انقسمت الآراء فيما حدث بمصر عقب الثلاثين من يونيو الفارط بين زاعم أن ما حدث من عزل للرئيس المنتخب المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي ، انقلاب على الشرعية ، وبين زاعم أن ما حدث هو تصحيح لمسار الثورة الشعبية التي أنجزها الشعب المصري يوم 25 يناير 2011 ، بحيث أتضح له أنها انحرفت عن مسارها ، فعاد وخرج إلى الميادين والساحات العامة ليعيد التأكيد على المطالب التي قامت من أجلها ثورته الشعبية السلمية ، في بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية . ان قراءة موضوعية لهاته الأحداث تستجلي الحقيقة الكامنة في ثنايا الرأيين المتناقضين والمتصارعين ، فبين منطق الاخوان الذين يعتقدون أنهم مغبونون في حقهم ومغموصون في شرعية رئيسهم المعزول ، ومنطق الحركة المدنية والثورية والليبرالية واليسارية وخاصة حركة تمرد التي قادت مرحلة الاطاحة بمحمد مرسي ، تكمن الحقيقة ، وبما أن لكل طرف آليات حجاجه ، ومنطقه الذي يحتج به ، وبراهينه ، ودلائله ، التي يسردها للقول بأن الرأي الآخر متهافت وغير منضبط للواقع والصواب ، وبعيد كل البعد عن الحقيقة ،فان الموضوعية والتجرد والنزاهة الفكرية والأخلاقية ، تقتضي من الباحث والمفكر والمحلل ، اعمال معاول النقد والتحليل والتفسير وكل الآليات الحجاجية والبرهانية في كلا الاتجاهين ، من أجل معرفة حقيقة ما يجري في هذا البلد الذي ، يعتبر أكبر بلد افريقي وعربي ، وبحكم موقعه الاستراتيجي ، ودوره التاريخي في مراحل التاريخ الاسلامي ، وكذا دوره الريادي والاشعاعي الثقافي والفكري ، ناهيك عن اعتباره مهدا للحضارة الانسانية جمعاء. أطروحة الاخوان المسلمين : يعتقد الاخوان المسلمون ، أعضاء الجماعة التي أسسها حسن البنا في سنة 1929 كرد فعل على سقوط الخلافة الاسلامية العثمانية في تركيا ، وعمل سيد قطب على التأصيل المذهبي والأيديولوجي لها فيما بعد ، أن ما قام به الجيش عقب الثلاثين من يونيو ، هو انقلاب عسكري على الشرعية ، بيد أن الرئيس المعزول محمد مرسي ، يعتبر أول رئيس مدني منتخب بطريقة ديمقراطية ، اثر أول انتخابات قيل عنها إنها أول انتخابات نزيهة و شفافة في تاريخ مصر ، وأن سنة من حكمه ليست كافية على الحكم عليه ، بحيث يجب أن يترك له المجال واسعا ضمن ولايته الرئاسية في اطار دستور وقوانين البلاد من أجل أن يتخذ ما يراه ملائما لإخراج البلاد من حالة الجمود التي جاءت كنتيجة لثورة 25 يناير، وكذا المضي بها قدما نحو ترسيخ الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، بحيث لا يوجد أي مسوغ سياسيا كان أو أخلاقيا ، يدفع الجيش الى ما فعله ، غير الرغبة في الاستئثار بالسلطة من جديد ، بعد عام من الابتعاد عنها ، في حين يعد أمرا غير معقول ولا مقبولا لا دستوريا ولا أخلاقيا ، أن يعمل الجيش على الانتصار لأطروحة طرف دون طرف آخر ، حتى في حالة الانقسام التي شهدها الشارع المصري ابان الثلاثين من يونيو ، بيد أن دور الجيش ، كمؤسسة دستورية ، يجب الا يخرج عن اطاره التقليدي في الدفاع عن حوزة الوطن ، وأمن البلاد من أي خطر خارجي ، وحتى اذا ارتأى أن أمن البلاد في خطر ، بالنظر الى اتساع دائرة الانقسام بين الفرقاء السياسيين في البلد ، فانه دوره يجب الا يخرج عن اطار اسداء النصح والمشورة ، لا التدخل السافر والاقدام على هكذا خطوة ، تمثلت في اغتصاب الشرعية وعزل الرئيس المنتخب بشكل