش أنيسة العناية شهرا في تطوان من أجل استرجاع مرونتها في تحدث اللهجة التطوانية التي بدأت تفقدها كونها تعيش في الرباط من أجل الدراسة.
o ما الاختلاف الذي لمسته في آداء فرح الفاسي بين «زمن الرفاق» و»أفراح صغيرة»، حيث أنها قامت بسفر طويل بين أفلام وتجارب كثيرة غثها أكثر من سمينها؟
n انتقدني البعض بعد «زمن الرفاق» قائلين أن فرح ممثلة جميلة لكنها كانت غائبة أثناء الفيلم. كنت آنذاك في حاجة لممثلة ذات حضور متوسط حتى لا يطغى على شخصية الصحفي الذي يمثل صلة الوصل في الفيلم. في «أفراح صغيرة» أردت أن أجرب شيئا مختلفا وأن لا أجعل منها مرة أخرى «موضوع الرغبة». ازدادت علاقتي مع فرح عمقا منذ الفيلم الأول وشاهدت كل أعمالها بعده من دون أن أكون بالطبع راضيا على كل ما مثلت فيه. كل هذا سمح لي أن أتعرف عليها أكثر وأتعرف على مكامن القوة والضعف. كانت تنتظر أن تلعب الدور الأول، لكني أردت أن أقدمها في دور مختلف حتى يكون الأمر بمثابة تحد لكلينا. قلت لها لن أسند لك الدور الأول، لكني سأقدمك في دور ثان مركب أكثر من الأول، لأنك ستلعبين دور فتاة متحكمة تأكلها الغيرة، وتحاول أن تحقق أهدافها بشتى الوسائل بما فيها المواجهة العنيفة. فرح إنسانة تمتاز بذكاء فطري وقد حاولت استغلال هذا الجانب في الفيلم.
o نأتي إلى الحوار الذي فاجأني صراحة بتماسكه ونضج مرجعيته التي كانت سندا كبيرا لدراماتورجيا الفيلم، خصوصا أن الأمر يتعلق بفضاء مغلق لا تملك فيه عناصر كثيرة غير الحوار من أجل التقدم في الحكي. كيف كان العمل عليه؟ هل كتبه معك أحد آخر؟ وهل تغير كثيرا مع توالي مراحل إنجاز الفيلم؟
n كتبت الحوار بمفردي أثناء إقامة كتابة، وقد أخذ حيزا كبيرا من العمل. الحوار هو الذي يربط الفيلم إن أردت بتجربتي في «بالكون أطلانتيكو» (ت.م: فيلم قصير أنجزه المخرج رفقة هشام فلاح سنة 2003). في هذا الأخير، انجذب الناس للإخراج وحركة الكاميرا، لكنه قبل كل شيء فيلم حول الكلام. كما قلتَ، يتسم «أفراح صغيرة» بوحدة المكان، هناك بالطبع حركات كثيرة لكن الرهان يبقى حول الكلام، وأنا لا أخاف من هذه المسألة. خصوصا أن هذا يتماشى مع طبيعة مجتمعنا. لقد تطلب الحوار اشتغالا أكبر لأن مقدار الحديث في النسخ الأولى من السيناريو كان كثيرا جدا، وكنت مجبرا على التقليل منه قدر الإمكان، وألا أترك سوى الحوار الذي ينطوي على حركية وأزيل كل حوار جامد. حين تسأل فرح مثلا أنيسة عن الهدية فهذا يحيل على الخطوبة ومباشرة بعد ذلك يصبح التهكم على «زهر الخيبات» مقدمة للخلاف بين البطلتين. هكذا يغدو الحوار، أكثر من حامل للمعلومة أو لتفسير ما يحدث، محفزا لوضعيات درامية مهمة. كنت أحاول ألا أحتفظ سوى بهذا النوع من الحوار بقدر الإمكان، بالموازاة مع تكثيف القصة كي لا أسقط في قول أشياء كثيرة تتعلق بالحركة الوطنية والاستعمار وغيرها من مواضيع حقبة الخمسينات.
يمكن تقسيم الفيلم إلى ثلاثة مراحل: مرحلة اللقاء والتعارف بين البطلتين، مرحلة تجربة التقارب والمعيش المشترك بينهما ثم مرحلة القطيعة. ألم تحس أن المرحلة الثانية لم تدم بالشكل الكافي ولم يكن المعيش المشترك بين البطلتين بالغنى المطلوب (ربما لافتقار الفيلم لحبكة ثانوية) وهذا ما جعل وقع القطيعة بينهما أقل حدة على المشاهد؟
هذه أول مرة أنتبه إلى أن الفيلم كان ربما في حاجة إلى حبكة ثانوية، أو ربما كان يلزم وقتا أطول للحياة بين البطلتين. قد يعود هذا إلى أنني أجد متعة أكبر في عقد اللقاءات والفراق أكثر من تطور العلاقات نفسها. أحب كثيرا أن أحكي عن الفراق. أوافقك أن مرحلة العيش المشترك لم تكن طويلة، لكن إن تناولت الفيلم من البدء إلى النهاية فهناك رحلة طويلة وتطور مستمر. الملاحظ أن القطيعة في الفيلم جديرة بالاهتمام من ناحية الإخراج أكثر من أي مرحلة أخرى. حيث هناك تردد ونلمس بحدة أكبر تعقيد العلاقة بين الفتاتين. هناك في هذه المرحلة تجاذب ونفور في الآن نفسه وغموض في المشاعر لدى الطرفين.
