في فضاء قاعة «فيلا الفنون» بمدينة الدارالبيضاء، افتتح يوم 3 فبراير الجاري معرض تشكيلي لمجموعة من فناني مدينة أصيلا، وهو المعرض الذي سيستمر إلى غاية يوم 10 مارس المقبل. يمكن القول إن هذه التجربة تشكل حدثا ثقافيا وطنيا بامتياز، لقدرتها على تجميع عطاء تجارب وأسماء، سلخت من «عمرها الفني» سنوات طوال من البحث والتكوين والتلقيح، قصد بلورة رؤى جمالية وإبداعية صنعت نسق الهوية التشكيلية لمدينة أصيلا خلال عقود القرن الماضي ومطلع القرن الحالي. ورغم أن الأمر قد ارتبط بتجارب «فردانية» اختارت دهاليز التجريب والتمرين داخل عوالم حقول التشكيل، فالمؤكد أنها قد استطاعت التوحد حول ميزة النهل من «فيض « الألوان والأشكال بالفضاء المحلي لمدينة أصيلا، ومن خلال التخصيب المتواصل عبر الاحتكاك مع رواد عالميين، ممن اتخذوا من أصيلا محطة للروح وسكينة للإبداع. هي تجارب استطاعت نحت صخرة الإبداع، عبر الاستفادة من خصوبة الهوية البصرية للمنتديات الثقافية لمدينة أصيلا، وخاصة خلال مواسمها الثقافية الصيفية. كما استطاعت أن تعيد تشخيص معالم قراءتها لمكنونات الواقع المحلي، من خلال عين المبدع التي تحسن الالتفات لرموز الهامش، وتحسن التقاط التفاصيل «اليومية « المنفلتة من بين يدي المتلقي غير المهووس بالعمق الجمالي للأبعاد وللدلالات الفنية المرتبطة بالرموز وبالمخلفات القائمة والمندثرة، سواء منها المادية أم غير المادية. تأسيسا على ذلك، هل أصبح بالإمكان الحديث عن «مدرسة أصيلا التشكيلية»؟ وهل أضحى الوقت مناسبا لتقييم التجارب ولتصنيف التيارات الكبرى؟ بل، هل من الممكن الحديث – أصلا – عن تيارات منسجمة وقائمة الذات؟ وهل استطاع التراكم الحالي الارتقاء إلى تقديم الحصيلة النوعية المؤسسة لسلوك الفعل الراشد في العمليات الإبداعية الداعمة للهوية التشكيلية الموحدة ؟ وهل تنظيم معرض تشكيلي، من مثل المعرض الحالي بباب الرواح، يستجيب لسقف هذه التساؤلات إذا كان يجمع بين تجارب رائدة في التأسيس للممارسة التشكيلية المعاصرة ليس فقط محليا بل وطنيا وعالميا مثلما هو الحال مع الفنان محمد المليحي، مع تجارب نحتت بصماتها في سياقات تبلور وانبثاق الرؤى التشكيلية لمرحلة عقود النصف الثاني من القرن 20، مثلما هو الحال مع الفنانين محمد عنزاوي، سهيل بنعزوز، أنس البوعناني، حسن الشركي، يونس الخراز، نرجس الجباري، حكيم غيلان، محسن الحراقي، عبد القادر المليحي، محمد الأمين المليحي، الباتول السحيمي، ومعاذ الجباري؟ لا شك أن التأمل الفاحص في مثل هذه التساؤلات سيفتح الأعين على حجم الجرأة في اختراق العوالم المتشابكة للممارسة التشكيلية بمدينة أصيلا. أضف إلى ذلك، أنه يعطي الفرصة لإعادة مساءلة التجارب والتوثيق لمعالم تبلور الهوية الثقافية المحلية، في عطائها المرتبط بالخصب التشكيلي. ولا شك – كذلك – أن تجميع أعمال فناني هذا المعرض يستجيب لنهم المهتمين برصد إبدالات «التاريخ الثقافي» للمدينة، بمعالم تحولاته وبتجليات طراوته التي هي عنوان لانتماء ثقافي أوسع انصهرت فيه رؤى وتجارب ومواقف وسياقات، لتفرز كل هذا الزخم المسمى « بذاكرة أصيلا الثقافية». هي ذاكرة متفردة بصيغة الجمع، بل هي الواحدة / المتعددة التي تعطي «للذات الفردانية» الحق – كل الحق – للتعبير عن نزوعاتها الخاصة وعن حميمياتها الدفينة وعن أسرارها الدقيقة، بنفس القدر الذي تصر – فيه - على الانفتاح على «الآخر المحلي» وعلى التفاعل معه وعلى الإنصات لنبض عطائه ولرنين فعله داخل وسطه المحلي، بامتدادات ذلك داخل حقول الإبداع التشكيلي الوطني لزماننا الراهن. باختصار، فإن تلاقي أسماء وازنة من فناني أصيلا المعاصرين، يشكل مدخلا لاستنفار ذاكرة الممارسة التشكيلية المحلية، قصد العودة لقراءة « فرادة « الذات في إطار تفاعلها مع جدل الواقع والإبداع، الذاكرة والتاريخ، المنجز والانتظارات. هي وجه أصيلا التشكيلي، الرافد الأساسي للهوية البصرية للمدينة، والحضن المفتوح على التجارب وعلى التراكمات وعلى التحولات.