عاشت دول الاتحاد الأوروبي بحر السنة التي نودعها على إيقاع تدفق متزايد بل متواتر للاجئين والمهاجرين، وهو تدفق لم يعرف له الفضاء الأوربي مثيلا منذ الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي جعل من سنة 2015 سنة «عسيرة» بكل امتياز في الفضاء الأوربي بأكمله. فوضع اللااستقرار والانفلات الأمني الذي تعرفه مجموعة من دول جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط بعدما دمرت المؤسسات والمجتمعات، أضحى أولى مبررات الهجرة وطلب اللجوء، وسببا رئيسيا في نزوح جماعي في كل من سوريا والعراق واريتريا وجنوب السودان... فقد وصل إلى الفضاء الأوربي خلال سنة 2015 ما يقارب مليون مهاجر ولاجئ تدفقوا بشكل غير مسبوق على دول الاتحاد الأوروبي هربا من الحروب الأهلية والأزمات الإجتماعية والسياسية في عدد من البلدان الأسيوية والإفريقية والعربية وأيضا تلك المحيطة بحوض البحر الأبيض المتوسط. وبالرغم من أن سيل المهاجرين إلى دول الاتحاد الأوروبي الذين عبروا المتوسط تراجع بشكل ملحوظ منذ شهر أكتوبر الماضي، الذي عرف أعلى التدفقات، لاحظت المفوضية العليا للاجئين ومنظمة الهجرة الدولية أن عدد الأشخاص الذين عبروا المتوسط ارتفع بشكل مطرد من حوالى خمسة آلاف في يناير ليصل ذروته في أكتوبر ب221 ألف شخص. وفي العام 2015، أصبح تدفق اللاجئين والمهاجرين، بالموازاة مع تزايد أعدادها في الفضاء الأوربي أو انخفاضها الذي يعزوه البعض إلى الأحوال الجوية ومدى ارتباطها بلوبيات تجارة السلاح ودعم الإرهاب وتجار البشر، تشكل قلقا متزايدا في العالم اليوم. كما عرف تنوعا أيضا في سبل الوصول إليها تعددت بحسب الظرفية السياسية والمناخية لدول جوار الفضاء الأوربي سواء ذات الحدود البرية أو البحرية مع دول الاتحاد الأوربي. فقد عبر نحو 972 ألف شخص البحر المتوسط ، بحسب احصائيات المفوضية العليا للاجئين، كما تقدر منظمة الهجرة الدولية بأكثر من 34 ألفا عدد الذين وصلوا الى بلغاريا واليونان بعدما عبروا تركيا، وبلغ عدد الواصلين إلى أوروبا بحرا في العام الحالي، أكثر من خمسة أضعاف الوافدين في العام 2014. وقد أثارت أزمة اللاجئين جدلا واسعا بين بلدان الاتحاد الأوروبي ذهبت بعضها إلى تشديد المراقبة على حدودها الوطنية والمطالبة بإعادة النظر في فضاء (شنغن) الذي يعد من أهم المكاسب التي حققها الاتحاد في أفق الاندماج الشامل. واقترحت المفوضية الأوروبية، خلال القمة الأوروبية الأخيرة ببروكسل إحداث قوة أوروبية لمراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي لها صلاحيات أوسع من تلك التي تتمتع بها حاليا وكالة «فرونتكس» الحدودية التابعة للاتحاد.غير أن هذا المقترح لم يجد له صدى لحد الآن لدى عدد من البلدان الأوروبية التي ترى بأن هذه القوة تنتهك السيادة الوطنية. وبالإجمال وصل نحو 150 ألف مهاجر ولاجئ منذ يناير إلى إيطاليا, وحوالي 30 ألفا إلى بلغاريا وأكثر من 3800 إلى اسبانيا و269 إلى قبرص و106 إلى مالطا،وفق منظمة الهجرة. وبلغ عدد الذين قضوا غرقا في البحر أو اعتبروا في عداد المفقودين نحو 3700 شخص في العام الحالي. وعبرت الغالبية الكبرى من المهاجرين واللاجئين (أكثر من 821 ألفا) من خلال اليونان، ووصل 816 ألفا منهم بحرا. وبين المهاجرين الذين عبروا المتوسط «كان نصفهم هذا العام - نصف مليون نسمة - من السوريين الفارين من الحرب في بلادهم» وفقا للمفوضية العليا للاجئين ومنظمة الهجرة العالمية. وشكل الأفغان 20 في المئة من الوافدين، والعراقيين 7 في المئة. وقد دفع العثور على الطفل السوري الكردي إيلان ميتا على شاطيء في تركيا، الذي أصبحت صورته ميتا على شاطئ تركي رمزا لمحنة اللاجئين السوريين، إلى دق ناقوس الخطر حول مآسي الهجرة السرية في حوض البحر الأبيض المتوسط، الذي تحول إلى مقبرة جماعية بغرق الآلاف من المرشحين للهجرة للفردوس الأوربي. كما أنه بوفاة الطفل ايلان كردي البالغ من العمر ثلاث سنوات مع أمه وأخيه البالغ من العمر خمس سنوات أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط إلى اليونان، تعالت أصوات تنتقد الدول الأوروبية لوضعها «عوائق» أمام دخول المهاجرين إلى ترابها وسعيها للحفاظ على سياسة أوروبية موحدة في مواجه أزمة اللاجئين. وقد أصابت صور كردي الذي جرفته أمواج البحر إلى شواطئ تركيا العالم بصدمة، وأدت إلى موجة من الانتقادات لطريقة معاملة أوروبا لآلاف اللاجئين الفارين من الصراع في الشرق الأوسط. وبدون شك فإن الوضع الحالي يفرض التفكير في سياسة جريئة لتحديد المسؤوليات بخصوص التحولات التي تعرفها الهجرة، التي انتقلت من هجرة إرادية إلى هجرة قسرية، فالعالم اليوم يعيش تناميا غير مسبوق، بالنظر للتحولات التي تعرفها الخريطة الجيوسياسية لنوع جديد من الهجرة، وهي الهجرة القسرية بسبب التوترات. لقد حان الوقت للتفكير في المآسي التي تخلفها في كل من حوض البحر الأبيض المتوسط وجنوب شرق آسيا، وأيضا لبحث سبل جديدة لتجاوز فشل كل البرامج الاستعجالية التي تبنتها عدد من البلدان والتكتلات الاقليمية لاحتواء اشكالية ظاهرة الهجرة التي أصبحت تعيشها أكثر من منطقة في العالم بدون جدوى.