تتصدر كارثة «مضايا» الأخبار الإعلامية في العالم العربي ، في الوقت الذي يتسيّد فيه الصمت الإعلام الغربي تجاه مأساة هذه المدينة ،فمضايا الموجودة بريف دمشق الغربي محاصرة من طرف قوات بشار الأسد وجنود حزب الله منذ 7 أشهر،في إطار استراتيجية جديدة لسحق البشر، هي أبشع من سعير الجحيم حسب شهادة المحاصرين.فالموت البطيء يتربص بكل رجل وامرأة وطفل ،في ظل صعوبة دخول المساعدات الدولية التي تصل فقط للاجئين بالمخيمات. أعداد القتلى من ضحايا الحصار والجوع في ارتفاع مستمر ،فعدد المحاصرين بالمدينة يقدر بحوالي 40 ألف سوري أكثرهم من النازحين حسب الإحصائيات الرسمية للمجلس المدني بمضايا.وقدرة القاطنين بالمدينة على الصمود بدأت تضعف ،خاصة بعد قتل 15 شخصا ممن حاولوا مغادرة المدينة لجلب المواد الغذائية أو للفرار من جحيم الحصار الطويل. لا سبيل إلى الخروج من مضايا إلا لمن يريد أن يحمل نعشه على أكتافه ،فقد أكدت المصادر الموجودة بالميدان أن قوات بشار المدعومة من طرف جنود شيعية تنتمي إلى حزب الله قد حولت محيط المدينة إلى فخ ؛حيث زرعت الألغام في حدود المدينة ،في حين طوقت مخارج المدينة بالقنّاصة الذين يوجهون بنادقهم الروسية إلى كل من حاول الفرار من جحيم الحصار وآلام الجوع. في ظل كل هذه الظروف استمر سكان مضايا في مقاومة الجوع والحصار والبنادق ،لعل الحصار يُفك ،خاصة بعد انتصار ثوار المقاومة في معارك شتى ،وسيطرتهم على عدة مواقع استراتيجية.ولكن تدخل روسيا بطائراتها وبارجاتها البحرية التي تقصف من الجو والبحر،حول مضايا إلى أرض محروقة ،فحتى أوراق النبات التي كان يقتات عليها المحاصرون أصبحت مسمّمة، فلم يبق للإنسان هناك سوى انتظار الموت ،وقد زاد تساقط الثلوج وموجات الصقيع والقرّ من تفاقم هذه المعاناة. لقد أدى الجوع لحد اليوم إلى 21 وفاة منها 6 أطفال ،ولائحة الوفيات مفتوحة على مصراعيها في ظل لا مبالاة المجتمع الدولي.وقد بلغت المواد الغذائية القليلة التي تُهرّب لتصل إلى المدينة أثمانا خيالية ؛إذ بلغ الأرز 70 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 200دولار أمريكي ،وبلغ حليب الأطفال كذلك 70 ألف ليرة للعلبة الواحدة.ولم تجد الأمهات ما تطعمن به الرضع اللهم الماء والسكر أو المربّى بلغة السوريين الذي بدأ ينفد أيضا ،فمن يخفف معاناتكم ،ويكسر حصاركم يا سكان مضايا؟لا أحد سوى من يبكي الفاجعة ويعد الضحايا. فمن العجيب اليوم ،وقد وجه رئيس المجلس الثوري بمضايا نداء استغاثة إلى المجتمع الدولي والمنظمات العالمية والدول العربية والإسلامية ،أن تستمر اللامبالاة ،وأن تستمر استراتيجية «جحيم التجويع والحصار».فمجتمع الأمن الدولي يعبر عن رد فعله السريع بشأن قيام كوريا الشمالية بتجربة هيدروجينية لأول مرة ،ويعقد الأربعاء 6 يناير جلسة طارئة لتداول هذه القضية .فهذه محاولة للحصول على السلاح النووي تثير الغرب ،ولكن قتل الآلاف من السوريين بأسلحة من صنع روسي وأمريكي...لا يحرّك شعرة في جسد المجتمع الدولي.فلماذا هذا التواطؤ المشين؟ وعلى الرغم من أن الأممالمتحدة رعت تنفيذ الاتفاق القاضي بالسماح بمرور المواد الغذائية،فإن النظام السوري يصر على خرق هذا الاتفاق ،لتحقيق أغراض عسكرية أبرزها تركيع المحاصرين كما فعل مع المدن الأخرى منذ سنة 2012 التي شرعت فيها قوات بشار في نهج سياسة التجويع عبر الحصار الخانق.ومن اللافت أن الأممالمتحدة لم تعد تتجاوب مع هذه القضية، وهو ما يثير استغراب ائتلاف المقاومة السورية ،فمع علمها بأزمة مضايا وقبلها «الزبداني» لا تزال الأممالمتحدة صامتة عن جرائم هذا الحصار الخانق الذي يحصد المزيد من الأرواح في صفوف المدنيين العزل من أطفال ومسنين ونساء... وتستمر ،إذن ،معاناة «مضايا « و»الزبداني» ومعاناة سوريا كلها ،والعراق واليمن وأمصار شتى في العالم العربي ،ويستمر الغرب في بيع الأسلحة وجني ثمار البترول العربي.ويستمر بشار الأسد وجنود نصر الله في حربهم الطائفية من أجل خلق مجال حيوي تتنفس فيه إيران وإسرائيل...فلتنتظر الأرض العربية بمضايا من ينقد شرف العرب ،ويكنس دماء العار في العام الجديد.