(جماعة "الإخوان المسلمون"، التي بدت قوية بعد ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بنظام حسني مبارك في مصر، تعيش اليوم أزمة غير مسبوقة من خلال القمع المسلط عليها والانقسامات التي ظهرت في صفوفها )... شوارع حي ساحة " تقسيم" المرحة، بإسطنبول، ومحلاته التجارية النشيطة لا تعدو أن تكون بالنسبة لأحمد (تم تغيير الاسم) سوى ديكور بعيد كل البعد عن انشغالاته. هذا المصري البالغ من العمر 27 سنة، مهندس بترول سابق، يجتر في أحاديثه الأحداث التي أجبرته في نونبر 2013 على اختيار المنفى في تركيا. كان هناك الحلم المحطم لثورة مصرية ساندها منذ ساعاتها الأولى يوم 25 يناير 2011، على "الجبهة" بساحة التحرير - الأحلام المتبخرة، بعد المرور القصير للإخوان المسلمين في السلطة ما بين 30 يونيو 2012 و3 يوليوز 2013، والذي تخللته أخطاء سياسية وترددات قاتلة. بعد الاحتجاج الشعبي، جاء إقدام الجيش على إقالة الرئيس محمد مرسي زعيم حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الجماعة القوية، التي كان أحمد أحد نشطائها منذ سنوات دراسته بجامعة الإسكندرية، سقطت مرة أخرى في الحظر، ولم تنجح تعبئة الأنصار لإنقاذها، ووجهت بالنار والدم وكان الثمن غاليا (ما لا يقل عن 817 قتيلا في ساحات رابعة العدوية والنهضة في القاهرة يوم 14 غشت 2013 حسب منظمة العفو الدولية.) ومنذ صيف 2013 تعرض عشرات الآلاف من أنصار ومنتسبي الجماعة وأطرها للاعتقال، وصدرت مئات الأحكام بالإعدام في حقهم من طرف المحاكم المصرية. مسار أحمد ليس استثنائيا، حيث يوجد اليوم في تركيا، حسب قوله، حوالي 1200 من أعضاء الجماعة، كلاجئين رفقة عائلاتهم، آخرون فروا إلى قطر أو السودان أو إلى أوربا، والذين اختاروا البقاء في مصر يوجدون إما في السجون أو يعيشون في شبه سرية. تاريخ الجماعة التي ولدت سنة 1928 بالإسماعيلية على يد مدرس اسمه حسين البنا، تاريخ موسوم بالصراع بين الجماعة والنظام. لكن لم يسبق أن وصلت إلى هذا الحد من التدهور. فالسجن والمنفى والسرية ليست بالأوضاع الجديدة بالنسبة للإخوان المسلمين ،وخاصة بالنسبة لأجيالها المجربة، والخطر الحقيقي يوجد في مكان آخر وبدرجة من الصعب تقييمه حاليا. فالتنظيم فقد كثيرا من شرعيته السياسية والدينية لدى المصريين ،وخاصة ،داخل التنظيم نفسه لدى عناصر المحبطين، فالعديد من المنتسبين مثل أحمد، يتهمون زعماء التنظيم بأنهم "قتلوا الثورة" يقول أحمد: "مع مرور الوقت، اكتشف أن زعماء الإخوان لم يكونوا يتوفرون على أي استراتيجية، كانوا سذجا وأغبياء، لقد حكموا بمفردهم ووثقوا بالجيش. لم يفهموا جيدا ما يجري. الناس ضحوا بأرواحهم في سبيل مُثلهم، وهم لم يفعلوا شيئا سوى التراجع". إغراء العنف المسلح القمع الشرس الذي بدأ منذ صيف 2013، بمباركة شعبية، من طرف قائد الجيش السابق و الذي أصبح الرئيس، عبد الفتاح السيسي، فكك بشكل عميق بنية التنظيم الذي أصبح ينعت بالإرهابي، وحزب الحرية والعدالة، الذي فاز بكل الاستحقاقات الانتخابية منذ تأسيسه سنة 2011، تم حله من طرف القضاء سنة 2014، وكل الأطر التاريخية للتنظيم وضعوا في السجن: والمرشد الأعلى للجماعة محمد بديع صدر ضده حكم