الدكتور "علي محمد ميلاد بن رحومة"، من مواليد مارس 1957 بطرابلس بليبيا، اختصاصي نظم الحاسوب وباحث في المعلوماتية والاجتماع الافتراضي. من إصداراته كتاب "علم الاجتماع الآلي " الصادر عن "عالم المعرفة "، في 255 صفحة، هو عبارة عن مقاربة في علم الاجتماع العربي والاتصال ، حاز على العديد من الدرجات منها الإجازة الدقيقة ودكتوراه في علم الاجتماع (مجال المعلوماتية) بموضوع الأطروحة: "المنظومة التيكنو-اجتماعية للانترنيت " جامعة الفاتح طرابلس ليبيا 2004.عمل في عدة شركات في مجال الحاسوب والتخطيط والمعلومات وله نشاط تدريسي وتدريبي نشر عددا من مساهماته الأدبية والفكرية في الصحف والمجلات المحلية والعربية وصدرت له كتب منها الانترنيت والمنظومة التيكنو-اجتماعية بحث تحليلي في الآلية والتقنية للانترنيت ونمذجة منظومتها الاجتماعية بيروت مركز دراسات الوحدة العربية 2002 - نقل وتوطين المعرفة التيكنولوجية في التنمية الصناعية... - مدخل يعتبر علم "الاجتماع الآلي" هو الذي يهتم بالحركة البشرية المرقمنة في العالم الافتراضي، حيث يتناول أسس ومبادئ وأصول العلم الذي يدرس الإنسان المرقمن. كيف يقرأ الدكتور علي محمد رحومة كأكاديمي انجذابه نحو العالم الافتراضي سيما نحو مواقع التواصل الاجتماعي ؟ و هل ثمة وصفة يمكن تقديمها لشباب العرب اليوم من أجل استثمار إيجابي لهذا العالم الكوكبي ؟ ما مدى تأثر أسلوب الكاتب أو المفكر انطلاقا من التفاعل الدائم مع الافتراض ؟ وكيف يمكن قراءة حياة الكاتب العربي من خلال تدويناته او تغريداته على المواقع الاجتماعية ؟ وهل يصير للأدب معنى حين ينشر على الانترنيت ؟ أسئلة وغيرها كثير اقترحتها صفحة إعلام وتواصل على الدكتور الأكاديميي الليبي الاختصاصي في نظم الحاسوب ومهتم بالحركة البشرية المرقمنة والاتصال الاجتماعي علي محمد رحومة فكانت الورقة التالية: o كيف تقرأ كأكاديمي انجذابك نحو مواقع التواصل الاجتماعي خاصة الفايسبوك؟ n بداية، أشكرك أستاذ عزيز باكوش، وأشكر السادة القائمين على جريدة "الاتحاد الاشتراكي" المغربية، وملحق "إعلام وتواصل" بها، على إتاحة هذه الفرصة للتواصل الثقافي بيننا، نحن أبناء الوطن العربي والإسلامي المغاربي الواحد؛ وإن باعدت بيننا مسافات الجغرافيا قليلا، فها هو عالم التكنولوجيا المعلوماتية يلغي بيننا مسافات المادة، لنقترب كثيراً في عالم المعنى، عالم الرقمية والوقائع الافتراضية المثيرة! إن مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصا الفايسبوك، هو جزء مهم بالنسبة لي ليس كأكاديمي فحسب، بل أكثر من ذلك؛ فهو جزء من "المكان الثالث" المتاح للجميع، ليكونوا أنفسهم بصورة أكثر حرية وأقرب للآخرين، حيث تلغى كثير من العوائق والموانع الجغرافية والاجتماعية والثقافية والنفسية.. إنه يتيح لي، كباحث ومهتم بالمجتمع الإلكتروني، لحظات خصبة للتأمل العلمي، وربما شيئا من الدرس والبحث، أحيانا، في الشخصيات الافتراضية المقنّعة، ممن لا أعرفهم شخصيا، أتأملهم بصورة تطبيقية شائقة (بأسلوب باحث مشارك للمجتمعات الافتراضية). أيضا، أتابع كيفية استخدام الناس المختلفين لآلة الحاسوب والشبكات الموسعة، وتطور تأثرهم بها، وتفاعلهم سلبا وإيجابا في حركة مجتمع الإنترنت! هذا إضافة إلى روعة التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء والأعزاء ومتابعي صفحتي الإلكترونية. o هل لديكم وصفة تقدمونها لشباب اليوم من أجل استثمار إيجابي للعالم الافتراضي؟ n بالتأكيد، يمكنني المساهمة في هذه الناحية، حيث أتاحت لي بعض أبحاثي المتواضعة في هذا الخصوص التوصل إلى أن أهم ما يمكن أن يقوم به الإنسان وخصوصا الشباب في العالم الافتراضي هو "كسب ثقة الآخرين" أفراد وجماعات الإنترنت، بمعنى التفاعل معهم بشفافية، وبصدق، والالتزام بالقواعد التقنية والأخلاقية اللازمة لاستخدام الشبكة، مع ضرورة اتخاذ الحيطة والحذر بشأن النواحي الشخصية؛ إذ يظل لهذا العالم مخاطره الأمنية! من المهم جدا الاقتراب من الإنسان الذي ربما لا يفتح قلبه في الواقع اليومي المعيش، ولكنه في الواقع الرقمي هناك الشخصية الإنسانية الافتراضية، الذات/الثقافة، التي تتمثل تكنولوجيّاً بين الوضوح والغموض، ويمكن استقطابها إيجابيا واكتساب إمكانياتها ومعطياتها إنسانيا. إن التعامل مع "الهوية الآلية" فيما قدمتُه ضمن "علم الاجتماع الآلي"، يحتاج منا خلق "الثقة الافتراضية" بين المتفاعلين، حيث تختفي مسألة الموانع النفسية لدى معظم الناس، الأمر الذي يتيح فرصا حقيقية للمشاركة في الحياة الاجتماعية الافتراضية. لا ينبغي للمرء أن يتمثل في العالم الافتراضي كما يريده الآخرون مثلما قد يحدث في الحياة الطبيعية، بل عليه أن يكون ذاته المنفتحة في عالم منفتح أرحب ما يكون. بمعنى أن عليه أن يعمل بعقله، وذاته، وروحه؛ أن يشارك الآخرين في حوارات جادة، مفيدة، لكي ينمّي عقله وملكة تفكيره، فالعقل الإنساني هو في حقيقته ثمرة حوار! كذلك، على الشباب أن يتواصلوا مع المكتبات الرقمية ودور العلم والمعرفة والإعلام الواعي برسالته المجتمعية، ومع المفكرين والعلماء والأدباء والفنانين والمثقفين ذوي الخبرات المتنوعة، وأن يؤسسوا مجموعات علمية وأدبية وفنية وثقافية ورياضية... أي أن يتشكلوا في "مجتمعات معرفة"، ويتبادلوا خبراتهم ومهاراتهم وآراءهم، ويتشاركوا همومهم وقضاياهم، ويتأملوا قيمهم ومعاييرهم سلبا أو إيجابا، من أجل نفع أنفسهم ومجتمعاتهم المحلية. o كأكاديمي وتواصلي بامتياز هل تأثر أسلوبك انطلاقا من التفاعل الدائم مع الافتراض ؟ n بطبيعة عملي في مجال الحاسوب ونظم البرمجيات وتخصصي الأكاديمي الأول في المعلوماتية، وجدتني -مع الزمن- تأثرت كثيرا في ثقافتي وتصرفاتي اليومية، فضلا عن رؤيتي للحياة. إن عالم الحاسوب عالم دقيق ومنظم، ومن ثم كي لا يكون صارما أكثر مما ينبغي، فهو يعتمد على مظاهر الجماليات وطرائق الجذب في تصميم برامجه ومعاملاته الإلكترونية وبنياته التواصلية interfaces ، لدرجة أن الإنسان ربما ينسى نفسه وهو مشدود للحاسوب بكامل حواسه! إنه محاكاة للإنسان وامتداد له في عقله وحواسه المختلفة، والحديث يطول في هذا الشأن، ولكن بإيجاز، أجدني في عالم الحاسوب أطوره ويطورني، نتأثر معا ونتنامى معا! هذا تماما، في رأيي، ما يحدث للمختصين في مجالات المعلوماتية والمهتمين بالمعرفة الإلكترونية عموما. o من الناحية البرغماتية النفعية إلى أي مدى يستفيد التاريخ والجغرافيا العربيين من هذا الزخم المعلوماتي؟ وكيف تقرأ حياة الكاتب العربي من خلال تدويناته او تغريداته على المواقع الاجتماعية ؟ n هذا سؤال مهم. أولا، أعتقد أن البراغماتية كي تكون إيجابية لنا كعرب، علينا أن نكون مفيدين كي نستفيد أكثر، انتفاعنا يكون بقدر نفعنا للآخرين. إننا اليوم نعيش في مرحلة "الصناعة الاجتماعية"، لم تعد المجتمعات البشرية تعيش هكذا كما اتفق، بشكل أو بآخر! بل هناك اليوم التعليم المبرمج (الموجّه بصورة كونية) ويشمل ذلك نظم التربية إعلاميا وافتراضيا! والإعلام المبرمج أي الإعلام المقنن على كل الصعد السياسية والاستراتيجية والثقافية. كذلك، الثقافة "المعلّبة".. لنلاحظ مثلا تأثر الأدب العربي في العقود الأخيرة بهذا المنحى الخطير! بحيث يكاد يكون إنتاجنا الأدبي، في معظمه، مستنسخاً عن الإنتاج الغربي، ومنه كثير من النسخ المشوهة! أيضا هناك الاقتصاد الموجّه التكنولوجي، اقتصاد المعرفة. فالمعرفة اليوم هي "الرأسمال المادي" أمس.. وهي "الأرض الزراعية" أول أمس.. الخ. لا يمكن للتاريخ والجغرافيا العربيين أن ينتفعا من زخم المعلوماتية المعاصرة ما لم يعمل العرب بجدية، وتكامل علمي تقني حقيقي، حتى يكونوا في مستوى هذا العصر المعلوماتي الفياض، علما وعملا ومعرفةً وتكنولوجيا ومنهجاً وإدارةً راقية.. في هذا العصر، لم يعد لأي ثقافة معنى حضاري كبير - ومنها التاريخ كموروث ثقافي، والجغرافيا بعداً ماديا لذاكرتنا الزمنية - ما لم تكن الثقافة العربية "مرقمنة"، موثقة إلكترونيا، منظّمة، مصنّفة، محفوظة بأشكالها المتنوعة، كتابةً وصورةً وصوتاً وحركةً عبر أوعية المعلومات والمعرفة المتعددة، وفي أنظمة شبكية متكاملة العناصر والآليات، تتاح من خلال تقنيات نفاذ آمن، للباحثين والدارسين وسائر المستفيدين عرباً وغير عرب. حتى نكون في صميم الحضارة الإنسانية حاضرا ومستقبلا؛ إنني أتحدث هنا، عن جزء مهم من المحتوى الرقمي العربي، شبه المفقود، للأسف. أما بخصوص حياة الكاتب العربي من خلال تدويناته أو تغريداته على المواقع الاجتماعية؛ فهي للأسف في معظم مظاهرها، عبارة عن استجابات مباشرة وردود أفعال آنية للواقع اليومي، وبخاصة فيما يتعلق بالشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية. قلما نجد الرأي العلمي الجاد أو الفكري والثقافي أو الفلسفي والاجتماعي، أو ما أشبه! ولعل الكاتب العربي يتأثر أكثر من غيره بما يعيشه في عالم الافتراض الرقمي حيث أصبح يتواصل مع الناس العاديين بصورة أكبر وأوسع انتشارا، الأمر الذي يفتقده من خلال وسائل الاتصال ومنابر الثقافة التقليدية، فيحاول في العالم الافتراضي أن يقترب من الناس على طريقة "ما يطلبه المستمعون" كما يقولون! رأيا، ولغةً، وخطابا.. وهنا قد ينجذب الكاتب "المثقف" - ولا أعمّم - نحو مسارات ومزالق كثيرة للتخلف: (اليومي