بدأ الخوض حول المراد من الوسطية مند صدر الاسلام الى عصرنا الحاضر من طرف العلماء من مختلف الاختيارات العقائدية والمذهبية والعلمية وقد احتد النقاش في شأنها خلال السنوات الاخيرة بعد بروز الجماعات والتيارات ذات التوجهات المختلفة وان كانت كلها تعلن انتسابها الى مرجعية واحدة مصدرها الدين الاسلامي والسنة والاجماع لا فرق بين اهل السنة والجماعة وبين الشيعة الرافضة والوهابية كما هوالشأن بالنسبة للخوارج والمعتزلة والجهمية والماتردية والحرورية والسبائية وغيرها من الفرق الدينية في عهد الخلفاء الراشدين المهديين . الا ان ما يميز هذه الجماعات في عصرنا الحاضر تأسيسها لتنظيمات متباينة في افكارها ووسائل تصريفها على ارض الواقع ويتعلق الامر بالتنظيمات الارهابية والاصولية المتعصبة والمتطرفة الخ . ولم ينحصر دورها في المجال الديني بل امتد الى المجال السياسي وغزوالمجتمعات واخونته في اغلبية بلدان العالم العربي الاسلامي واصبح يهدد امنها واستقرارها ويسيء الى الدين الاسلامي الحنيف حيت تولد عنه انطباع لدى امم الكفر والشرك بان الاسلام هومصدر الارهاب ويجوز محاربته والقضاء عليه ولا يتأتى ذلك إلا بالقضاء على الاسلام كمصدر للإرهاب ومن تم تبيح لهذه الامم الحق في التدخل في شؤون الامة والتحكم في انظمتها ومجتمعاتها . واصبحت الامة التي كانت خير امة اخرجت للناس تعيش حالة من الذل والمهانة لم يسبق لها مثيل بعدما اصابها الوهن وتداعت عليها امم الشرك والكفر ولم تعد تخاف مهابة المسلمين . وعليه وقبل الشروع في موضوع الحلقة والمتعلق بمقاصد الامة الاسلامية بالوسطية اشير الى اني نشرت مقالا تحت عنوان الاسلام ضد الارهاب في جريدة الاتحاد الاشتراكي يوم 30/02/2016 .وانه اثناء الشروع في اعداد هذا المقال لارتباطه بالمقال المشار اليه افاجأ في عددها ليوم الخميس 03/03/2016 نشر تغطية لأجوبة الاخ المالكي اتناء استضافته في برنامج « موعد للنقاش « على امواج الاداعة الوطنية كل يوم الاثنين . ومما جاء فيه قوله المد المحافظ الذي نعيشه اليوم تحت غطاء الدين سيفتح افاق غير مطمئنة وفي 04/03/2016 تأتي المفاجأة اكثر لما جاء في استجواب للسيد احمد توفيق وزير الاوقاف من طرف مراسلة الجريدة الاخت بديعة الراضي جاء فيه ( اصحاب الفثاوي العشوائية انصاف متعلمين معرضين للقشقشة والمشيخات الزائفة ) ويبدولي ان ما اتاره كل من المالكي وتوفيق له ارتباط بموضوع سبق لي ان ناولته بالتفصيل ونشرته في نفس الجريدة تحت عنوان الحقل الديني والسياسي في بلادنا في حاجة الى التاهيل. وبالفعل فان الحقلين في حاجة الى التأهيل لان الافتاء في الدين عمته الفوضى والعمل السياسي طاله التبخيس والميوعة . وفي اعتقادي ان مصلحة البلاد تقتضي تأهيل الحقلين وتولية شؤونهما للكفاءات المؤهلة والمشهود لها بالنزاهة والمصداقية والروح الوطنية لانقاد ما يمكن انقاده . اما بخصوص الامة الوسط فقد خص بها الله سبحانه وتعالى الامة الاسلامية حيت اشار اليها في سورة ال عمران بقوله (( كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر )) وجاءت الاية 43 من سورة البقرة لتجعل من الامة الاسلامية امة وسطا وذلك بقوله تعالى (( وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )) وفي تفسيرها يقول الصابوني في المجلد الاول من صفوة التفاسير ( اي كما هديناكم الى الاسلام كذلك جعلناكم يا معشر المؤمنين امة عدولا خيارا لتشهدوا على الامم يوم القيامة ان رسلهم ابلغهم ويشهد عليكم الرسول انه ابلغكم . اما ابن كثير في تفسير