الوسطية منهج في فهم الدين والعمل به يقوم على نبذ الغلو في الدين والتزيد فيه بالتشديد على النفس أو التشديد على الآخرين، كما يقوم على نبذ التفريط والتضييع لعقيدة التوحيد وأحكام الشريعة وآداب الإسلام وأخلاقه وأنظمته. فذلك كله مفض بصاحبه إلى الخسران والندامة غدا يوم لقاء الله كما ورد في قوله تعالى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا) وفي قوله تعالى: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ). يقول الإمام الطبري في نفس المعنى: وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه، غلو النصارى الذين غلوا بالترهب، وقولهم في عيسى ما قالوا فيه ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه. فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها . كما أن أمة الوسط هي أمة الشهادة، والوسطية هي خاصية العدل التي تؤهل الأمة لأداء الشهادة حين تسأل هل بلغ أنبياء سابقون وأقاموا الحجة على أقوامهم حيث ستشهد هذه الأمة بما عرفته من قرآنها وبما بلغه رسولها صلى الله عليه وسلم أنهم قد بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة، وهي الخاصية التي تؤهلها كي يشهد رسولها صلى الله عليه وسلم لها إذا سارت على نهجه وطريقه أو عليها إذا حادت عن ذلك النهج والطريق. فالوسطية تحتاج إلى جهاد متواصل، وهي خاصية الأمة الإسلامية كما أخرجها الله وكما أرادها أن تكون، وهي مقصد وهدف وجب على هذه الأمة أن تتحقق به من خلال جهاد واجتهاد دائمين، جهاد علمي وفكري، وتربوي وثقافي وجهاد عملي على مستوى آخر، مما يقتضي أن يقوم في الأمة باستمرار مجددون عدول، ينفون عن الإسلام غلو الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين. فالأمة الإسلامية أمة وسط باعتدالها واستقامتها على الأخلاق والقيم التي بثها فيها الإسلام لتبتعد بها في كل شيء، وفي كل شأن من شؤون حياتها عن الإفراط والتفريط وما يتبع ذلك من غلو أو تقصير. وهي لا تكون وسطا حتى تحمل هذه القيم وتحافظ عليها وتعمل بها وتسعى إلى تحقيقها لتستحق بذلك أن توصف بأنها خير أمة أخرجت للناس .