يحمل كل منا حزنه على كتفيه، وحيدا يعبر به الطرقات، يرتشف معه فنجان القهوة كل صباح، يرافقه في الباص وفي عمله.. يقاسمه نفس الوسادة، يخبئه في أعماقه كي لا يصاب بنوبة حادة من عسر التنفس. منا من يمنحه أوراق اعتماد أو إقامة مؤقتة لا يسحبها إلا لفرح عابر ، ومنا من يجعله شبيهه الذي يلازمه أينما حل، لكن هل نتشابه في حزننا ما دمنا تواطأنا على أن نجعل له لونا واحدا هو الأسود، وأن نحمّل وزره للألم رغم أنه في لحظات كثيرة يأتينا الحزن مما أو ممن كان مصدر فرحنا وسعادتنا، وبالتالي يصبح الحزن مثل « جدار بين حديقتين « حسب تعبير كاهيل غبرين. تتشابه مناسبات أحزاننا، تجيء وتمضي، وبنفس الوقع والتلقي نستقبلها قد تختلف الدرجة أو الحدة، قد نختلف في مداها إلا أننا نتفق على أن الحزن كموقف يتغير بتغير العمر، فما كان يحزننا ونحن صغار، لا يبعث أدنى شعور بالأسى عندما نكبر . اليوم وقد كبرنا، تستيقظ أحزاننا كلما صرخ العالم ليعيدنا الى إنسانيتنا.. أصبح حزننا جزءا من كل.. ودليلا على أننا ما زلنا ننتسب الى الآخر، في ما يمكن أن نطلق عليه حزنا جماعيا بصيغة المفرد، حزن خلاق ومبدع يدفع الكاتب والمبدع عموما الى الحفر ذاتيا وغيريا للوصول الى فك شيفرة الحياة. حين يغمرنا الحزن ويفتح شهيته، يمنحنا فرصة لاكتشاف الحياة والفرح، وكلما تعمق، كلما أدركنا كينونتنا وذاتنا وأصبحنا أكثر إدراكا للحظات الفرح. فبدون الحزن، لن نستطيع موازنة شعور الفرح. ولو أننا «لا نستطيع أن نمنع طيور الحزن من التحليق فوق رؤوسنا، لكننا نستطيع أن نمنعها من أن تعشش في شعرنا»، نستطيع أن نفلسف حزننا الذي ليس بالضرورة ذا حمولة سلبية تجعل الذات موضوعا للانزواء والصمت، رغم أن الشعور القوي بالذات هو محور الحزن، وهو الشعور الذي ينضج بصمت كي يعيد صياغة الصور والمواقف والعلاقات . قد يكون أسود، كما قد يكون رماديا أو لنجعلْه أسود شفافا.