الركيك) و(السفسطي العبثي) و(الهامشي التافه).. حتى ينال "إعجابات" أو "مشاركات" أكثر!! إنه ما يمكن تسميته (ثقافة المسايرة) أو (الاستعراض والممايرة)!! على الكاتب العربي أن يستثمر هذا الوسط الإلكتروني الشبكي المفتوح بذكاء ونباهة؛ مثلا أن يعامل الناس بلغة وسطية بين الثقافة الراقية وبين الثقافة العادية السائرة، فلا ينغلق ولا يسقط؛ لعل هذا الأمر يتطلب ضرورة التكيف بمهارة مع تحديات المعلوماتية ثقافة وسلوكا؛ إذن، أمام كاتبنا العربي الكثير من الواجبات المنزلية home work، كي يكون حقا في المواجهة وذا رسالة تنويرية واعية، ويمكنه بذلك المساهمة في الارتقاء بمجتمعه، فيفيد الناس بفكره ويتواصل معهم بحضوره وإبداعه في آن. o هل يصير للأدب معنى حين ينشر على الانترنيت ؟ وكيف تقرأ ذلك إصداراتكم العلمية تنهل من حقل التواصل بامتياز ؟ ما الرسالة التي تودون تقديمها للأجيال القادمة ؟ n غاية الأدب فتح أكوان أفسح وأرقى للنفس الإنسانية، والتقاء الإنسان بأخيه الإنسان عقلا وروحا ووجودا، نفسا ووجدانا، وتعبيرا جماليا وذوقيا عن المحلي الإنساني والحلمي والفلسفي والكوني، الخ.. إذن، يصبح لطائر الأدب، وبخاصة الشعر، أجنحة أقوى أشعةً وأقدرَ على الطيران حين تمتد أمامه الآفاق والأعماق الإنسانية، ولعل هنا تكمن أهمية النشر على الإنترنت. حجم الانتشار الكبير، وامتداد الوقت، في أي لحظة يمكن للأديب والشاعر أن يصل صوته للناس وفي أي مكان، صباح مساء.. خصوصا حين يكون أصدقاؤنا بالآلاف عربا وغير عرب، على مدار الوقت ومدار الكرة الأرضية! في آخر إحصاءات استخدام الإنترنت، حتى منتصف هذه السنة 2015، نحو (45%) من سكان العالم يستخدمون الإنترنت! وإذا ما حسبنا عدد المستخدمين في الوطن العربي من خلال البيانات الأولية المتاحة، نجد أن نحو (40%) من السكان العرب يستخدمون الإنترنت! أي (156 مليون مستخدم للإنترنت) من إجمالي عدد السكان العرب (390 مليون نسمة) تقريبا. ونحو (29.5%) من مستخدمي الإنترنت في البلدان العربية يستخدمون الفايسبوك. ومع بعض الزيادات الأخيرة المتوقعة، نحن نتحدث عن حوالي ثلث مستخدمي الإنترنت يستخدمون الفايسبوك من المواطنين العرب. أي نحو (52 مليون مستخدم) لهذا الموقع الاجتماعي الافتراضي وحده. لا شك أن هذا يعني الكثير! ولمثل هذا، تصبح الإنترنت وسطا فاعلا بامتياز، لكل الناس رجالا ونساء شيوخا وأطفالا!. أنا أنشر أشعاري على الإنترنت، وآرائي المختلفة أيضا، وأتواصل مع الكثير من الأصدقاء، من أعرفهم شخصيا، ومن أعرفهم افتراضيا.. إنني عبر الإنترنت، أنا "إنسان كوني" (كوكبي global)، أفكر كونيا وأتصرف محليا، كغيري من المتفاعلين بجدية واهتمام في عصر المعلومات. كذلك، بتوفيق الله، بعض كتبي موجودة على الإنترنت في صيغة (pdf) لمن يرغبها، مثل كتاب "علم الاجتماع الآلي" منشورات سلسلة عالم المعرفة الكويتية، 2008؛ وكتاب "الإنترنت والمنظومة التكنو-اجتماعية"، 2005، منشورات مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت؛ وكم كنت سعيدا حين كنت أقرأ عددا ليس بالقليل من القراءات