من الواضح أن جزءا أساسيا من العملية الانتخابية يقتضي إعمال النظر في نمط الاقتراع والتقطيع، باعتبارهما عنصريْ توازن في كل عملية تريد أن تحظى بقدر يسير من المصداقية. ومن المحقق، في هذا المضمار أن نمط الاقتراع اللائحي، هو اجتهاد ديموقراطي وتمرين انتخابي كان الغرض منه، في لحظة من لحظات تطوير النظام الديموقراطي، الحد من تدخل الادارة في صناعة الخريطة السياسية والحد من استعمال المال، وكذا البحث عن تقاطبات كبرى يمكنها أن تدفع بالدمقرطة إلى مستويات أرقى. كما أنها تزامنت، في الوقت نفسه مع تجربة أرادت من ورائها النخبة الوطنية الرفع من منسوب السياسة في الاختيارات لدى المواطنين، وتقليص هوامش لا مؤسساتية ولا برنامجاتية ، علاوة على تقليص التحفيزات الما-دون سياسية ( الانتماء الضيق للفرد أو النزوع إلى مجالية ضيقة باسم كيان من الكيانات ..مثلا)، وكل ذلك ضمن مفهوم الانتقال الديموقراطي في بلادنا والدخول الواعي والمسؤول في زمن سياسي يعتمد التعاقد السياسي الواعي والهادف كقاعدة للعملية الاقتراعية. غير أن ما مضى من تجارب في هذا الباب تدفعنا إلى طرح السؤال:هل حققت التجربة كل ما سطرته لنفسها؟ والجواب الذي يقدمه الاتحاد في مذكرته، التي يروم منها فتح نقاش عميق وخصب حول النمط والتقطيع كان هو: 1- اعتبار نظام الاقتراع باللائحة، المعتمد لحد الآن لم يحقق النتائج التي توخاها واضعوه. 2 - النظام اللائحي المعتمد، أبان عن عيوب تستوجب مراجعته. 3- المراجعة تشمل في المقام الأول العتبة، بحذفها نهائيا لأنها تجعل بعض المقاعد لاشرعية لها من حيث عدد الأصوات. 4- المس بالتعددية وخلق قطبية مصطنعة، بوسائل وأساليب تحكمية وغير ديمقراطية. وهو ما معناه ، أن البلقنة السياسية لم تنته ، بقدر ما نشطت مجددا بشكل أكثر، الشيء الذي أثر عميقا على معنى التعددية السياسية في البلاد. 5- محاربة القطبية المصطنعة لن يتأتى إلا بتعددية حقيقية، منتجة للمشاريع ومعبرة عنها. - 6 ومن هنا، فإن مناقشة العتبة يجب أن تتم انطلاقا من فتح المجال لتمثيلية اليسار في البلاد باعتباره كيانا مجتمعيا وتاريخيا وديموقراطيا ما زالت تمثيليته في المؤسسات السياسية دون عذاءه النضالي ومجهوده الديموقراطي والمدني. وما ينطبق على فلسفة النمط الانتخابي ينصرف أيضا إلى التقطيع الانتخابي، الذي يكتسب نمط الاقتراع اللائحي معناه منه بالذات، خاصة في المدن ذات الكثافة السكانية الكبيرة . إن النقاش حول العتبة يمكن أن يختزل الاشكال الديموقراطي في النسبة، في حين أنه مطروح ضمن شبكة واسعة لقراءة المستوى الذي بلغته التجربة الديموقراطية من ناحية نضجها. العتبة هي أيضا عتبة ديموقراطية دستورية وقراءة في التراكم السياسي، وليست تموجا ، يخضع للمد والجزر، كما قد يقرأها البعض وما كان للاتحاد أن يقدمها، كما وردت في المذكرة بدون أن يكون لها مبرر سياسي في المرحلة الحالية، وفي بناء علاقة جديدة مع الالتزام السياسي. من المحقق أن، كل مكونات الحقل السياسي مطالبة بأن تعيد النظر في الكثير من مسلماتها، بل بنقد ذاتها في ممارسة الفعل السياسي نفسه، لتبيان مكامن العجز الذاتي، لكن الجميع أيضا يجب أن يستحضر المعطى الموضوعي في تقييم التجربة بل التجارب الماضية. إن النظام الذي يكف عن مساءلة أنظمته الانتخابية هو النظام الذي رسا فعليا على قواعد نهائية لا تتأثر بالتقلبات ولا بالحسابات والضغوطات ولا بالتوازنات المصنعة، ولنا أن نسأل هل تحقق ذلك في البلاد حتى لا نطرح أيا من قواعد اللعب الديموقراطي للنقاش؟ إننا على كل حال نريد أن يكون الجواب الإيجاب ونحن ننظر إلى النتائج وإلى قبول الجميع بالقواعد التي نأملها جميعا..حتى تستقر بلادنا على سكة نهائية تقودنا إلى محطة جديدة من تقوية ديموقراطيتنا الفتية.