انتقال للإنسان من كينونته الواقعية الأولى إلى كينونة افتراضية أقام فرع اتحاد كتاب المغرب بالناظور ندوة ثقافية بعنوان:»أشكال التعبير الرقمي»، مؤخرا بمكتبة المركب الثقافي، بمساهمة ثلة من الأساتذة الباحثين والمهتمين بهذا المجال. استهلت الندوة بكلمة كاتب الفرع الأستاذ جمال أزراغيد الذي رحب بالحضور والمشاركين في الندوة ، ثم أبرز السياق الثقافي الذي جاءت فيه هذه الندوة وهو البحث في سؤال التعبير الرقمي وأشكاله الذي أفرزته التطورات التكنولوجية الحديثة من خلال وسائطها الالكترونية والرقمية مما غير من إيقاع التعاملات الفردية والجماعية وساهم في انتقال الإنسان من كينونته الواقعية الأولى إلى كينونة افتراضية استدعت تحولا في الرؤيا للعالم. وأكد في الأخير أن اتحاد كتاب المغرب غالبا ما يكون سباقا إلى مساءلة الظواهر الإبداعية الجديدة والإجابة على الأسئلة الثقافية التي تشغل الرأي العام. واليوم، يرغب في مقاربة هذا التجلي الثقافي الجديد ألا وهو الأشكال التعبيرية الرقمية قصد فرزها وتبيُّنها في انتظار مساءلة كل شكل على حدة مستقبلا. بعده أعطيت الكلمة للمتدخلين ، فكانت المداخلة الأولى بعنوان:»العمل الموسيقي والتحولات الرقمية: تحديات ورهانات» للأستاذ الباحث عبد القهار الحجاري مختص في علم الموسيقى بيَّن فيها هيمنة الوسائط الرقمية على الحياة اليومية في العصر الرقمي وعلى جميع المجالات بما فيها مجال العمل الموسيقي وإخضاعها لسلطتها.ورأى أن هذه التحولات الرقمية قد فرضت تحديات ورهانات لخصها فيما يأتي: 1 تطوير كفاية الاختيار إن التدفق غير المسبوق للملفات الموسيقية عبر الوسائط الرقمية يستدعي من الفرد تبني كفاية الاختيار هي مجموعة من القدرات لتذوق العمل الموسيقي وتحليله ونقده وكشف قيمه الثقافية. بيد أن هذه الكفاية سيرورة تبدأ في سن مبكرة عبر التربية الموسيقية . والملاحظ أن المغرب مازال متأخرا عن بقية البلدان العربية في تعميم وتجذير هذه التربية لأسباب تتحدد في ضعف إرادة الدولة وهيمنة ذهنية التحريم... 2 المعرفة المعلوماتية ضرورة تكوين الموسيقي في الإعلاميات خاصة المتعلقة فيما يتعلق بالبرمجيات الموسيقية ( برمجيات تسجيل الموسيقى برمجيات كتابة النوطة برمجيات إنشاء ومعالجة الصوت...) 3 الابتكار والتجديد: نتج عن هيمنة الوسائط الرقمية شيوع نزعة الاستهلاك الثقافي بما فيه تسويق المنتج الموسيقي واشتراطه بالإشهار ، والمنافسة الشرسة بين الفضائيات ...مما خلق الحاجة الدائمة إلى الجديد باستمرار. 4 التواصل والتفاعل والتشارك- إذا كانت هذه هي مميزات العصر الرقمي فإنه لا بد من ربط علاقات افتراضية عبر الحدود للبحث عن آفاق النجاح والتواصل والتفاعل والتشارك. والمشروع الموسيقي قطب اجتذاب وإشعاع للمواقع، المدونات، الأسواق الافتراضية، ومحاربة آفة القرصنة ... إلخ. 5 الوصول إلى العالمية- العالمية أعلى مستويات التألق والانتشار الفني خارج الحدود القومية. فكيف يمكن الوصول إلى هذا المستوى؟ كان جواب الأستاذ هواستثمار الخصوصية النغمية والإيقاعية وتطويرها ،والمثال على ذلك» الراي» الذي أصله الغناء الشعبي بالجزائر وشرق المغرب ( الشيوخ الكصبة الكلال) ، وغيرها من الأمثلة..ليخلص بأن تلك القوالب الشعبية والإيقاعات الموجودة عندنا يمكن جعلها أساسا لأعمال موسيقية عالمية... أما المداخلة الثانية فكانت من نصيب الدكتور علي صديقي تحت عنوان:»الكتابة الرقمية عند سعيد يقطين» . أبرز فيها أن الأدبيات العربية المعاصرة تشيع فيها مصطلحات»الكتابة الرقمية» و»الإبداع الرقمي»و»الكتاب الالكتروني» و»الترقيم» وغيرها من المصطلحات التي ما تزال تعاني من الخلط وعدم ضبط حدودها. غير أنه استثنى مجموعة من الباحثين مثل: زهور كرام ، فاطمة البريكي، وسعيد يقطين الذي يعد من أبرز منظري الكتابة الرقمية والنص المترابط في العالم العربي لضبطه مفهوم الكتابة الرقمية وتحديد خصائصها ومميزاتها، وذلك من خلال كتابيه الرائدين:»من النص إلى النص المترابط، مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي»2005 و»النص المترابط ومستقبل الثقافة العربية (نحو كتابة عربية رقمية)»2008.ثم قسم مداخلته إلى محورين: المحور الأول: انصب على تعريف مفهوم الكتابة الرقمية وخصائصها. فالترقيم لغة هو التعجيم والتبيين والكتابة والقلم والخط أما اصطلاحا فهو عملية تحويل النص المكتوب، المطبوع أو المخطوط، من صيغته الورقية إلى صيغته الرقمية، ليصبح قابلا للمعاينة على شاشة الحاسوب. ورأى أن النص ينقسم ، باعتبار الوسيط المستعمل في إنتاجه وتلقيه، إلى قسمين: 1 النص المقروء: يتحقق من خلال الكتابة الورقية مثل الكتاب الورقي. أهم خصائصه:الخطية والتتابع السكون والثبات أحادي العلامة ،فهو نص لغوي فقط يقرأ قراءة خطية عمودية نص تناظري ... 2 - النص المُعايَن:يتحقق بالكتابة الرقمية ، والحاسوب فضاء لمعاينته.أهم مميزاته: نص رقمي لا يتحقق إلا من خلال شاشة الحاسوب عبارة عن شذرات ملائمة لحجم الشاشة مترابط يقرأ قراءة أفقية متعدد العلامات (اللغة الصورة والصوت والحركة...). والنص المُعايَن نوعان: 1 - النص المرقَّم / الالكتروني يتحقق من خلال الكتابة المرقمة، يعد فيه الحاسوب مجرد وسيط لإنتاجه أي أنه مجرد آلة إلكترونية لإنتاجه قصد تحويله فيما بعد إلى عمل مطبوع/ورقي. 2 - النص الرقمي يتحقق من خلال الكتابة الرقمية ، يصبح فيه الحاسوب وسيطا لإنتاجه وفضاء لتلقيه ومعاينته أيضا، لأن هذا النص غير قابل للتحول إلى عمل مطبوع/ورقي حتى لا يفقد خاصية الترابط التي تميزه. كما أبرز أن سعيد يقطين قد ميز بين الترقيم والكتابة الرقمية. فالأول هو عملية تحويل النص المقروء (المطبوع والمخطوط) أو المسموع(الشفوي) ليصبح قابلا للمعاينة والسماع من خلال شاشة الحاسوب. أما الثاني فهو يتحقق عندما ننتج نصا ليُتلقى على شاشة الحاسوب. وفيما يخص النص الرقمي فإن يقطين حسب المتدخل قد ميز بين نوعين: 1 النص الرقمي البسيط روابطه محدودة أقرب إلى الكتاب المطبوع... 