تعيش جماعة مولاي بوسلهام بإقليم القنيطرة هذه الأيام على صفيح ساخن ينذر بتوتر اجتماعي محلي غير مسبوق، جراء استمرار تداعيات نتيجة الانتخابات الجماعية التي جرت يوم 4 شتنبر 2015، وانعكاسها الطبيعي على تشكيل المكتب المسير لهذه الجماعة ذلك أنه، وفي مفاجأة من العيار الثقيل، قررت ساكنة الجماعة في تصويت عقابي مشهود، أن تسقط -بطريقة دراماتيكية- إمبراطور الانتخابات بهذه المنطقة، والذي ظل لما يزيد عن عقدين من الزمن الآمر الانتخابي والناهي بلا منازع.. ومهندس النتائج الانتخابية بها حسب النزوة والهوى والذي يشغل، في نفس الوقت، منصب رئيس فريق حزب الحصان بمجلس النواب. ومن المؤكد أن الكثير يسجل إجماع المتتبعين للشأن السياسي الوطني والمحلي، على أن رئيس الجماعة السابق من المنتخبين الذين طالما أثاروا جدلا قويا في الساحة السياسية، وممن ينطبق عليه القول بلا تردد (جاء إلى السياسة فملأ الدنيا عجيجا وضجيجا) فهو مثار جدل لاغط داخل قبة البرلمان وداخل حزب الحصان بسبب ما يكال له من اتهامات متواترة بشأن رئاسته لفريق الحزب وما يترتب عنها من انتقادات لاذعة ترتبط بتدبيره السيء وفتوره اللافت في قيادة معارضة حزب الحصان لدرجة اتهامه بانتهاج معارضة مهادنة ومتواطئة حماية لمصالحه الخاصة. وداخل جماعة مولاي بوسلهام التي ظل لمدة طويلة جاثما على صدرها.. يستفرد رأسا بكل القرارات التي تهم مصير الجماعة ولا يشرك أحدا، ويفعل ما يحلو له ويروقه -كما يؤكد الكثير سواء من مؤيديه أو معارضيه- دونما حسيب أو رقيب. ولقد شكل السقوط المدوي للرجل في الانتخابات الجماعية الأخيرة رجة قوية في الجماعة ونواحيها لها بالتاكيد ما بعدها في مسيرة التنمية وتدبير الشأن المحلي، حيث حصل معارضوه على 18 مقعدا من أصل 29 مقعدا جرى التنافس عليها بشراسة بين مختلف الأطياف السياسية.. الشيء الذي أدى إلى حسم نتيجة انتخاب الرئيس ونوابه بشكل تلقائي وصارم يوم 16 شتنبر 2015.. غير أن هذا اليوم شهد فصلا آخر من فصول المواجهة العنيفة بين المعارضة والمعني، الذي رفض كما أفادت مصادر متعددة، الرضوخ لقواعد اللعبة الديمقراطية التي لم تمكنه من الأغلبية التي تمنحه، مرة أخرى، سلطة التسيير ودفء الكرسي.. ولأن (السلطة تستهلك)، فقد جند هذا المسؤول كل دهائه ومكره السياسي، واستثمر كل المناورات لعرقلة انتخاب المكتب المسير. وحين خاب في مسعاه، أجبر رئيس الجلسة على الانسحاب في محاولة بائسة لتهييء حيثية قانونية للطعن فيما بعد، وهو الأمر الذي فطن له معارضوه عبر الحرص على أن تمر العملية الانتخابية في ظروف وأجواء قانونية ونزيهة. الرئيس السابق لم يقف عند هذا الحد، بل واصل مسعاه لاستعادة الكرسي عبر أساليب أخرى، رغم رفض ساكنة الجماعة عودته إلى دفة التسيير، تلك الساكنة التي رأت في إزاحته إزاحة لكابوس فظيع ظل لسنوات مضت يجثم على صدرها، ويعرض مصالحها وطموحاتها للضياع.. هكذا فوجئ الجميع بإصراره على اللجوء إلى القضاء، وهو الحق المشروع الذي أراد به باطلا، حيث قضت المحكمة الإدارية ابتدائيا برفض طعنه، في حين قضت المحكمة استئنافيا بقبوله والحكم بإعادة انتخاب المكتب المسير ورئيس المجلس. وبصرف النظر عن وجاهة الحيثيات التي جرى اعتمادها في تبرير وتعليل الحكم الاستئنافي الذي هو الآن موضوع استئناف آخر على مستوى النقد والإبرام، فإن المثير في هذا الصراع المحموم لاستعادة الكرسي هو إصرار ساكنة الجماعة -بكل مكوناتها وشرائحها- على فرض واقع التغيير الذي طالما ناشدته.. وهو التغيير الذي صنعته (كما يعلن بقوة الكثير من ممثلي الساكنة) عبر صناديق الاقتراع بدون ضغط أو إكراه أو رضوخ لسلطة إغراءات ومساومات الرئيس السابق وحاشيته. ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن الآلة الجهنمية لحاشية الرئيس المخلوع تحركت بقوة وتجندت بكل ما أوتيت من إمكانيات وقدرات للإساءة والإضرار وإلحاق الأذى بكل من يعارض الديناصور الانتخابي، أو يصر على التغيير.. هكذا أصبحت الجماعة تعيش يوميا على مظاهر الاعتداء على المواطنين وافتعال التهم الكيدية لثنيهم عن مساندة المكتب الجديد ودعم رياح التغيير.. كما حدث أمام الأشهاد وبتوثيق بالصوت والصورة صباح يوم 28 نونبر 2015 بإحدى المقاهي بجماعة الدلالحة المركز، حيث قام أحد أتباع الرئيس السابق بالعربدة في المقهى مكسرا ممتلكاتها دون وجه حق ومعتديا على زبونين بالسب والقذف زاعما فيما بعد أمام درك مولاي بوسلهام بأنه تعرض للتهديد بالسلاح. وحين انكشفت حقيقة الأمر، لاذ بالفرار ومعه شهود الزور.. ولم تنفعه الشهادة الزائفة لمقرب من الرئيس السابق. إن ما تعيشه جماعة مولاي بوسلهام هذه الأيام من تجاذبات سياسية لشيء يدعو إلى القلق البالغ وتوقع الأسوء الوخيم.. مثلما يدعو الجهات المسؤولة إلى التدخل الحازم.. ذلك أن إصرار الرئيس السابق على تهديد الكثير من الفاعلين السياسيين ممن يختلفون معه بالإفراغ والتهديد بتسخير جهات نافذة إداريا وقضائيا لتحطيمهم أصبح واقعا لا يطاق ولا يحتمل.. ومن هنا تولد ويتنامى عزم الساكنة على مواجهة هذا التجبر المقيت بكل الوسائل القانونية.