ديمقراطي ،كان يتحتم على الجيش أن يكون وسيطا محايدا لا وسيطا منحازا ، وأن يترك الفرصة للساسة كي يعملوا على حل المشاكل العالقة والتي أدت الى الاحتقان بالطرق السياسية ، وليس بالحسم العسكري ، المرتكز على ميزان القوة المادي ، بحكم توفره على القوة العسكرية والحربية ، وعلى قوة السلاح ، لفرض ارادته ووجهة نظره ، وبالتالي الانتصار لأطروحة معينة ، هي أطروحة خصوم الاخوان السياسيين ، خاصة من يسمونهم ، الفلول ، أي بقايا نظام حسني مبارك ، والحركات العلمانية واليسارية ، خاصة حركة تمرد ، والاعلام الذي يدور في فلكهم ، وكافة المؤسسات التي تتآمر على الرئيس من أجل شل حركته ، وعزله ، وجعله غير قادر على المبادرة ، وبالتالي الحكم على أدائه بانعدام الفعالية فيما بعد ، أي الرغبة في افشال تجربة الاخوان في الحكم مع سبق الاصرار والترصد ، بل ان بعض التيارات الاخوانية تذهب بعيدا في التحليل ، بحيث ترى أن حركة تمرد ومن ورائها الجيش والفلول ماهي الا أدوات صهيونية وغربية مدفوعة ومأجورة من أجل الاجهاز على الشرعية ، وكذا من أجل القيام بالوكالة بما عجزعنه الموساد و الدوائر المعادية للإسلام والمسلمين في أوروبا وأمريكا وإسرائيل ، ففوضت الأمر لهذه القوى مجتمعة من أجل النيل من المشروع الاسلامي ، بحكم كونه يحمل بذور القضاء المبرم على اسرائيل ،واذا أخذنا بعين الاعتبار المحيط الاقليمي والدولي الرافض لحكم الاخوان ، تتضح الصورة وتكتمل معالمها ، بشكل لا يدع مجالا للشك ، على أن تجربة الإخوان في الحكم في مصر، تتعرض لمؤامرة خارجية وداخلية من أجل اجهاضها ، ومن أجل الحكم على تجارب مماثلة لحركات الاسلام السياسي بالمنطقة بنفس الحكم ، ألا وهو الفشل الذريع في الاستجابة لمطالب الثوار في اقامة أنظمة ديمقراطية في اطار دول مدنية عصرية . أطروحة حركة تمرد: ترى حركة تمرد أن مرسي قدم وعودا كثيرة لم يفي بها ، واتخذ قرارات بالغة الأهمية تم عدل عنها ، وخطب خطبا عنترية متوعدا وواعدا ، حول النهوض بمصر اقتصاديا واجتماعيا ، وحول أنصاف أهالي ضحايا ثورة 25 يناير ، لم ينفذ حرفا واحدا من كل تلك الوعود ، النتيجة كانت : دستور إخواني غير ديمقراطي ، عدم الانتصار لأهالي الشهداء ، التقارب الحاصل بينه وبين إيران ، موقفه المتذبذب مما يحدث في سوريا ، موقفه المتذبذب من أحداث سيناء ، وقد وعد بالضرب بيد من حديد على أيدي المتلاعبين بأمن البلد ،حروبه الطاحنة على أكثر من جبهة ، مع القضاء ، مع الجيش ، مع المعارضة ، ومع النقابات ، ومع الجهاز البيروقراطي المنتمي لحقبة مبارك ، آخرا الهرولة نحو السقوط في أحضان مؤسسات الاقتراض الدولي لرهن مستقبل مصر لصندوق النقد الدولي . تتكون حركة تمرد من القوى الثورية الشبابية التي ساهمت في الاطاحة بحسني مبارك في 25 يناير 2011 ، وهي الأحزاب التقليدية كالحزب الناصري والوفد بالإضافة الى اليسار والحركات العلمانية والليبرالية و حركة 6 أبريل التي أسسها محمد البرادعي والتي تحولت الى جبهة الإنقاذ بعد الثورة ، والعديد من الائتلافات ....