بالإعدام في أبريل 2015 صحبة 13 قياديا آخرين بتهمة "التخطيط لاستعمال العنف ضد الدولة". و"التحريض على الفوضى والعنف" وحكم على نائبه خيرت الشاطر، الرجل الذي كان يحرك خيوط السلطة من وراء الستار، بالسجن مدى الحياة. أما الرئيس السابق محمد مرسي فقد حكم عليه بالإعدام في ماي 2015 بتهم التجسس والتآمر، وحتى الذين أفلتوا من الاعتقال، ليسوا أحرارا في تحركاتهم، فمحمود عزت أحد آخر الزعماء التاريخيين للجماعة منذ عهد جمال عبد الناصر (1970-1952)والذي أعلن "مرشدا عاما بالنيابة" سنة 2013، دخل السرية. ومحمود حسين الأمين العام للتنظيم خرج لاجئا في تركيا، وفي هذا الوضع الكارثي، وجدت الزعامة التقليدية للجماعة نفسها متجاوزة من طرف تطلعات القاعدة، وخاصة، من طرف جيل الشباب الذين يطالبون بانتقال الجماعة إلى العمل الثوري، السلمي أو المسلح، من أجل إسقاط نظام الرئيس السيسي. والدليل على هذا التطور، هو تسلم أطر شابة لزمام القيادة داخل التنظيم، بمناسبة إعادة تشكيل هيئة قيادية انتقالية للجماعة داخل مصر في فبراير 2014. القادة الجدد للتنظيم، فرضوا بسرعة سلطتهم داخل التنظيم وعلى القيادة التقليدية أمثال محمود عزت ومحمود حسين، غير أن رجال الحرس القديم لم يفقدوا كل قواعدهم، لكن أصواتهم لم تعد تسمع بنفس القوة ،ويؤاخذ عليهم غياب نقد ذاتي حول الفترة التي كانوا خلالها في السلطة وفشل استراتيجيتهم في مواجهة صرامة السلطات الجديدة في القاهرة، واعتبرت مقاربتهم التدرجية المفتقدة لأي صدى ولأي إجراءات ملموسة ،مقاربة فاشلة وغير ملائمة والآمال التي كانت معقودة على حصول مصالحة سياسية، بوساطة سعودية، اصطدمت برفض النظام للحوار والرفض الكبير من جانب القاعدة الانتخابية للسيسي، أما المجتمع الدولي فقد استأنس بشكل أو بآخر مع النظام الجديد، ويعتبر ملاذاضد الخطر الجهادي في المنطقة كما أن جزءا من قواعد الجماعة، غير راضين على استمرار المسؤولين عن فشل الإخوان في القيادة، مما غذى بشكل قوي الإحباط والغضب محمد أشرف وهو ابن أحد أعضاء مجلس شورى الجماعة التاريخيين ترعرع في أحضان هذا الزخم الإخواني، عمره اليوم 32 سنة، لاجئ رفقة زوجته وأبنائه الأربعة في تركيا، لا يتردد في توجيه سهام النقد للزعماء التقليديين الذين ظلوا حبيسي سنة 1966 وسجنهم من طرف نظام جمال عبد الناصر، ويضيف" برأيهم على الإخوان أن يهادنوا ويلعبوا لعبة النظام، لماذا إذا القيام بالثورة؟ يتعين تلقي الضربات وقبول امتحان لله والتضحية والتحلي بالصبر، البعض أعطوا حياتهم باسم هذا الصبر يتحدثون عن جزاء من لله، ولكن نحن نريد جزاء ملموسا على أرض الواقع" ومع القمع الذي تزايد ضد الأنصار تصاعد الغضب في صفوف الجماعة وتراجعت المقاربة السلمية أمام دعم صريح أكثر فأكثر للجوء إلى العنف كوسيلة شرعية للدفاع، وهكذا نشر موقع الجماعة الرسمي يوم 28 ماي 2015 نداء مصر،وهو نداء لم يمر مرور الكرام. في هذه الوثيقة يدافع 159 شيخا على المقاومة في مواجهة النظامعدو الإسلام، و"القضاء عليه بكل الوسائل المشروعة" واجب على جميع المسلمين، ويوضح النداء "كل قائد ،قاض، ضابط، جندي، صحافي أو سياسي، وكل شخص مسؤول ولو بالتحريض، على اغتصاب شرف