اليوم، عيد الكتاب بالمغرب. إنه الأمر المفروض مع كل موعد لافتتاح المعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء (اليوم تفتتح دورته 22). وهي مناسبة ليعاد طرح السؤال حول واقع القراءة والكتاب ببلادنا، وأيضا حول الدور المنوط بمناسبة دولية مماثلة مغربيا، خاصة وأن مناسبة أي معرض دولي للكتاب، كامنة في أنه الفرصة لتقاطع طموحات وتلاقي أفكار وتلاقح مشاريع معرفية، من مختلف فضاءات إنتاج المعرفة عبر العالم. فهل يحقق معرضنا الدولي المغربي للكتاب ذلك؟ ثمة واقع لا يرتفع، يسمح التراكم المتحقق حتى الآن ضمن تجربة تنظيم المعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء، أن نسائله من موقع النقد والسؤال، الذي غايته الدفع بهذه المناسبة العمومية المتميزة كي تصبح علامة تواصلية فكرية ومعرفية وثقافية فارقة، مؤثرة، وذات إشعاع مخصب مغربيا ومغاربيا وعربيا وإفريقيا ومتوسطيا. ولعل أول مداخل ذلك، التساؤل حول الروح المؤطرة لتنظيم هذه المناسبة الثقافية المتميزة، التي يظهر مع توالي السنين أن ما يحكمها هو منطق «الواجب». أي، مجرد واجب التنظيم الإداري للوزارة الوصية (وزارة الثقافة)، بكل ما يأخذنا إليه ذلك من برودة بيروقراطية ومن مجرد الحرص الوظيفي على إنجاز ذلك الواجب التنظيمي كل سنة. إن مساءلة «روح الواجب» الإدارية هذه، مبعثه كامن في غياب السؤال المعرفي عن دورات المعرض الدولي للكتاب المغربي. ذلك أن الدورات تتشابه، تنظيميا، دون أن تكون مناسبة لخلق السؤال ورسم ملامح الجواب حول قضايا ذات راهنية عند المغربي في علاقته مع محيطه العربي والإسلامي، أو محيطه الإفريقي والمتوسطي. هنا يحق لنا التساؤل، مثلا، كيف أن الفطنة خانت مهندسي المعرض في مقاربة أسئلة آنية تعنينا مغربيا، من قبيل سؤال التطرف وفائدة النموذج الذي يقدمه المغاربة ضمن سؤال التأطير الديني لتعميم نموذج إسلامي مختلف، منفتح، متأسس على تجربة تاريخية لمدرسة فقهية مغربية، لها بناؤها المعرفي على كافة مستويات الاجتهاد الفقهي، بالشكل الذي ينتج معرفة داعمة للخطوات المغربية على مستوى الدولة والمجتمع، للعب دور تنويري جهويا وقاريا. مثلما أنه كان ممكنا بلورة السؤال حول «ثقافة الهجرة» من الجنوب صوب الشمال، من خلال تحويل فضاءات المعرض إلى مجال للسؤال الأكاديمي (السوسيولوجي/ الاقتصادي/ الحقوقي/ التاريخي) حول واقع الهجرة. وهما موضوعان آنيان ملحان كمثال فقط. إن غياب السؤال، بسبب غياب رؤية معرفية مؤطرة، موجهة، هو أكبر أعطاب دورات معرضنا الدولي للكتاب. والسبب راجع إلى الركون الدائم، من قبل الجهة المنظمة، إلى الشق التقني الإداري، بخلفية «التنظيم الموسمي». ولعل السبب راجع هنا، إلى خطأ أصلي يطال فكرة تنظيم هذه المناسبة الثقافية والفكرية، يتمثل في عدم التوفر على مؤسسة مستقلة لتنظيم المعرض، بذات الشكل المتحقق في معارض دولية رصينة بالعالم، مما أصبح معه ملحا طرح فكرة تأسيس مؤسسة وطنية، محددة مهمتها في تنظيم المعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء، تعمل على مدار السنة، ذات بنية تدبيرية واضحة، مشكلة من مفكرين وأدباء وإعلاميين ومسؤولين إداريين، لها مقر دائم، وميزانية سنوية مستقلة، وأن تقوم تلك المؤسسة الوطنية بتحديد الغاية من كل دورة سنوية للمعرض الدولي للكتاب. غير ذلك سيظل المعرض مجرد «موسم» لبيع الكتب لا غير. إن إلقاء نظرة عامة على برنامج الدورة 22، هذه السنة، يقدم الدليل الساطع على الفقر في الرؤية المعرفية لما يجب أن ننتظره من دور من مناسبة ثقافية وفكرية عمومية مماثلة، حيث لا أثر لقضية مركزية، مهم في مناسبة مماثلة تحويلها إلى سؤال عمومي تعكسه وسائل الإعلام وروابط التواصل الاجتماعي، بالشكل الذي يعلي من قيمة المعرض وطنيا وعربيا ودوليا. من هنا إلحاحية إعادة نظر شاملة حول فكرة المعرض الدولي للكتاب، انطلاقا من سؤال: ما الذي نريده منه، وضمن أي استراتيجية ثقافية؟