o تحتل الموسيقى حيزا مهما في الفيلم، خصوصا في مشاهد الغناء التي تتخلل السرد وتشكل متنفسا ولدى كلماتها ارتباط مهم بحكي الفيلم، كيف اشتغلت على الموسيقى بشكل عام وكيف أتى تصور هذا الذهاب والإياب بينها والحكي في الفيلم؟
n كما قلت سلفا، فمن بين العناصر التي أوحت لي بفكرة الفيلم كانت الموسيقى. بعد انتهائي من كتابة السيناريو، قلت لنفسي أين هي الموسيقى؟ لدي حفلتي عرس في الفيلم لكن لا يمكن أن أطيل فيهما أكثر مما يجب. كنت أقدم الفيلم على أنه موسيقي لكني لم أكن قد وجدت الموسيقى بعد. فكرت أن أكتب مشاهد تعبر فيها الشخصيات بواسطة الغناء، هكذا كان الفيلم سيكون نوعا ما «كوميديا موسيقية». بعد ذلك أنجزت شريطا وثائقيا حول موضوع «أفراح صغيرة» نفسه كان بمثابة استعداد للتصوير، وشكلت فيه المشاهد الموسيقية الأندلسية متنفسا للحكي. تساءلت لم لا أفعل الشيء نفسه في الفيلم التخييلي مادام قد اشتغل جيدا في الوثائقي؟ وهكذا يمكن أيضا أن أحتفظ بأثر مقاربة الكتابة حاضرا في الفيلم. أول من تكلمت معه في الأمر كان مديرة التصوير فأخبرتني بوجود فيلم يشتغل وفق الطريقة نفسها. كنت لم أشاهد بعد آنذاك «هيد اون» لفاتح آكين. ما راقني هو كيف تحضر المشاهد الموسيقية فيه بشكل شبه صدامي لا يبحث عن الرابط بطرق التوائية وهذا ما شكل مبعث اطمئنان بالنسبة لي. استمعت للموسيقى المتعلقة بأجواء الفيلم واخترت الكلمات التي سنسجلها. سجلنا حوالي ساعة من الموسيقى في المجمل، وبالاشتغال مع المونتير قمت بترجمة الكلمات إلى الفرنسية، وتوليفها وفق الموضوع والإيقاع الذي يناسب كل موقف، حتى تأتي الموسيقى كفرقة الكورال في المسرح التي تعلق على ما يحدث وتستبق ما سيأتي، وتحقق كذلك نقلة زمنية في سرد الفيلم لأننا لا نستعيد خيط الحكي حيث كان قبل المشاهد الموسيقية. إلى جانب هذه العلاقة الحكائية، هناك علاقة أخرى بين الموسيقى و»أفراح صغيرة»: فالأصل في الفكرة هو تخيل الأجواء التي أنتجت الموسيقى التي نسمعها في الفيلم. أي أننا حاولنا أن نتخيل أي نوع من الحياة يمكن أن تعطي إنتاجا فنيا بهذه الروعة.
o نصل في الأخير إلى الجزئية التي أثارت نقاشا كبيرا والتي يلخص فيها بعض من الجمهور من غير المتخصصين الفيلم وهي العلاقة الحميمية بين الفتاتين. ما راقني هو أنك صورتها بشكل محتشم نوعا ما من دون أن تلغيها كليا، وسبيلك إلى هذا مقاربتها كنوع من اللعب (اللوديزم) كما تقول شخصية فرح الفاسي في أحد المشاهد. كيف جاءت هذه الفكرة؟
n هذه فكرة انبثقت من البحث السوسيولوجي الذي قمت به. في الوثائقي، هناك سيدة تقول أن الرجال كانوا يتقبلون العلاقات الحميمية التي تنشأ بين النساء في تطوان الخمسينيات ويقولون أن كل ما في الأمر هو «نساء يلهين مع بعضهن البعض»، لأن العلاقة لا ينتج عنها إيلاج وبالتالي لا تترك أي أثر يذكر. من هنا جاءت فكرة العلاقة الحميمية بين النساء كنوع من اللعب، لكن هذا لا يمنع أنها كانت مرموزة بشكل دقيق داخل المجتمع. فكانت كل سيدة ترغب في علاقة مع أخرى تبعث لها بطبق فواكه جافة مرفوق بخيط وإبرة، فإن قامت «المعشوقة» باستهلاك الطبق تكون تلك علامة القبول. وغالبا ما تكون العاشقة منحدرة من وسط الأعيان والمعشوقة منتمية إلى عائلة فقيرة نسبيا. العلاقة بين الفتاتين في الفيلم لا تعدو أن تكون قوسا في مسار اكتشافهما لجسديهما وحياتهما الجنسية. أما العلاقة بين زينب والحاجة أو «ماما عينو» فهي علاقة جدية ومترتبة عن ثقافة الفصل بين النساء والرجال السائدة في المجتمع آنذاك. الأمر متعلق بسببية طبيعية لا تحتمل أن نتدخل في محاكمتها أخلاقويا. أنا لا أتكلم كثيرا كما لاحظت عن هذه المسألة لأن لدي نفور من الضجة، وحتى لا يتم اختزال عملي وعمل الفريق كله في مشهد من دقيقتين. لقد اشتغلت على المشهد وكأن الأمر لا يتعلق بطابو حتى لا أبالغ في الأمر أكثر مما ينبغي. نشاهد فيلما فرنسيا ولا نجد فيه أي لقطة ذات طبيعة جنسية لأنها غير ضرورية، أما في بلدان الجنوب، فتجد بعض المخرجين يقحمونها فقط لأنها في تصورهم «ممنوعة». أحاول أن أشتغل دائما وكأن لا شيء ممنوع كي لا تخيفني الطابوهات، وهذا ربما ما يفسر انطباع الاحتشام الذي تركته اللقطة الحميمية، لأني اشتغلت عليها وفقا لإمكانياتي الخاصة ومدى قدرتي واستعدادي الخاص لمشهد من هذا النوع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.