ولقد انطلقت الارهاصات الأولى ، وبوادر انشاء حركة تمرد عقب الاعلان الدستوري الذي طرحه الرئيس المعزول محمد مرسي ، في نوفمبر من سنة 2012 ، والذي أعطى فيه لنفسه صلاحيات واسعة ومنح نفسه حصانة لم يكن يتمتع بها حتى حسني مبارك نفسه ، الشئ الذي أثار حفيظة القوى الثورية الشبابية ، وشعرت على أن مرسي بدأ يمهد لحكم الفرد ، وكأنه أراد أن يعيد عقارب الساعة الى الوراء ، ومع أن الحركات المدنية الديمقراطية ، لم تكن راضية تماما على مسألة استبعادها من المشاركة في الحكومة التي اختارها الرئيس المعزول اخوانية مائة بالمائة ، فان للمسألة الدستورية اسهاما في تأجيج الأوضاع ، فالدستور الذي تم دبجه بسرعة فائقة من طرف هيأة مشكلة في غالبيتها من أعضاء ينتمون الى حزب الحرية والعدالة ، الذراع السياسي لجماعة الاخوان المسلمين ، بعد انسحاب القوى المدنية والثورية من اللجنة التأسيسية ، احتجاجا على ما أسموه سعي الاخوان الى أخونة الدستور، بحيث عدم انفتاحه على كل المطالب الثورية ، وعدم تضمنه للضمانات الحقوقية الكفيلة بالاطمئنان على سيرورة الانتقال من وضع الثورة الى وضع الدولة المدنية ، وكذا عدم تنصيصه على تعددية الشعب المصري وبالأخص حقوق الأقليات مثل الأقباط ، انضافت الى مسألة الاعلان الدستوري ، ما حذا بالرئيس المعزول ، الى الاسراع بطرح هذا الدستور على الاستفتاء ، ما زاد من تعميق الأزمة بين المعارضة بقيادة جبهة الانقاذ آنذاك والرئاسة ، بيد أن الرئيس المعزول كان همه الوحيد هو الحصول على أغلبية عددية تمكنه من حرق المراحل ، وبالتالي الحصول على دستور على مقاس الاخوان ، يستجيب لطموحهم في السيطرة على كل مفاصل الدولة ، بحيث لم يعمل الرئيس ومن ورائه حزبه وجماعته ، على تفكيك المنظومة البيروقراطية للنظام القديم ، من أجل اصلاح الأوضاع ، بل ذهبوا الى احلال نشطائهم محل القيادات والأطر المنتمية الى نظام مبارك ، بحيث تنعدم كليا نية الاصلاح ، وتظهر الرغبة الواضحة في الاستيلاء على ارث مبارك ، البيروقراطي ، والاقتصادي ، والريعي ،( تعيين المحافظين من الإخوان ) هذا من الناحية الدستورية ، أما من الناحية الأمنية ، فان استفحال المظاهر المسلحة والارهابية في سيناء مرده حسب " حركة تمرد " الى تغاضي الطرف من طرف مرسي على الحركات الجهادية في المنطقة ، في نوع من الصفقة السياسية بينه وبين حماس ، وكذا السماح بهروب المساجين الاسلاميين للالتحاق بنظرائهم في الجبهة ، فتأسست جماعات مسلحة راديكالية ممولة من الجماعة السلفية ،، التي هي الذراع العسكري للقاعدة في سيناء ، خاصة مبايعة أعضائها لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وأمام التساهل الكبير الذي أبداه الرئيس اتجاه هذه الحركات ،، إضافة إلى القتل المتزايد في اعداد الأفراد المنتمين إلى الجيش في سيناء ، ومع أن الرئيس تعهد بحماية أفراده و الاقتصاص من قاتليهم في حين لم يفعل شيئا بل إن التساهل معهم ، هو ما أثار غضب هذا الأخير الذي شعر بأن كرامته وقد مرغت في التراب .....، وكذا التقارب الحاصل بين مصر بقيادة مرسي وإيران ، بحيث رأت الجارة السعودية في ذلك توسعا إيرانيا سافرا على حساب منطقة نفوذها التقليدية ، الشيء الذي أزعجها فقررت أن تسحب دعمها لمرسي وللإخوان ، انضافت المشاكل الأمنية الخارجية الى تلك الداخلية ، بحيث سادت السرقات وتفشت مظاهر العنف وامتهان الكرامة الشخصية ، الى المشاكل الاجتماعية ، بحيث تعهد مرسي بالقضاء على البطالة ، في حين لم يتخذ قرارا واحدا ، من أجل تقليص معدل البطالة الذي ارتفع في ولايته ، وانتشر الفقر على أوسع نطاق ، وزاد معدل الفساد ، وتدنى مستوى الخدمات الاجتماعية ، وانحدرت البلاد نحو أوضاع اجتماعية واقتصادية مهولة ، ودقت المنظمات الدولية ناقوس