بعد أيام قلائل من الذكرى الخامسة للثورة التونسية 14 يناير 2011، شهدت العديد من المدن، طيلة أسبوع، احتجاجات اجتماعية للمطالبة بالتنمية والتشغيل، سرعان ما تحول بعضها إلى مواجهات مع قوات الأمن وأعمال عنف وتخريب أفضت إلى الإعلان، الجمعة، عن حظر للتجول في مجموع تراب الجمهورية. فمن محمد البوعزيزي، الذي أطلق انتحاره شرارة ما بات يعرف ب»الربيع العربي»، إلى الشاب رضا اليحياوي الذي توفي صعقا بالكهرباء أثناء تسلقه عمودا مقابل مقر ولاية القصرين (وسط - غرب)، احتجاجا على استثنائه من وظيفة بوزارة التربية، حملت هذه الاحتجاجات، حسب العديد من المتتبعين، رسالة واضحة سعى من خلالها الشباب إلى تذكير الدولة بأهداف الثورة المتعثرة، وبضرورة إعادة أولوياتها. من هذا المنطلق، يرى هؤلاء المتتبعون أنه إذا كانت الثورة التونسية قد نجحت على المسار السياسي، وبنت نظاما سياسيا يقوم على حرية التعبير والتعددية والانتخابات الحرة والتداول على السلطة، فإنها لم تتمكن من تحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية وإرساء مقاربة تنموية تحقق تطلعات المناطق المحرومة وفئة الشباب، حيث لم تحظ المناطق المهمشة، على غرار القصرين وسيدي بوزيد وغيرها، التي تشهد معدلات بطالة عالية وضعفا في البنية التحتية والتنمية، فعليا بمشاريع كفيلة بحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية المزمنة على الرغم من الزيارات المتكررة والوعود المعسولة لمسؤولين في الحكومات السابقة. فحسب آخر أرقام المعهد الوطني للإحصاء، بلغ عدد المعطلين 612 ألف، من بينهم 242 ألف من حاملي الشهادات العليا، علما أن 90 ألف شاب وشابة يجدون أنفسهم سنويا على أبواب سوق الشغل ثلثاهم من حاملي الشهادات. وطبقا «للمنتدى الوطني للحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، تأتي ولاية القصرين في المرتبة الأخيرة ضمن مؤشرات قياس التنمية للولايات في تونس، وهو معدل رافقها منذ النظام السابق، حيث يبلغ معدل البطالة فيها نسبة 23 في المائة، بينما يبلغ المعدل الوطني نحو 15 في المائة. ويقر عدد من الملاحظين بأن هذه الوضعية لم تكن إلا نتاج «توجهات سياسية ومقاربات تنموية خاطئة»، انضافت إليها ظروف اقتصادية وأمنية وطنية وإقليمية صعبة عاشتها تونس طيلة السنوات الأخيرة، تمثلت في ركود اقتصادي حاد، وانخفاض نسبة النمو إلى 0.5 في المائة، وتراجع نسبة الاستثمارات بسبب العمليات الإرهابية التي ضربت الاقتصاد والسياحة، حيث تم غلق نحو 48 في المائة من مجموع الفنادق المصنفة أي ما يمثل 270 من ضمن 570 وحدة فندقية، إلى غاية 15 دجنبر الماضي، علاوة على ارتفاع الاقتراض الذي بلغ، السنة المنقضية، أكثر من 2650 مليون دينار (1 أورو يساوي 2.18 دينار)، تنضاف إلى الديون الممنوحة في السنوات الماضية، والتي سيتم الإنطلاق في سدادها بداية من هذا العام. وحسب نتائج استطلاع للرأي أنجزته مؤسسة سبر آراء تونسية معروفة محليا، وجوابا على سؤال حول «ما لم تتمكن الثورة من تحقيقه إلى حد الآن»، أجاب 56 في المائة من المستجوبين أن الأمر يتعلق ب»الحد من البطالة»، و39.7 في المائة ب»الأمن»، و24.4 ب»تحسين الوضع الإقتصادي للبلاد». وقد واجهت تونس أوضاعا ملتهبة حيث انضافت الأزمة الداخلية المستفحلة، منذ سنة، داخل الحزب الحاكم «نداء تونس» وتداعياتها السلبية المحتملة على استقرار الحكومة والبلاد، إلى التحديات الاقتصادية والمخاطر الأمنية المحدقة، في سياق محيط إقليمي وعربي محتدم، تتنازعه حروب وصراعات طائفية وإثنية تنذر بمآلات ومخاضات ومصائر مدمرة. من هذا المنطلق، أعربت العديد من الشهادات لمواطنين وحقوقيين وسياسيين ب»سيدي بوزيد»، مهد الثورة التونسية، في تصريحات تناقلتها وسائل إعلام محلية، عن «خيبة أملهم» في حصيلة الثورة، معتبرين أنهم لم يجنوا منها «سوى الوعود، ومشاريع الوهم»، وأن حالهم تغير إلى «الأسوأ»، بل أكثر من ذلك يرون أن الثورة دعمت «الطبقات الثرية، وساهمت في ظهور أثرياء جدد، وتسببت في تدهور الأوضاع الإجتماعية للشرائح المتوسطة والفقيرة». في المقابل، سجل العديد من الملاحظين أن الدولة، حكومة وأجهزة أمنية، تعاملت مع هذه الاحتجاجات التي انحرف بعضها عن الأهداف المشروعة، بسلوك حضاري متزن، ولم تقابلها بالعنف، وهو ما اعتبره هؤلاء مؤشرا على «ثقافة ديمقراطية» بدأت تترسخ في علاقة السلطة بالمواطنين، مشيرين إلى أن البلاد مقبلة على مرحلة حاسمة يتحدد فيها المستقبل، ويتم فيها إعادة ترتيب أولويات الثورة، من خلال الانكباب على أوراش التنمية والنهوض بأوضاع المواطنين خصوصا في المناطق المهمشة والمحرومة. تلك كانت خلاصة أسبوع من الاحتجاجات: «لئن حققت لنا الثورة الحرية والإنتقال الديمقراطي، فإن الثورة المكتملة لا تتحقق إلا بالعدالة الإجتماعية والتوزيع العادل للثورة».