الاية ( وكذلك جعلناكم امة وسطا الخ .) ان الله كما اختارهم امة وسطا جعلهم خيار الامم لان الجميع معترفون لكم بالفضل. ويشير ابن كثير في الاية هوالخيار والاجود كما يقال قريش اوسط العرب نسبا اي خيرها وكان الرسول (ص) وسط في قومه اي اشرفهم نسبا ومنه الصلاة الوسطى التي تعتبر افضل الصلوات وهي العصر كما تبت في الصحيح وغيرها هذا ولما جعل الله هذه الامة وسطا خصها بأكمل الشرائع واقوام المناهج واوضح المذاهب مصداقا لقوله تعالى (( هواجتباكم وما جعل لكم في الدين من حرج ملة ابيكم ابراهيم الذي سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس )) . ويستفاد من اختيار الامة الاسلامية لتكون خير الامم وافضلها ليكون المسلمون شهداء على الناس ويكون الرسول (ص) شفيعا لهم يوم القيامة خلافا لجميع الامم كيف ما كانت اختياراتها العقائدية . وبذلك فان الامة الوسط هي الامة الاسلامية حيت تتسم بجميع الفضائل بعدما ارسل اليهم رسولا خاتما للأنبياء وانزل معه القران ودين الحق هداية للمسلمين وهوالمقصود من كونها امة وسطا . ويتعلق الامر بوسطية المسلمين بين اهل الملل وهكذا فمن تدبر حال اليهود والنصارى مع المسلمين وجد اليهود والنصارى متقابلين هؤلاء في طرف ضلال وهؤلاء يقابله . والمسلمون هم الوسط وذلك في التوحيد والانبياء والشرائع والحلال والحرام والاخلاق وغير ذلك .فاليهود وصفوا الرب بصفات النقص التي يختص بها المخلوق ويشبهون الخالق بالمخلوق والحال انه منزل عن كل عيب اونقص وان جميع صفات العلووالكمال فهواولى بها وهوما اشارت اليه الاية 31 من سورة التوبة (( اتخذوا احبارهم ورهبانكم اربابا من دون الله )) .اما المسلمون فقد وحدوا الله ووصفوه بصفات الكمال وليس كمثله شيء انه سميع بصير لا في ذاته ولا في صفاته ولا في افعاله والمسلمون وسط في انبياء الله وعباده الصالحين ولا جفوا كما جفت عنهم اليهود الذين كانوا يقتلون الانبياء بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس وكلما جاءهم رسول بما لا تهوى انفسهم ففريق كذبوه وفريقا يقتلوه . تم ان النصارى تصدق بالباطل واليهود تكذب بالحق اما المؤمنون فامنوا بالرسل وعزروهم ووقروهم واحبوهم واطاعوهم ولم يعبدوهم ولم يتخذوهم ارباب. ومن ذلك فان المؤمنين فتوسطوا في المسيح فلم يقولوا هوابن الله ولا تالت ثلاثة تم ان المؤمنين وسط في شرائع دين الله فلم يحرموا ما احل الله خلافا لليهود الذين جوزولأكابر علماءهم وعبادهم ان يغيروا دين الله فيأمرون بما شاءوا . ولهذا فالنصارى مشركون واليهود مستكبرون عن عبادته ، اما المسلمون فقد عبدوا الله وحده بما شرع وهذا هودين الاسلام الذي بعت به جميع النبئين دين الحنفية دين ابراهيم فمن استسلم له ولغيره كان مشركا ومن لم يستسلم له فهومستكبرا لا تشملهم مغفرة الله مصداقا لقوله تعالى في سورة النساء ((ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر دون ذلك لمن يشاء)) وفي سورة غافر قوله تعالى ((ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)) وبالنسبة للحلال والحرام فقد حرم عليهم طيبات احلت لهم فلا يأكلون ذوات الظفر والشحم والكليتين والجدي الى غير ذلك اما النصارى فاستحلوا الخبائث وجميع المحرمات ويعبدون بالنجاسات وكلما كان الراهب عندهم ابعد عن الطهارة واكثر ملابسه للنجاسة كان معظما عندهم والمسلم يحلون الطيبات ويحرمون الخبائث ولذلك فاليهود يبالغون في طهارة ابدانهم مع خبت قلوبهم والنصارى يدعون انهم يطهرون قلوبهم مع نجاسة ابدانهم والمسلمون يطهرون