النساء، وإراقة دم الأبرياء خلال المجازر، هو مجرم في نظر الشريعة، ويتعين معاقبته طبقا للشريعة (بالقتل)". هذا "النداء" اعتبره الحرس القديم للجماعة بمثابة خيانة ويشكل تحريضا على العنف غير المتكافئ، وفعل عصيان غير مقبول يعصف بالجماعة، في نفس اليوم حذر موقع مصر العربية الالكتروني الموالي للإخوان، حذر من وجود "انقلاب داخل الإخوان المسلمين" وجدد محمود حسين موقعه كأمين عام للجماعة وموقع محمود عزت كمرشد عام بالنيابة. غير أن قيادة الأطر الشابة المنتخبة سنة 2014 لم تترك الفرصة تمر، وعبر الناطق باسمها المعروف باسمه الحركي محمد منتصر، وعلى موقع الجماعة الرسمي "إخوان اونلاين"، رفضت على الفور "محاولة الاحتواء" هاته. وبموافقة من شباب الإخوان على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر صفحة بعنوان #لن نعود إلى الوراء. ويؤكد عمرو دراج، الوزير السابق في رئاسة مرسي، والذي يرأس مكتب الجماعة في اسطنبول وهو بمثابة هيئة لإدارة الأزمة وممثلية للجماعة، يقول "هذا النص أطلق نقاشا، ولكنه لم يخلق تغيرا استراتيجيا". ومن مكاتب مركز التفكير، الذي أطلقه مؤخرا بضواحي مطار اسطنبول، يدافع عمرو عن المقاربة السلمية. ويؤكد انه "بفضل الإخوان المسلمين، بقي أغلبية المتعاطفين مسالمين، وهذه الاستراتيجية يجب أن تفرض نفسها كما كان الأمر خلال ثورة 2011 ونحن نشاهد ما أفرزته العسكرة في ليبيا، أو سوريا أو في اليمن. الأمور لم تنجح، وهذا عرض الناس لكثير من المآسي والتدخلات الأجنبية ومع ذلك، فهذه الاستراتيجية يمكن كذلك أن تفقدنا شبابنا، الذين لا يرون مجالا للأمل." المتشددون يغادرون الصفوف بالفعل، لم يعد بعض الإخوان يترددون في إظهار دعمهم لمجموعات متطرفة تتبنى هجمات ضد بنيات أو ممثلي ورموز الدولة .عقاب ثوري آو مولوتوف أساليب شائعة في صفوف هذه الجماعات، حيث يتواجد ويتداخل الثوريون السابقون المحبطون، أو فوضويون،والإسلاميون أنصار العمل العنيف وشباب باحث عن انتقام شخصي من الدولة. والشاب احمد الذي التقيناه في ساحة تقسيم باسطنبول، واحد من الإخوان المسلمين القلائل الذي يتحدث صراحة وعلنا عن هذه الانتقالات نحو العمل العنيف ويبرر ذلك بالقول: "علينا أن نتساءل من بدأ باستعمال العنف" وبدون تردد يستطرد "قتل ضابط، اغتصب شخصا، هذا يلائمني، بل أشجعه، من حقنا أن ندافع عن أنفسنا لان الدولة لا تقوم بذلك. هذا النوع من الفعل نجح. العديد من رجال الشرطة الذين ارتكبوا جرائم في حق معتقلين سياسيين هدؤوا مخافة تعرضهم لأعمال انتقامية". تاريخيا، الإخوان لم يتبنوا أبدا هجمات ضد أشخاص أو حتى منشآت والقيادة الجديدة يغريها هذا الالتباس. وربما هذه المزايدة على الأقل في الخطاب، من أجل إحكام سيطرتها في الميدان. وإعادة المتطرفين إلى صفوف الجماعة. ومنذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل في يونيو 2014 وتوسعه في العراقوسوريا، غادرت مجموعات صغيرة من شباب الإخوان تنظيم الجماعة للانضمام إلى فصائل الدولة الإسلامية، ويؤكد احمد "اعرف أناسا ذهبوا إلى سوريا أو سيناء، بالنسبة لهم النهج السلمي غير مجد في مواجهة القمع، في الوقت الذي تحقق الدولة الإسلامية نجاحات