الخطر ، غير أن الرئيس كان مشغولا بمعاركه الدونكيشوتية مع كافة الأطراف والمؤسسات ، وأمام حقيقة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الكارثية التي تعيشها البلاد ، قرر الرئيس الاستدانة من الخارج ، فكان رأي قطاع كبير من المصريين هو الرفض المطلق ، حجتهم في ذلك أن مصر تستطيع أن تنهض من كبوتها الاقتصادية من دون اللجوء الى الاقتراض ، يجب فقط أن تتوفر الرغبة في الاصلاح ، هذه التي لم تكن تتوفر للرئيس ، الذي آثر حسب المعارضين ، أن ينصت لرأي جماعته ومرشده ، عوض الانصات لمقالة الشعب ، في منظورهم ، الدولة صار يحكمها مرشد اخواني ، وليس رئيس جمهورية منتخب ، بحيث كلما أصدر الرئيس قر ار في الصباح الا وعاد ليلغيه في المساء ، خذ على سبيل المثال الاعلان الدستوري الذي أصدره قبل أن يتراجع عنه ، قرار عزل النائب العام ، قرار محاسبة مرتكبي حادثة ملعب بور سعيد ، شارع مصطفى محمود ، أحداث ماسبيرو ...الخ ، في هذه الحقائق والأحداث رفعت المعارضة طلبا بإجراء تعديل حكومي ، ودستوري ، الشيء الذي رفضه الرئيس رفضا مطلقا ، مما حذا بحركة تمرد إلى البدء بجمع التواقيع من أجل الإطاحة به ، وهكذا استطاعت أن تجمع حوالي 30 مليون توقيع ، وخرج الشعب المصري من جديد الى الميادين يوم الثلاثين من يونيو ، ليقول للرئيس ارحل ، في أكبر احتشاد بشري عرفه التاريخ ، بحيث امتلأت الميادين والشوارع والساحات العمومية ، وغصت بالمحتجين والمتظاهرين ، فكان الوضع ينذر بانفجار كارثي ، الشيء الذي حذا بالقوات المسلحة الى التدخل ، فاقترحت على الرئيس اجراء تعديل حكومي ، فرفض ، واقترحت عليه اجراء استفتاء على بقاءه رئيسا فرفض ، وأصدرت بيانها الشهير بمهلة 48 ساعة ، ولم يتحرك الرئيس ، وحضر الاجتماع الذي دعت له القوات المسلحة كل الأطراف وتخلف مرسي وجماعته ، فتدخل الجيش بعد انتهاء المهلة وانحاز الى الارادة الشعبية ، وعزل مرسي. خلاصات واستنتاجات: يتضح جليا من خلال تحليل خطاب الإخوان وكذا المناصرين لهم سيادة منطق نظرية المؤامرة ، في حين ترى حركة تمرد أن المشكل يكمن في إعادة ترتيب البيت الداخلي أخذا بعين الاعتبار لكل التحديات التي تعيشها البلاد ، والأخطاء التي راكمها الرئيس المعزول ومن ورائه حزبه وجماعته ، والتي ساهمت بشكل مباشر في تردي الأوضاع ، وبالتالي إلى انقسام المجتمع. لعل القائلين بمقولة الانقلاب يستندون الى عدم استقالة مرسي عكس مبارك الذي أعلن استقالته ، واستنادا الى الاعراف الديمقراطية ، فلو حدث ما حدث في أي بلد من البلدان الديمقراطية ، لما تردد الرئيس لحظة واحدة في تقديم استقالته ، لكن الاخوان المتعطشون للسلطة ، لم يشاؤوا أن يتركوها بعد أن حصلوا عليها ، بحيث أصبحت الجماعة لديهم أهم من الدولة ، واذا سلمنا جدلا أن ما قام به الجيش من عزل لرئيس منتخب هو انقلاب على الشرعية ، فماهو الحل أمام انسداد كل آفاق التفاهم بين الرئيس والمعارضة ؟ بعد أن رفض الرئيس وذلك بناء على توجيهات اخوانية ، كل العروض التي قدمت له ، وماهو المخرج ؟ لا شك أن الاخوان كانوا يستعدون لنسف كل جهود الرغبة للوصول الى حل سياسي ، من أجل ابقاء الحال على ما هو عليه ، أي البلوكاج ، فكان تدخل الجيش لابد منه ، وحتى لو جاز أن نسميه انحيازا إلى أطروحة طرف دون طرف آخر ، أو انقلابا عسكريا ، كان لابد من التدخل ، رب قائل أن الشرعية الآن أصبحت بيد الجيش ، والبلاد منذ الآن لم تعد تتوفر على ضمانات دستورية ، ألا يتكرر ما حدث ، يكون الرد أن الجيش لم يحتفظ بالسلطة بل قام بنقلها إلى جهة محايدة هي رئيس المحكمة الدستورية العليا ، بحيث تعهد بإعادة نقلها إلى سلطة مدنية منتخبة وفق جدول زمني محدد ، وأخذا بعين الاعتبار أن البلاد تمر بفترة انتقالية أعقبت ثورة أطاحت بنظام دكتاتوري شمولي ، وسيرا على نهج الثورات الكلاسيكية ، فالبلاد بحاجة الى القطيعة مع النظام السابق ، من أجل أن تدشن عهدا جديدا ، يلزمه دستور جديد ، حكومة جديدة مكونة من القيادات الميدانية التي أفرزتها الثورة ، وليس من نفس القيادات المهترئة ، ثمة حقائق ساطعة وداحضة لكل المقولات الاخوانية في السعي الى التوافق ، وهم لم يشاركوا في الثورة الا في الأيام الموالية ، بعدما تأكد لديهم أن الشباب المتأثر بوسائل الاتصال الحديثة قد عقدوا العزم على المضي قدما من أجل الاطاحة بنظام مبارك ، بل كانوا ينتظرون اشارة من الدكتاتور من أجل التفاوض ، وهم أيضا صرحوا عدم نيتهم المشاركة في الانتخابات ، ونكثوا ثم شاركوا ، هذه النزعة البراغماتية ، الانتهازية ، لدى جماعة الاخوان المسلمين ، لا تجد مبررا لها الا في تلك الرغبة الجامحة المكبوتة للوصول الى السلطة ، ان ثقافة الاستئثار بالسلطة هي ما قاد البلاد نحو الافلاس السياسي ، اذ لوكان الاخوان يفكرون حقا بمنطق التوافق ، لفسحوا المجال لباقي الفرقاء من أجل المشاركة في الحكم ، أخذا بعين الاعتبار أن البلاد خرجت للتو من الثورة وبحاجة الى التوافق وليس الى الاحتكام للديمقراطية العددية ، هذه الأخير تنفع عندما تستقر الأوضاع ، أما والحال هذه ، فيلزم البحث عن التوافق بأي ثمن ، الشيء الذي لم يكن لا الرئيس الاخواني ولا جماعته وحزبه ، يفكرون فيه البتة ، تعكس كل الأحداث والتفاعلات والتداعيات التي أعقبت سقوط نظام مبارك ، أن الاخوان كانوا يفكرون في السلطة وحسب ، فاصطفافهم الى جانب المجلس العسكري ، الذي تورط في تسيير شؤون البلاد بعد الفراغ السياسي الذي أعقب الثورة ، في العديد من القرارات غير الديمقراطية التي اتخذها ، تظهر بمالايدع مجالا للشك أن تجربة الاخوان في السياسة تنقصها الكثير من الحكمة ، ويغلب عليها الطابع الانتهازي، لقد تعاملوا مع المرحلة الانتقالية كغنيمة حرب ، واذا كان من الأجدر والأجدى تقييم تجربة الاخوان في الحكم بعد عام من التدبير الفاشل ، فالأولى النظر الى اخطائهم واخطاء رئيسهم الذي أوصل البلاد الى حافة الهاوية ، والى حالة من الانقسام الحاد ، الذي لم تشهده البلاد سابقا ، حتى في زمن مبارك ، لقد قامت الثورة من أجل الكرامة والعيش وفق المبادئ المشتركة ، في اطار دولة مدنية ديمقراطية حديثة ، وتعددية ، في حين أبانت التجربة أن الاخوان ارادوا الجنوح بها نحو حكم المرشد ، أي نحو دولة دينية شمولية وفاشية. اذا كان الشعب مصدر كل السلطات كما هو متعارف عليه في الأبجديات الديمقراطية ، فان الشعب الذي أطاح بحسني مبارك ، والذي أطاح بمحمد مرسي ، مستعد مرة أخرى اذا لزم الأمر أن يخرج من أجل الاطاحة برئيس منتخب جديد يخرق قواعد التعاقد التي أسسها مع الشعب الذي أوصله الى سدة الحكم ، ولقد خرج سابقا وقال لا لحكم العسكر ، لهذا فالاستهانة بالإرادة الشعبية أمر لا يستقيم ، الا عند دعاة الدكتاتورية وحكم الفرد ، إذن نحن أمام حالة ثورة شعبية مضادة وتصحيحية لا أمام انقلاب عسكري بأي حال من الأحوال.