ابدانهم وقلوبهم . ويبدودائما ان المسلمين يتسمون بالوسطية خلافا لليهود والنصارى في جميع الامور خاصة ان المسلمين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر في حين ان اليهود يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ومن خصائص الامة الوسط فهي اكمل من طائفتى اهل الكتاب من اليهود والنصارى واعدل وقد جمع لهم محاسين ما في الثوراة والانجيل ولا يغلون في دينهم استنادا على الحديث الذي جاء به قوله (ص) ( اياكم والغلوفي الدين فانه اهلك من قبلكم وحملهم على ان ينفكوا واستحلوا محارمهم ) هذا وانطلاقا مما ذكر اعلاه فان الوسطية تعني الاعتدال في العبادات والمعاملات لا افراط ولا تفريط وهوما يجب ان يكون عليه المسلمون امتثالا لما جاء به الحديث النبوي الشريف الذي رواه العرياض بن سارية رضي الله عنه عن النبي (ص)قوله ( فانه يعيش منكم فيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الراشدين المهديين من بعدي عضوعليها بالنواجذ واباكم ومحدثات الامور فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) . وفي هذا الصدد فقد الف شيخ الاسلام بن تيمية في شأن الوسطية مؤلفين الاول « العقيدة الواسطية « تحتوي على اصول العقيدة الاسلامية وتولى شرحها عدد من العلماء واصبح مرجعها يقتدى به في مسالة الامة الوسط . والثاني «من قواعد الملة ومقاصد الدين « فمن يرغب في التوسع في الامة الوسط فليرجع الى المؤلف الثاني الذي تناول فيه شيخ الاسلام قواعد في الوسطية . فالوسطية والعدل في حال النبي والصحابة والوسطية هي العلم والعمل وجميع صور الانحراف عن الوسط. ويبدوجليا ان ما تقوم به الجماعات بواسطة تنظيماتها وتياراتها إلا مظهر من مظاهر الانحراف عن الوسطية التي تتسم به الامة الاسلامية وكذلك الشأن بالنسبة لبعض الحكومات التي افرزها الحراك الشعبي الذي يطلق عليه الربيع العربي خلافا لما كان ينتظر منه من افراز انظمة ديمقراطية حداتية ومتفتحة للخروج من الازمة التي تعاني منها الشعوب نتيجة الظلم والاستبداد والفساد الذي تمارسها اغلبية الانظمة السياسية وحكامها ان لم نقل جميعها . وبدأت تخرج شيئا فشيئا عن مقاصد الامة الوسط في اتجاه ما كانت عليه امم الكفر من اليهود والنصارى المغضوب عليهم ولا الضالين . وهذا المنحى الخطير الذي سلكته اغلبية الانظمة العربية في تنفيذ مخططات اعداء الامم لن يزيد الامة الوسط واخيرها عند الله إلا خبالا . اولا يعلمون ان اليهود والنصارى لن ترضى عن المسلمين حتى يتبعوا ملتهم ومن تولهم فهومنهم كما اشار الى ذلك كتاب الله وما تصنيف حزب الله في لبنان من المنظمات الارهابية إلا مؤشر للتطبيع مع اسرائيل التي ستقود محور شرق اوسطي وحماية امن اسرائيل والذي تم التخطيط له . اما حزب الله فهوحركة مقاومة للعدوان الاسرائيلي في المنطقة الرامي الى ابادة الشعب الفلسطيني . لم يسبق لحزب الله ان اطلق رصاصة واحدة ضد المسلمين العرب والمسيحيين في لبنان وبذلك فان قرار وزارة الداخلية يبدومخالفا لقوله تعالى في سورة الفرقان (( ارايت من اتخذ الاهه هواه افانت تكون عليه وكيلا ام تحسب ان اكثرهم يسمعون اويعقلون من هم إلا كالأنعام بل هم اضل سبيلا )) الاية 43 و44 اما شيخ الاسلام بن تيمية فجاء عنه في هذا الاطار ( ادا كان الكفر والفسوق سببا للشر والعدوان فقد يذهب الرجل والطائفة ويسكت اخرون عن الامر والنهي فيكون ذلك من ذنوبهم وينكر عليهم اخرون انكارا منهيا عنه . فيكون ذلك من ذنوبهم فيحصل التفرق والاختلاف والشر وهذا اعظم الفتن والشرور