تطرقنا غير ما مرّة، انطلاقا من واجبنا الإعلامي، لجملة من الاختلالات والنقائص، التي يؤكد عدد من المهنيين والمتتبعين والمختصين في الشأن الصحي، أن المصالح المركزية لوزارة الصحة تتساهل مع واقعها، وتفضل أحيانا «تجاهلها» وغض الطرف عنها، مما يزيد من حدة الأزمات التي تعيشها عدد من المؤسسات الصحية وينعكس ذلك على مواردها البشرية، وعلى صحة المواطنين. هذا التناول الذي نروم منه المساهمة في التوجيه وتقديم النقد البناء، لما فيه خدمة للوطن وللمواطنين المغاربة، هو نفسه الذي ننطلق منه مرة أخرى، حين نقف على مشاهد شائنة عصيّة على الاستيعاب، القاسم المشترك بينها هو «العصيان» والتخريب، وفرملة أي خطوة للإصلاح، كما هو الحال بالنسبة لما يقع بمستشفى الحسني بالدارالبيضاء؟ فصول الشدّ والجذب بين إدارة المستشفى والمندوبية باعتبارهما طرفا واحدا، وباقي المهنيين في الجهة الأخرى، الذين لايصطفون دائما في خندق واحد، بالنظر إلى اختلاف المطالب وتعدد القراءات بشأن النقاط الخلافية، التي قد يتبناها البعض وقد لاتجد صداها عند البعض الآخر، هو أمر طبيعي في إطار التدافع لتحقيق ما هو أفضل للشغيلة الصحية وللمواطنين بشكل عام، لكن أن يعيش المستشفى حالات لإتلاف المعدات التقنية والبيوطبية في قسم المستعجلات، لمرات متعددة، ويتم تخريب الموصلات الكهربائية، والأبواب، والكراسي المتحركة التي يجب أن توضع رهن إشارة المرضى العاجزين عن التحرك، إضافة إلى غياب كل أشكال التتبع لمسار الأدوية، وغيرها من صور الفوضى، دون تحديد الجهة التي تقوم بذلك، ودون اتخاذ إجراءات للوقوف على مدبري هذه الأشكال التخريبية، إن تعلّق الأمر بالفعل بمواطنين كما يتم الإدعاء بذلك أو بجهة أخرى، فهو أمر غير مقبول بتاتا، لأن الأمر يتعلق بتخريب مرفق عمومي، تدهوره هو عنوان لتدهور صحة المرضى الذين يطرقون باب المستشفى للعلاج فلا يجدون آليات لتحقيق ذلك! التخلف عن خدمة المواطنين/المرضى لايكون دائما تحت مبرر الخصاص في المعدات التقنية والبيوطبية، بل يتعداه إلى حقيقة مرّة هي الأخرى، مردّها «تقاعس» مهنيين ضمن الشغيلة الصحية لهذا المستشفى، وفي هذا الصدد، تُطرح أكثر من علامة استفهام حول الدافع لعدم أجرأة اقتراح إدارة المستشفى بنقل العمليات الجراحية إلى مستشفى بوافي لمهلة محددة إلى حين إعادة تأهيل قاعتي الجراحة، إذ برّرت الفئة المعنية ب «المركب الجراحي» الرافضة لهذه الخطوة، الأمر بقلة اليد العاملة، والحال أن الممرضين المعنيين يبلغ عددهم 7 متخصصين في التخدير والإنعاش، 6 مساعدات، مسؤولة عن التعقيم، وممرضة رئيسة، في حين هجر ممرض منصبه وغادره بشكل فجائي، وهو الطاقم الذي، وفقا للمعطيات التي نتوفر عليها، يشتغل في قاعة الجراحة الخاصة بالمستعجلات، أما القاعة الخاصة بالجراحات المبرمجة فهي «معطّلة»، وهو ما يرخي بظلاله على صحة المواطنين الذين ومنذ سنوات لايخضعون لعمليات جراحية مبرمجة بالمستشفى الإقليمي الحي الحسني، على غرار العمليات الجراحية التي تجرى بالمستشفيات الإقليمية من المستوى الأول والثاني، باستثناء بعض الحالات الصغيرة، إذ لم يتجاوز عدد التدخلات الجراحية التي تمت خلال 11 شهرا من عمر السنة الجارية في القاعتين معا 636 تدخلا، ضمنه الحالات المستعجلة كالزائدة الدودية، وبعض الجراحات الصغرى، مما يفسح المجال للمعنيين لكي يعيشوا حالة من «العطالة» المدفوعة الأجر؟ رقم يحيلنا للوقوف على معطيات أخرى تكرّس نوعا من عدم العدل وتفشي حالة الإحباط بين مهنيي الجسد الواحد، إذ من خلال قراءة عدد التدخلات التي تمت على مستوى مصلحة الأم والطفل نموذجا، نجد أن عدد الولادات التي تمت خلال نفس المدة يبلغ 3358 تدخلا، في مصلحة يشتغل بها 3 أطباء مختصين و 6 «قابلات»، تؤمن كل واحدة منهن الخدمات على مدار 12 ساعة، والحراسة اليومية، رغم الانشغالات الأسرية وظروف العمل الصعبة والتخلي حتى عن الحقّ في العطلة، في وقت تعرف هذه المصلحة إقبالا يصل معدله في بعض الأحيان إلى 24 حالة في اليوم الواحد، ليس فقط من حوامل مغربيات، بل وحتى سوريات وإفريقيات، وهو ما يجب الوقوف عنده بكل جدّية، لأن خدمة المريض/المواطن هي ليست باختيار أو ترف، بل يتعلق الأمر بخدمة عمومية يجب أن تؤدى وبكل مسؤولية! عناوين «العصيان» التي يعيش على إيقاعها مستشفى الحسني تختلف أوجهها، ما بين الغيابات والتأخير والمغادرة قبل التوقيت، وبين رفض البعض رقن فواتير المرضى المستفيدين من نظام المساعدة الطبية «راميد»، وبين تقنيين يشتغلون بمعدل 6 ساعات على 36 ساعة، خلافا لساعات العمل التي يجب أن تكون بمعدل 12 على 36 ساعة، وبعض الممرضات المتخصصات في التخدير والإنعاش على مستوى المركب الجراحي اللواتي تشتغلن خارج مقتضيات لوائح الحراسة، بمعدل حصة زوالية على اثنتين، فضلا عن افتعال المناوشات مع الجراحين، وغيرها من العناوين المرضية التي يتخبط فيها هذا المرفق المعتل. هي جملة من ملامح داء ينخر جسم مستشفى الحسني، تؤكد الإدارة بأنها تواجهها كإكراهات تحدّ من مردودية أي خطوات إصلاحية، والتي تدل على وضعية الفوضى التي يعيشها هذا المرفق العمومي، والتي يتضرر منها في المقام الأول والأخير المواطنون الذين يضطرون لطرق أبواب مستشفيات أخرى، وأداء واجب البنزين لنقلهم على متن سيارة للإسعاف لاتتوفر على الحدّ الأدنى من المقومات، وغيرها من المشاكل التي يتخبط فيها المستشفى والتي هي من مسؤولية كل الأطراف، من مهنيين، وإدارة، ومندوبية معنية، تستوجب إعادة الأمور إلى نصابها، فهي ثابتة في حق الجميع، مادام المريض هو يلج إلى مؤسسة عمومية تنظمها مساطر قانونية وإدارية ولا يلج إلى ضيعة خاصة، أو «غابة» تعيش على إيقاع الافتراس بالقوة!