كان لزاما أن يتحرك علماء الإسلام ومرجعياته الدينية بمختلف انتماءاتهم المذهبية، في هذه الأيام السوداء التي انتحل فيها اسم الإسلام من قبل عصابات لا تفقه من حكمة الحياة سوى التدمير والعنف والحقد، سارقة الشعار الديني لتبرير أفعالها الإجرامية ملحقة ضررا أعظم بصورة أمة بكاملها، و محملة كل مسلم وزرها رغم أنه لا مسؤولية له فيها حتى صار متهما في كل مكان و أصبح موضع شبهة أينما حل و ارتحل. في مراكش، حضرت القيادات الدينية الإسلامية والمرجعيات بمختلف مذاهبها، لإجلاء كل التباس وفصل الحقيقة عما يشتبه بها، في موضوع استهداف الأقليات الدينية بأفعال إجرامية من تهجير وسبي واستعباد وقتل وسطو على الممتلكات، من قبل جماعات استقوت في ظل أوضاع ضعفت فيها السلطة المركزية ببعض البلدان الإسلامية، فوجدت الفرصة سانحة لممارسة هذه الأفعال الشنيعة ، مستصدرة أحكاما تزعم ظلما وافتراء أنها من شريعة الإسلام . في هذه الأوضاع المؤلمة التي تعيش فيها الأمة الإسلامية أحوالا متردية، تسيل الدماء وتمتهن الكرامة البشرية، وتتقد جذوة الكراهية ، و يعلو صوت العنف، حيث تجرأ الجهلة كما قال الشيخ عبد الله بن بية على دور العبادة تفجيرا و هدما، واستبيحت الدماء المعصومة. في مؤتمر مراكش حول حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية ( المنعقد من 25 إلى 27 يناير 2016 )، وقف التشخيص العالِم لأزمة الأمة على أعراض كثيرة لمرض فكري خطير ينخر جسمها، منها التكفير والمظالم المتبادلة والطائفية والثأرات المزعومة والتاريخ المزيف والدليل المجتزأ والتأويل المفضي إلى الاقتتال العبثي حتى ولو ألبس لبوس التقوى. وهو المرض الذي يستحث العلماء و المفكرين و المثقفين للقيام بدورهم في إشاعة صائب الحكم و سديد الرأي المنتصر للاعتدال والوسطية الممتدة إلى القيم الكونية التي تجعل من مقصد تقاسم الخير والمحبة والإسعاد المتبادل، غاية لها. و تحمي قيمة التدين الذي حوله المتطرفون إلى مجرد فرصة لإعلان الحقد والكراهية اتجاه كل مختلف، و إبراز رغبة مرضية عنيفة في تدميره ،فتصدق عليهم شهادة الفيلسوف اسبينوزا عندما قال «إن إيمانهم يظهر فقط في عدائهم لا في ممارستهم للفضيلة». سيظل التاريخ حافظا للحدث الكبير المتمثل في إعلان مراكش حول حقوق الأقليات الدينية في البلدان الإسلامية ، لكونه إعلانا لعلماء الأمة و مرجعياتها الدينية ، قدموا فيه الشهادة الحق، قاطعين دابر الفتنة، مستمدين روح وثيقة المدينةالمنورة التي تضمنت مبادئ المواطنة التعاقدية بما تقتضيه من حرية التدين و مساواة و عدل بين الجميع مهما تباينت معتقداتهم، و جازمين أنه «لا يجوز توظيف الدين في تبرير أي نيل من حقوق الأقليات الدينية في البلدان الإسلامية «لأنه لا يمكن طرد الظلام بالظلام، فقط النور يمكنه فعل ذلك .. إنه طريق التعايش السعيد.