أطلقت الشركة المغربية للصلب والحديد «صوناسيد» إنذارا بخسائرها المالية بعدما شهدت مبيعاتها لسنة 2015 تراجعا بنسبة 17 % مقارنة مع سنة 2014، التي لم تكن هي الأخرى أحسن حالا من سابقاتها. وعزا علي القباج، المدير العام الجديد للشركة الصناعية التي عاشت العام الماضي أسوأ أيامها ، هذا التراجع إلى صدمتين كبيرتين إحداهما خارجية تتمثل في انهيار الأسعار بحوالي 30 إلى 40 في المائة في السوق الدولية بسبب الإغراق الذي تسببت فيه صادرات الصين، و الصدمة الثانية داخلية تعود إلى توجه السوق الوطني نحو الاستيراد وتدني أسعار البيع في الداخل . وقال القباج ، خلال ندوة صحفية عقدها صباح أمس بالدارالبيضاء إن النتيجة الصافية التي ظلت إيجابية إلى حدود النصف الأول من العام الماضي ، تأثرت بشكل قوي بالتراجع الذي طال رقم المعاملات متوقعا أن تعرف عجزا برسم سنة 2015، كما اعترف ذات المسؤول بفقدان صوناسيد لجزء من حصتها في السوق الوطني وفسر هذا لاانخفاض المهول بالارتفاع المتزايد لوفرة الإنتاج الصيني من الصلب. والذي أدى بالفعل إلى انخفاض في أسعار البيع وارتقى بصادرات الحديد والصلب إلى مستويات لم تشهدها من قبل. وأضح القباج أن السياق المتدهور للأسعار كانت له انعكاسات سلبية على السوق الوطني للحديد والصلب تجلت في تراجع أسعار البيع بنسبة %13. يكاد يكون متساويا مع انخفاض أسعار السوق الدولي. و يتمثل الرهان الذي ستواجهه صوناسيد خلال سنة 2016 في مواصلة الرفع من مردوديتها. واليت سبق لها أن شهدت ارتفاعا أعلى من المعدل الجهوي، وذلك بفضل ارتكازها على أهم الرافعات الاستراتيجية التي كشفت عنها سابقا واليت تروم تجيد العهد مع النمو بشكل مستدام. ويذكر أن القطاع الوطني لصناعة الصلب والحديد خسر أزيد من 600 منصب شغل منذ 2011، وفقد إحدى شركاته الأساسية السبعة خلال هذه الفترة، والتي اضطرت إلى وقف نشاطها بسبب إغراق السوق، حسب تقرير للجمعية المغربية لصناعة الصلب. وفي هذا السياق يأتي إعلان الشركة المغربية للصلب والحديد صوناسيد ترقب انخفاض ملموس في نتائجها ل2015 بسبب الانخفاض القوي لأسعار البيع. وتأتي الأزمة التي يعيشها هذا القطاع الذي يكتسي أهمية استراتيجية باعتباره إحدى الركائز الأساسية للصناعة الوطنية، نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، إذ أدى الكساد الذي ضرب أوربا إلى انخفاض مهول في استهلاكها لمنتجات الحديد والصلب، وبالتالي البحث عن منافذ خارج القارة العجوز لتصدير الفائض المتراكم من المنتجات من أجل ضمان استمرار نشاط مصانعها. وفي هذا السياق برز المغرب، بحكم القرب من أوروبا وبحكم اتفاقية التبادل الحر، كهدف سهل، خاصة بالنسبة لصناعة الصلب الإسبانية والبرتغالية التي تعاني أزمة خانقة في بلدها. وخلال هذه الفترة عرفت السوق المغربية لمنتجات صناعة الصلب والحديد إغراقا حقيقيا، إذ ارتفعت واردات من القضبان الحديدية المستعملة في البناء والخرسانة بنسبة 315 في المائة بين 2011 و2014، وارتفعت واردات الأسلاك الحديدية المستخدمة في تصنيع المسامير والشبابيك الحديدة بنسبة 127 في المائة خلال نفس الفترة. وفي المقابل كانت تكبدت الصناعة الوطنية لهذه المنتجات خسائر فادحة ، حيث نزل الانتاج الوطني للأسلاك الحديدية بنسبة 57 في المائة ونزل إنتاج القضبان المستعملة في البناء بنسبة 24 في المائة ، ونزل حجم مبيعات الصناعة الوطنية من هذه المواد بنسب مماثلة. وفي هذا السياق تضاعفت حصة الواردات في الاستهلاك الوطني لمنتجات الصلب والحديد أضعافا مضاعفة فيما انكمشت حصة الصناعة الوطنية بشكل مقلق. وما كان لهذا الاكتساح من طرف الواردات أن يكون لولا سياسة الإغراق التي اعتمدها المصدرون الأوروبيون الذين عرضوا بيع منتجاتهم بالخسارة. والسبب تكدس المنتجات في مخازن المصانع الأوروبية بسبب الأزمة التي تجتازها بلدانهم. وقدر الاتحاد الأوروبي فائض إنتاج صناعات الصلب الأوروبية الذي لا يجد له طريقا إلى السوق بنحو 500 ألف طن في السنة في المتوسط خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وأوصى بالبحث عن منافذ خارجية لتسويق هذا المنتوج بأي ثمن. ومما زاد الطين بلة دخول الصين الشعبية على الخط وتصديرها لمنتجات الصلب والحديد بأثمنة قاتلة. وطالبت الصناعة الوطنية باتخاذ إجراءات حمائية قبل أربعة أعوام، محذرة الحكومة من مغبة ترك الحبل على الغارب في هذا المجال. وبالفعل استجابت الحكومة وأطلقت تحقيقا من أجل إثبات وجود إغراق في 2012. غير أن المرسوم المتعلق باتخاذ تدابير الحماية لم يصدر إلا في مارس 2014. والمثير في الموضوع أن القرار النهائي للحكومة جاء متراجعا عن الاتفاق الذي توصلت إليه مع ممثلي القطاع. فبدل أن تغطي التدابير المتخذة فترة أربعة أعوام، فاجأت الحكومة القطاع باعتماد الإجراءات على عامين فقط، ، السبب في هذا التراجع حسب المتتبعين هو خضوع الحكومة لضغوط الاتحاد الأوروبي، من جهة، والشركات المغربية المستوردة المستفيدة من الأسعار المنخفضة جدا التي تعرض بها اسبانيا والبرتغال منتجاتها وعددها 20 شركة مغربية. أما عن الإجراءات المتخذة في حد ذاتها فانحصرت في فرض رسم إضافي بقيمة 0.55 درهم للكيلوجرام المستورد من أسلاك وقضبان الحديد، علما أن هذه الواردات لا تخضع لأية رسوم جمركية حين تكون من مصدر أوروبي أو عربي تنفيذا لاتفاقيات التبادل الحر. كما تضمنت الإجراءات السماح للشركات العشرين المستوردة باستيراد 66 ألف طن من قضبان البناء و110ألف طن من الأسلاك ، وقد انتهى العمل بهذه الاجراءات عمليا في 31 دجنبر الماضي، لتبقى الصناعة الوطنية للصلب والحديد في مهب الريح الدولية.