والمتابعات والعروض الصحفية في مختلف أرجاء العالم العربي، لهذين الكتابين وقت صدورهما، ومنها ما تفضلتم أنتم بكتابته مشكورين، حول علم الاجتماع الآلي، قراءة جيدة، أعتز بها، وعرّفتني بقلمكم المتميز. إضافة إلى عناوين أخرى لي، علمية وأدبية موجودة على النت. إن مثل هذا التواصل الرقمي، أعتز به أيما اعتزاز، ولعل رسالتي للأجيال التي أوجهها إلى نفسي أولا، وأحاول أن أتمثلها قدر المستطاع، هي أن نكون ذاتنا ولا غير، هويتنا وخصوصيتنا، حريتنا وفكرنا وعقلنا فوق كل الحسابات. وأن نخدم وطننا بمختلف معانيه الانتمائية، محليا وإقليميا، عربيا وإسلاميا. وتظل الرسالة الأبعد والأعمق هي حب الإنسان، والسلام، انطلاقا من حب العلم والمعرفة، وحب الحياة، لأجل الرقي بإنسانيتنا نحو الأمثل والأكمل! * في منجزكم العلمي القيم "مجتمع المعرفة وبلدان المغرب العربي" الصادر سنة 2007 م. قدمتم توصيفا وتحليلا لأوضاع بلدان العالم العربي معلوماتيّاً . ولمستم من خلال مشاركاتكم في عدة مؤتمرات علمية مغاربية حرصا كبيرا متواصلا، من قبل المختصين والمنشغلين بهموم المعرفة والتكنولوجيا العربية، والمغاربية خصوصا لتوحيد الجهود لإقامة مجتمع المعرفة المغاربي المنشود، ولكن تراخي اهتمام المسؤولين المغاربيين - من ليبيا حتى موريتانيا- ما يزال يحول دون تحقيق ذلك، ما الأسباب الحقيقية في نظركم التي تؤخر النظر بجدية من أجل الارتقاء وتطوير هذا الحلم؟ ** أعتقد أن للمشكلات والاختلافات الداخلية في بلداننا المغاربية دورا كبيرا في ذلك، وخصوصا على صعد السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع! يبدو أن وجهات النظر بين المسؤولين المغاربيين في هذا الخصوص لم تتقارب بعد بالمستوى المطلوب، فمثلا.. تطوير الأنظمة التعليمية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية ناهيك عن السياسية، لم تناقش بجدية علمية، تكنولوجية، تتيقظ بصورة موحدة للتحديات العالمية الراهنة، وتستفيد عمليا من معطيات التكنولوجيا المعلوماتية بجهود تكاملية متكاثفة. لا نزال نتخوف من الانفتاح العلمي والتقني على المستويات المذكورة، هذا من جانب؛ ومن جانب آخر، أرى أن مسؤولينا ليسوا مستعدين بعد أن ينفقوا أموالا، تبدو طائلة مقدما، لإقامة مجتمعات المعرفة المغاربية الموحدة، وإعداد وتجهيز البنيات التحتية المعلوماتية المغاربية المطلوبة، وتدشين المشاريع ذات الصلة، في حين أن مثل هذه المشاريع هي بطبيعتها ذات مردودات مادية كبيرة، ويتوقع لها أن تجلب مداخيل مالية هائلة مستقبلا، كما تحول دون إنفاق أموال ضخمة لإصلاح المجتمعات المغاربية وتعويض النقص والتأخر والضعف والخسائر في منظوماتنا الاقتصادية والاجتماعية إذا ما بقينا على هذه الحال! إن معظم مسؤولينا، يبدو لي، يفضلون المشاريع ذات العائد السريع لدعم سياساتهم وتوجهاتهم القيادية آنيا، ولا شك أن لمشاريع التنمية الشاملة عموما منظورات (تكتيكية) قريبة، ولكن تظل المنظورات الاستراتيجية هي مستقبل الأمم والشعوب! كذلك، للسباق التكنولوجي الدولي دوره في هذا الأمر؛ حيث أن سوق التكنولوجيا سريع جدا، يصعب اللحاق به دون التكاتف المغاربي الجاد والسريع، وتفويض مثل هذه الأمور للمختصين ذوي التجربة والخبرة. * كيف تقرأ واقع الأدب والفن والثقافة عموما في ظل المخاض الديمقراطي الذي تعرفه الشقيقة ليبيا سواء ما ينشر على الشبكة أو ما تجود به المطابع ودور النشر ؟ ** بالرغم من أن من أهم أسباب الثورة في ليبيا وتطلعاتنا الديموقراطية، شعبيا، هو مطلب الحرية الكاملة للإنسان الليبي، سياسةً وفكرا وثقافةً وإبداعا.. ولكن، واضح أنه في الآونة الأخيرة هناك تعثر وارتباك في الإنتاج الأدبي والفني والثقافي عموما، على مستوى النشر، والأنشطة الثقافية الجادة! وذلك نتيجة للتطورات السياسية الأخيرة. نحن لم نزل لم نتفق على حكومة وفاق وطني بعد! لم نزل نبحث عن أنفسنا سياسيا! بصورة تجمعنا معا.. وفي ظل مثل هذه الظروف، ليس في وسع واقع الإبداع الليبي، إلا أن يبدو منزعجا، مغبّشا، حزينا! في سنتي 2012 و 2013، بعد إسقاط النظام الدكتاتوري السابق بقليل، صدرت عشرات، بل ربما مئات الصحف والمجلات الليبية، بدعم من الدولة والمنظمات الأهلية؛ كما نشرت وزارة الثقافة الليبية عشرات الكتب، وشاركت بقوة في معارض الكتاب العربية في المغرب ومصر وغيرهما، وانتشرت الأنشطة الأدبية والفنية في أرجاء البلاد في الشوارع والميادين العامة؛ وبرزت الكثير من المواهب في شتى المجالات الفنية والأدبية.. ثم بعد ذاك حدث ما حدث، وانكفأ ما انكفأ. لكن، مع كل ذلك، تظل شبكة الإنترنت سيدة الموقف في هذه الظروف المتأزمة؛ إذ نرى معظم المبدعين الليبيين ينشرون إنتاجهم الشعري والقصصي ولوحاتهم التشكيلية ومقالاتهم النقدية والفكرية وغير ذلك، من خلالها.. * مشروع تطوير مجتمع المعرفة في العالم المغاربي كفيل بإزاحة معظم المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المغاربية؛ إذ فضلا عن كونه يتيح أساليب متقدمة لعمليات التنمية للإنسانية وانسياب المعارف، وتبادل الخبرات، فهو يفتح أسواق العمل لشبابنا على مصراعيها، ويرتقي بالنفس الآدمية في بلداننا التي تعاني ويلات العنف والحرب والإقصاء والفقر والمرض والجهل . هل لديكم وصفة لتنزيل هذا المشروع على أرض الواقع ؟ ** الوصفة الحقيقية الفاعلة تأتي من خلال تكامل برامج التخطيط والتنفيذ المغاربي الموحد في هذا الشأن، بين الخبراء المتخصصين في بلدان المغرب العربي؛ ولكن هناك تصورات فردية يمكن لها أن تساهم في إضاءة الطريق بصورة ما. على المستوى الشخصي، لديَّ تصورات، ومقترحات، تقدمت بها لبعض الجهات المغاربية، داخل ليبيا وخارجها عن طريق بعض القنوات الرسمية ذات الصلة، ولكن تظل المقترحات الفردية، بهذه الصورة المنتظرة، في برزخ الحلم، إن صح التعبير! مثلا، اقترحت مشروعات حول: "رقمنة الثقافة المغاربية"، من خلال تصور مبدئي لكيفية إقامة مجتمع معرفة في هذا الخصوص. كذلك، اقترحت سنة 2006 إقامة "مركز عربي لأبحاث الإنترنت"، كمجتمع معرفة بحثي متكامل تقنيا واجتماعيا، حيث أعددت تصورا مبدئيا له، من خلال ورقة عمل قدمتها في المؤتمر الرابع حول "آفاق البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في الوطن العربي" بدمشق؛ وفي هذا السياق، يمكن إقامته على المستوى المغاربي باقتدار؛ يهتم بالمشاريع والبحوث الاجتماعية الافتراضية المغاربية، فضلا عن التكنولوجية المعلوماتية، وخصوصا فيما يتعلق بتطوير إمكانات اللغة العربية معلوماتيا، ونظم البرمجة الذكية، والأمن المعلوماتي، وما إلى ذلك. أيضا، مقترح بناء "شبكة معلوماتية متكاملة لسوق تجارية مغاربية موحدة"، تقدم السلع المتنوعة والاستشارات ودراسات الجدوى والأعمال المحاسبية ذات العلاقة، في نظام مجتمع معرفة تجاري شبكي؛ ويمكن أيضا التفكير في منظومة شبكية أخرى توحد بعض دور التعليم المغاربية، عن طريق أنظمة التعلم الإلكتروني، بأنواعه. وربما، من المقترحات الهامة بالخصوص، هو مقترح بناء ما أسميته مشروع "المدن التكنو-ثقافية المغاربية"، بزخمها الهائل للشباب المغاربي.. وبخاصة حين نعي، بحساب بعض إحصاءات الإنترنت مغاربيا، أن نسبة مستخدمي الإنترنت بلغت حتى منتصف هذا العام 2015، نحو (37%) من السكان المغاربيين البالغ عددههم (94 مليون نسمة) تقريبا. ونحو (39%) من مستخدمي الإنترنت المغاربيين يستخدمون الفايسبوك. هذه مؤشرات مهمة ولافتة حول مدى الحراك التفاعلي على الإنترنت. وتظل أفكارنا وأفكار غيرنا، في إطار المشروعات والتصورات المبدئية التي يمكن تطويرها بصورة فاعلة، إذا ما وجدت الاهتمام والتشجيع والرعاية المناسبة من قبل المسؤولين المغاربيين؛ من شأنها أن تساهم في تقديم حلول ذات جدوى عالية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. ترفع بدرجة كبيرة من نسبة إنتاج المعرفة وتعظيم "رأس المال المعرفي" في مجتمعاتنا، وهو الأهم في منظومة اقتصاد المعرفة المعاصر، ما يفتح أمامنا فرصا أكبر للتواصل مع الشركات الإنتاجية والخدمية العالمية، كما توفر كثيرا من فرص العمل لشبابنا الواعد، وترفع من درجة الوعي والخبرة والمهارة وتنظّم آليات التفكير والسلوك إيجابيا، أسوة بالمجتمعات المتقدمة، وبخاصة حين ترتبط بالصناعة والتربية والتعليم والإعلام والثقافة. * الإعلام الليبي اليوم زخم في القنوات الفضائية .. هل ثمة تميز في الأداء أم هناك تعددية بصيغة المفرد ؟ ** لا أعتقد أن هناك تميزا حقيقيا في قيمة الأداء الإعلامي الليبي الزاخم في القنوات الفضائية، ولا أعتقد أيضا أن هناك تعددية بصيغة المفرد؛ فهذا أو ذاك تنقصه المهنية والاحتراف الواعي. إن المسألة، في رأيي، لا تعدو عن كونها حالة من الصراعات السياسية المربكة للمتلقي في معظمها! قليلة الخبرة، مشوشة، ومشوهة للمشهد الليبي؛ لعله المفرد المذبذب بين التشظي والتشرذم! هذا، لا يلغي بعض الاستثناءات الإعلامية والأصوات الواعية في بعض القنوات الليبية، تبرز بين الحين والآخر! ولكني أتحدث عن عموم الظاهرة الإعلامية الليبية اليوم؛ ومع كل ذلك، تبقى ليبيا حبلى بكثير من المفاجئات الإيجابية، والكفاءات، والمواهب الحقيقية على الأصعدة كافة؛ في انتظار التقاط النفَس، واستنهاض الهمم، وتحدي الصعاب، وتوحيد الجهود ومواصلة طريق البناء والتقدم.