سريعة في الميدان بل إن البعض بدأ ينعت الإخوان "بالكفار"." وبشكل مفاجئ، خرج محمود عزت من السرية ليظهر من جديد في تركيا في نونبر 2015 لإثبات صفته كمرشد أعلى للجماعة بالنيابة وفي سن 71 سنة، مازال الرجل الذي يوصف ب «الرجل الحديدي» داخل التنظيم، يتحكم في شبكات السلطة والتمويل التابعة للجماعة. وكطريقة لتأكيد من يقود الجماعة، أقال علانية ورسميا "محمد منتصر" الناطق الرسمي باسم القيادة الجديدة الذي يصر على الدعوة إلى التظاهر في الذكرى الخامسة للثورة (25 يناير). ولضمان صمته تم بكل بساطة إغلاق موقع "إخوان اونلاين"... وبالموازاة تم إطلاق موقع رسمي جديد انطلاقا من لندن من طرف التيار التقليدي تحت اسم «إخوان سيت» دون أن ينهي ذلك الجدل حول ضرورة مواصلة العمل الثوري. ومن مجموع فروع الجماعة الموزعة في محافظات مصر السبعة والعشرين، أعلن 11 فرعا تأييده "للجهاد والمقاومة حتى تتمكن ثورة 25 يناير من تحقيق أهدافها." نحو الانقسام؟ ويشير عبد الرحمن عياش أحد العارفين بشؤون الجماعة انه "تقليديا، الحروب بين القادة لدى الإخوان، تتم في الكواليس، وهنا تتصارع الأطراف بشكل علني. الأمر لم يصل بعد إلى انشقاق. لكنه خلاف خطير بين طرفين يمتلك كل واحد منهما شرعية ومنطقا مختلفين". وقد تم إطلاق محاولات للوساطة من طرف الداعية المصري الشيخ يوسف القرضاوي المقيم في قطر وعدد من نواب الإخوان السابقين. بعضهم يعتبرون أنه من الصعب تفادي حدوث الانشقاق. وهذا هو الانطباع الذي يعطيه احمد الذي لا يتردد في التأكيد انه "مستعد لكل شيء من أجل تحقيق الانشقاق، لان ذلك سيجبر بعض القادة على توضيح مواقفهم"ويرد اشرف عبد الغفار، احد أعضاء مجلس الشورى، الذي أطلق مركزا للتفكير في اسطنبول بعد أن اشتغل طبيبا في أفغانستان، يرد على هذا التوجه بالقول "لن نقبل بحدوث انقسام". في سن 59 سنة، ورغم انتقاداته للقيادة التقليدية للإخوان، وانضمامه إلى صف الشباب منذ الثورة، فانه يدعو "الطرفين إلى الوحدة" ويقول "علينا أن نصوت من جديد، قضيت 40 سنة من عمري داخل الإخوان. ولكن علينا أن نساعد الشباب على حمل المشعل." في مكتبه قرب مطار اسطنبول، نجد عمرو دراج، الحريص على محاولة جمع الطرفين المتصارعين، مندمج في محيط القيادة مع تأكيد قربه من "الشباب الذين تعلموا الحياة السياسية مع الثورة" ويتبنى مقاربة توفيقية تتناغم مع مهامه كرئيس للمكتب التنفيذي للإخوان المسلمين في الخارج، ولكنه يدافع كذلك على ضرورة انفتاح أكبر للتنظيم. وأعطى بنفسه المثال عندما التحق في صيف 2014 بالمجلس الثوري المصري، وهو هيئة مستقلة تضم مختلف تيارات المعارضة. ويعتقد دراج أنه "يتعين استعادة المسار الديمقراطي والثورى، لن يقع انقسام، ربما سينسحب بعض الأشخاص، لنفصل بين السياسي والاجتماعي علينا أن ننفتح أكثر ونستعمل أكثر إمكانيات تنظيمات أخرى وإعطاء مكان أكبر للشباب والنساء. يجب إعطاء الوقت الكافي للقيام بتغييرات وعدم إبعاد كل المنتخبين. لدينا الكثير من الناس في الميدان يحسون بان الرأي العام بدأ ينقلب على النظام، أمام هذه الإخفاقات. اليوم، المعركة هي معركة وعي من أجل كسب تعاطف الرأي العام وهي المعركة التي يتعين خوضها."