عندما تنهار كل البراهين ينبجس الضياء ذات مساء متخن بفداحة الفقدان ولوعة الفراق . فليس من الهين بحال أن يتجرع الانسان، رحيل الممثل عائد موهوب ، والمخرج مولاي أحمد البوعناني ،الشاعر والمولف السينمائي صاحب رائعة «السراب» التي جعلت من التفكير في المغرب كأفق سينمائي أمرا ممكنا. يوم صعب لم ينفع في تبديد سدوله سوى دعوة مفاجأة من طرف المخرج محمد عسلي لحضور عرض خاص لفيلمه الجديد «أياد خشنة» بطولة محمد بسطاوي، هدى الريحاني، عبد الصمد مفتاح الخير، أمينة رشيد وعائشة ماماه. من السابق ، لأوانه في نظري الحديث المسهب حول الفيلم، ولكن لن أفشي سرا إذا قلت أن السينما في الفيلم «إياد خشنة» حلقت عاليا في سماء الدارالبيضاء ، وأن ممثلين من طينة محمد بسطاوي، عائشة ماه ماه، هدى الريحاني وعبد الصمد مفتاح الخير رفعوا التحدي ، وخطو خطوة على درب التجلي. «أياد خشنة» حدث فني سار فليستبشر عشاق السينما مفاجأة سارة تنتظرهم بكل تأكيد. م. العلواني وفيلم «حياة قصيرة» بمعزل عن كل هذه الجوائز يستحق المشاهدة والتقدير للجهد الإستثنائي الذي بذله المخرج عادل الفاضلي. «حياة قصيرة» يتميز بلغته السينمائية القوية، لأنه راهن في كل تفاصيله على التجاوب الجمالي للمتلقي، والفيلم يتسم بهيمنة صوت السارد وغياب كلي للحوار المباشر، لأن المخرج عوضه بحوار الصور، مما سمح لمخرجه بحرية الذهاب والإياب في الزمن الفيلمي، وهيمنة المفارقات الساخرة والإستعارات والإشارات التاريخية والرمزية، طالما أن كل الأحداث تقع يوم الخميس. ويحكي الفيلم قصة ولادة طفل في ظروف طبيعية صعبة، فقدر له أن يولد في يوم ماطر، لتموت الأم مباشرة نتيجة تماس كهربائي، ويتخذ الوالد قراراً مفاده أنه لن يشرب الماء أبدا ليتحول إلى شرب الخمر، وتستمر معاناة هذا الأب مع طفله حيث يتركه في أوقات عمله مع الجارة المومس، أو الجارة الدجالة، ثم يتزوج الأب من امرأة أخرى يقدمها المخرج بنفس السخرية (المرأة تحلق ذقنها بجوار الأب) ويقارن السارد بين فرحة الوالد بالزواج وفرحة المغاربة بالمسيرة الخضراء، وقدر لهذا الطفل أن يدخل المدرسة ويفشل في دراسته، ويكبر ويمتهن مهنا وضيعة، ويتم تجنيده من قبل الحركات الأصولية ويذهب إلى أفغانستان، حيث يعود بجسده في حين أن ساقيه ذهبت إلى الجنة على حد تعبيرالسارد، ووسط الظلمة ينبثق ضوء الأمل فيتزوج من امرأة فاقدة هي الأخرى لساقيها، وتلد له طفلا في ظروف تكاد تكون مشابهة لولادته، لكنه يحاول جاهدا أن يكون مستقبل ابنه أحسن. ويمكن القول إن فيلم «حياة قصيرة» الذي اتسم بقوة الحكاية وحوارية الصور السينمائية وتعدد الفضاءات والألوان والشخصيات يمثل تنويعا في الفيلم القصير المغربي الذي أصبح يلقى اهتماما بارزا مع تقدم الصناعة السينمائية بالمغرب.