2 النص الرقمي المركب تتحقق فيه السمات الجوهرية للنص الالكتروني بما فيها تعدد الروابط والانفتاح على مكوناته وتفاعل القارئ معه... المحور الثاني :من المداخلة انصب على مفهوم الإبداع الرقمي وخصائصه. فالإبداع الرقمي أو التفاعلي عند سعيد يقطين هو مجموع الإبداعات (والأدب من أبرزها) المتولدة مع توظيف الحاسوب الذي اتخذت معه صورا جديدة في الإنتاج والتلقي... والحاسوب منتوج وأداة إنتاج وفضاء للإنتاج وعلاقات إنتاجية. ويتميز الإبداع الرقمي، حسب يقطين، بثلاث خصائص: 1 العنصر اللغوي: كل نص إبداعي لغوي؛ 2 تعدد العلامات:استثمار النص الرقمي كل الإمكانيات التي يتيحها الحاسوب للمبدع لتقديم نص متعدد العلامات( اللغة، الصوت، الصورة الثابتة والمتحركة) 3 الترابط النصي: أهم خاصية تميز النص الرقمي ، فهو يكسر خطية النص المكتوب ويجعله متعدد الأبعاد ويسمح للمتلقي بالتحرك في فضاء النص وفق المسارات المتعددة... أما المداخلة الثالثة الموسومة ب :»الثقافة العربية والثورة المعلوماتية» فكانت للدكتور امحمد أمحور الذي استعرض فيها مميزات الألفية الثالثة :العولمة، سرعة تدفق السلع ورؤوس الأموال والأفكار والخدمات والبشر من مكان إلى آخر بكل حرية، ثم أشار إلى العلاقة الوثيقة بين الثورة المعلوماتية والعولمة لأن الثورة المعلوماتية عمقت من التجليات السياسية والاقتصادية والثقافية والاتصالية للعولمة أي أن العالم أصبح متصلا ومترابطا إن على مستوى الدول والحكومات أو على مستوى الشعوب والأفراد حتى أصبح الجميع يرغب في الانخراط في ما يسمى:»نموذج المجتمع الشبكي». وبيَّن أن في خضم هذا المجتمع الشبكي تبرز ظاهرة التدوين باعتبارها شكلا من أشكال التعبير الرقمي. وقد نمت على يد مثقفين جدد أطلق عليهم اسم «المثقفين المدونين» ورأى أن المدونات الخاصة بإبداعات أصحابها وسيرهم تجمع بين المتعة والفائدة. ثم حدد المرتكزات التي تقوم عليها المدونات في نشر الثقافة العربية: نشر الأخبار الثقافية والسياسية؛ التركيز على نتاج الماضي من كتب علمية وأدبية ولغوية؛ إهمال الثقافة ذات البعد المحلي؛ نشر الثقافة ونتاج الماضي. ورأى أن نشر النتاج الفكري العربي القديم موجود عند الغرب ومترجم إلى لغاتهم مستخدمين إياه في خلق نتاجهم الفكري. ثم أكد أن ما ينشر اليوم جيد غير أنه غير كاف للتعريف بما هو جديد في حضارتنا وثقافتنا العربية والإسلامية. لكون هذه الثقافة بكل مكوناتها الإبداعية وأشكالها التعبيرية ضئيلة الوجود في الشبكة العنكبوتية. ولكي تكون هذه الثقافة مؤثرة داخل المجتمع الشبكي لابد من: تضمنها لمحتوى غني حتى تستخدم بكثافة وتكرار؛ تأهيل البنية التحتية لتسهيل توزيعها؛ تأهيل تقني ولغوي لبناء واجهات مقبولة لنشرها؛ انفتاح على مختلف الطاقات الإبداعية؛إيلاء أهمية للتكنولوجيا الشبكية؛عناية بالترجمة من اللغة العربية إلى لغات أخرى؛ الرفع من ميزانية الأبحاث ومراكز الأبحاث في العالم العربي. *كاتب مغربي