قديما وحديثا . ان الانسان ظلوم جهول والظلم والجهل انواع فيكون ظلم الاول وهوالشارك للأمر والنهي اما الجاهل فجهله من نوع اخر . والمؤسف عليه انه في الوقت الذي يتعين على الحكام والعلماء المسلمين ان يكتلوا جهودهم لتبرئة الدين الاسلامي الحنيف من الارهاب اد بطائفة تلتزم الصمت وطائفة كثيرة تعبر عن موقف اعداء الاسلام واعتبار حركة المقاومة التي يتزعمها حسن نصر الله ارهابية والحال ان اسرائيل هي دولة ارهابية وعنصرية ولا يستطيع احد من الانظمة العربية الاسلامية والجماعات التي تدعي الجهاد في المنطقة ان تعلن الجهاد في اسرائيل . وهذا هوالسر في ضعف الامة وعجزها عن استتباب الامن والاستقرار في بلدانها وتستمر في تخريبها بأيدهم الى ان يأتي الله بأمره وينصر الله الامة بضعفيها . لقد اشرت في بداية المقال الى وسطية المسلمين بين اهل الملل في جميع الامور اما بالنسبة للفرق التي تنتسب الى الاسلام تجدر الاشارة الى ان اهل السنة والجماعة هم فرقة الوسط وتتسم بالوسطية بين مختلف الفرق الاخرى فهي في باب اسماء الله واياته تقوم بتعطيل حقائق ما نعت الله به نفسه حتى شبهوه بالعديم والموات وكذلك فهم وسط بين اهل الثمتيل الذين يضربون به الامثال ويشبهونه بالمخلوقات فهؤلاء اي اهل السنة والجماعة يومنون بما وصف الله به نفسه وما وصف به الرسول (ص) ( ليس كمتله شيء وهوالسميع البصير ) وذلك من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف وتمثيل اما في باب خلقه وامره فهم وسط بين المكذبين بقدرة الله الذين لا يومنون بقدرته الكاملة ومشيئته الكاملة وخلقه لكل شيء وكذلك وسط بين المفسدين لدين الله الذين يجعلون العبد ليس له مشيئة ولا قدرة ولا عمل فيعطلوا الامر والنهي والتواب والعقاب فيصيرون بمنزلة المشركين حسب ما جيء عنهم لقوله تعالى (لوشاء الله ما اشركت ولا اباؤنا ولا حرمنا من شيء) الانعام .فالفرقة الوسط تومن بان الله على كل شيء قدير فيقدر ان يهدي العباد ويقلب قلوبهم وانه ما شاء الله يكون وما لم يشأ لن يكن . اما في ما يخص الاحكام والوعد والوعيد فيخالفون في ذلك الوعيد به الذين يجعلون اهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار ويخرجونهم من الايمان بالكلية ويكذبون بشفاعة النبي (ص) وكذلك الشأن بالنسبة للمرجئة الذين يقولون ايمان الفساق مثل ايمان الانبياء والاعمال الصالحة ليست من الدين والايمان ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية في حين ان اهل السنة فيومنون بان فساق المسلمين يجمعهم بعض الايمان واصله وانهم لا يخلدون في النار بل يخرجون منها من كان في قلبه مثل حبة من الايمان وان النبي ادخر بشفاعته لأهل الكبائر ومن الصحابة لأنهم وسط ايضا بين الغالية الذين يغالون في علي يتعلق الامر بالرافضة وهكذا فالملاحظ ان من اهل من يوجد في غيرهم فان كان خيرا فهم اكثر وان كان شر فغيرهم اكثر. هذا ومن المؤكد ان ملة الاسلام وسط في الملل واهل السنة وسط في النحل ومن تم فان اهل السنة اقرب الى كل طائفة من كل طائفة الى ضدها فهي فرقة اهل العدل والانصاف وان الظلم عندهم محرم اطلاقا وهم اعلم الناس بالحق وارحمهم بالحق ولا يجتمعون على ضلالة صادقون في القول ومصدقين بالحق ومخلصين في العمل الى غير ذلك من الاوصاف الفاضلة لذلك فالخير والسعادة والكمال منحصر في نوعين من العلم النافع والعلم الصالح وقد نعت محمد (ص) بأفضل ذلك وهوالهدي ودين الحق كما قال سبحانه تعالى (( هوالذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ...».