استضافت قاعة المكتبة الوطنية يوم الاحد الماضي بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، توقيع وحيد خوجة " إشراق الغروب " وتم تقديمه من طرف مليكة معطاوي الذي قالت : "في كتابات الاديب وحيد خوجة ، يؤدي السرد وسيلة تشكل المادة الحكائية ، وظيفة تمثيلية شديدة الأهمية ، فهو يركب هذه المادة وينظم العلاقة بينها وبين المرجعيات الثقافية والواقعية بما يجعلها تندرج في علاقة مزدوجة مع مرجعياتها" . ويقول صديقه عبد الله قداري في شهادة : " في يومك الكبير هذا كما في يوم مولدك ، فتنتنا شغلتنا ملأت علينا القلب قلقا سعيدا ، فرحا غامضا بالمولود وتفاخرا به وحبا أذابنا خوفا عليه من العين ونزلات البرد ..ككل المواليد العزاز جاءت من أوجاع الجبل ذبذبات قويات تحركا يهز الاركان والاوصال . مشكلا من شظايا وحمم البركان الصامت فيه من أحجار الذاكرة الثقال ومعادنها الحامية النقية التي طهرتها النار وعليه ممن رياح اليومي وشموسها وأمطارها وعواصفها خليطا سحريا هو خيمياء وإكسير وقفتك العملاقة الصلبة في حنو الحكمة، وخطوك الحازم والمتهادي الراقص في آن والذي سيف المسيرات والارض سفا ولا يثير الغبار . فما جاءت من العبث ولا كانت عبثا صورة الكولونيل ربيعة ، مزيج من مخاوف وحزن الجدب الذي ضرب بطون الارض والبهائم ..والأسحار بنقاوة اليد وعشق الواجب وتقديس العمل يجعلان من السطوة رحمة أب وحدبه على أشبال يتطلع لأن يكونوا سباعا .ليس رخيصا نص تمتزج فيه مع هذا لعلعة الرصاص بسكون الليل المبصر وزخات المطر ..تتنزل عليه برودة الشعر وأشهر البايوطاج الحرم وحوار القتالية المستميتة في حماية الشجر والبشر تحت القدم وحفر طريق في الصخر للمستقبل . فكم أنت رجل كالجمر تطهو الخبز وتنشر الدفء في ما حولك. فهذه نصوصك ليست من عبث الوقت الثالث أو الملهاة بل كل دقائقك نصوص ورفات عيونك وخطواتك كلمات تتناسل تتكاثر في حقول تتزاحم فيها السنابل . أرجوك وقد وضعت الحرب أوزارها وطاب وقت الحكاية الهينة، وهبت ريحها، أن تفرج عن القصة الكبيرة ..إنه لم يخدعنا ولن ننخدع لك بهذا الكاتالوج الروائي فقدرك هذا ولا مفر منه. قدرك أن نحبك كاتبا ونحبك متكلما ونحبك في صمت نظراتك الذي يقول كل شيء، وقد أحببناك رجلا من نعومة حرير ونكهة العسل ورقة صبار من أحراش الريف العنيد تصلح للغذاء والدواء وحبل لحزم المحن" . وفي شهادة للشاعر صلاح الوديع يقول: «مرافقة شخص كوحيد خوجة متعة في حد ذاتها، فأحرى أن تقرأ له، أنت سرعات ما تقف على حقيقة ساطعة: لم تأخذ منه لا الإدارة ولا التجنيد، ولا المسؤولية ولا التدريس كل هذه المسارات لم تأخذ منه حبه للكلمات، وشغفه الذي يشبه العبادة للآداب على اختلافها».يتجاور في قراءاته وكتاباته كل من جلال الدين الرومي ودرويش ومظفر النواب وأبو حامد الغزالي، وعبد الرحمان المجذوب. ليس في الأمر غرابة، فوحيد قارئ نهم منذ الصبا ولايزال. كل كتاب لديه صديق يتحدث عن مسار في الحياة لايشبه مسار، يزخر بسر لا يشبه الأسرار. وهو يستبطن الوجود في كل لحظة، عبر مسار نظراته وانتباهه لأبسط التفاصيل، يراها بعين القلب قبل مجهر العين المجردة من كل حنو. في مجموعته الأخيرة «إشراق الغروب»، مجرد عناوين النصوص دليل على ما أقول "تاريخنا على الرصيف قطار الحمام جامعة العرب سيدي عبد الرحمن أو ناي الغروب زوار الفجر حلاق جمال عبد الناصر أغبالو ثكنة كارمن" أو خذوا مثلا النص المعنونب «عيون تطاون». من يقرأ هذا النص يقرأ في الواقع قصيدة غزل في مدينة يقول عنها الزائر العاشق «حين أذهب إلى تطوان أعود إلى ذاتي». إنه يتحدث كأنه يصنع منحوتة من كلمات «بربرية التضاريس، غرناطية الملمس، قرطبية المبسم، اشبيلة المحيا». معذور كاتبنا، فتطاون بها سقط رأسي عن سبق إصرار وترصد. لست ناقدا ولن أكون. أنا فقط قارئ منتبه. «وصداقتي وقربي بوحيد جعلتني قريبا من مطبخ كتابته الثري. هو يعتمد توليد اللحظات من بعضها،من تفاصيلنا ليسافر بسلاسة ويسر بين عوالم تبدو للوهلة الأولى أبعد ما تكون عن بعضها». أسواق هانوي، شوارع القاهرة، تمثال كاين، قبر يوسف بن تاشفين، القطار السريع من البيضاء وإليها ،الشاب الوسيم الذي سرق حقيبة الاربعينية التي حسبته يريد سرقة قلبها، الضحية التي تقتل ضحيتها، الجامعة العربية هناك وحديقتها هنا، ناي الغروب الذي أنينه نار لا هواء، مراكش ورجالاتها السبعة، الشاطئ الذي هو موج يحن إلى رمله الخ من التوليدات. أجمل ما فيه أن يفاجئك من حيث لا تنتظر، ثم يحيلك على علم يغريك بالمزيد من المعرفة والاطلاع، ليس بين الابعاد الجغرافية فحسب، بين بين التاريخ والسوسيولوجيا والسياسة والهم الاجتماعي، وهو أحد مرابط أفراسه الكثر. لن أطيل سأقول فقط بعض ما يملؤني ببعض الفخر.. سأظل أذكر النص الذي سمعته منه لأول مرة عن جمال عبد الناصر وبائعة الأكياس في القاهرة، استمعت له جيدا في مكتبه بين الملفات المنضدة بإحكام وبعد أن مسحت دمعتين حرتين قلت رأيي، قلت له اكتب يا وحيد لا تتوقف عن الكتابة. وها أن اليوم أجدد القول لك يا وحيد طاقة المبدعين . أولئك ذوي الزخم والنفس. اكتب مرة أخرى، اكتب لا تتوقف. سأطلب منك بالمناسبة أن تكتب القصة التي خصصتني بها تحت المطر ذات يوم لا ينسى، حيث اختلطت دموعك بزخات المطر تحت سماء تطوان الحبيبة أما النص الذي يمكن ان يكشف لكم بعض أسرار وحيد الدفينة، فهو المعنون ب «مربوعة والمطر» لن أكشف لكم هذا السر. سأتركه لصاحبه فهو أولى به مني. وختم الكاتب وحيد خوجة بنص مهدى الى القوات المسلحة الملكية بعنوان «سيدي عيسى، مربوعة والمطر».