من بين أهم التطورات التي حصلت بعد العملية الإرهابية الأخيرة في باريس، الاقتناع بضرورة التعاون الأمني والإستخباراتي المكثف، بين الدول، ليس فقط على مستوى أوروبا فحسب، بل أيضا بين دول الشمال والجنوب. تجسدت هذه الضرورة في الدور الحاسم الذي لعبه المغرب، في إحباط العملية الأخيرة، التي هيأت لها المجموعة الإرهابية، التي قتل فيها «أبا عوض»، في سان دوني، بفرنسا، مما دفع بالدولة الفرنسية إلى الاعتراف بالأهمية القصوى للمعلومات التي قدمتها الأجهزة المغربية، لنظيرتها في باريس. وتأكد لدى الأجهزة الأمنية والإستخباراتية الأوروبية، محدودية معرفتها وخبرتها بالشبكات والعلاقات التي تربط بين الإرهابيين، في أوروبا وشمال إفريقيا، و بلدان الساحل الأفريقي و «داعش»، وغيرها من التفرعات، التي تخترق البلدان والقارات. وهو ما دفع ببلجيكا، أيضا، إلى طلب المساعدة والتنسيق مع الأجهزة المغربية، التي راكمت خبرة جيدة، في هذا المجال، وأصبحت على دراية واسعة، بهذه التفرعات والشبكات، خاصة وأن من بينها مهاجرين مغاربة. غير أن التعاون الأمني والإستخباراتي، على الرغم من أهميته، فإنه لوحده غير كاف لاجثثات الإرهاب، لأن الأمر يتطلب القضاء على الموارد التي تغذيه بالسلاح والمقاتلين، وتوفر له الدعم اللوجيستيكي، بالإضافة إلى التغطية السياسية والإيديولوجية، التي تنشرها الأوساط الأصولية المتطرفة، عبر القنوات والوسائط المتعددة والجمعيات والتنظيمات المتشددة. و من الممكن الجزم بأن الدول التي تواجه خطر الإرهاب، واعية بهذا البعد الإستراتيجي، في مواجهته، غير أن التوازنات الجيوسياسية، لم تسمح بعد بالكشف عن كل خيوط المتواطئين مع «داعش» و»القاعدة»، وغيرها من التنظيمات الإرهابية. بدون معالجة مشكلة الإرهاب من جذوره، فإن التعاون الأمني، سيظل يلهث وراء الإرهابيين، قد ينجح مرات في مكافحته، وقد يخفق مرة واحدة، لتحصل الكارثة، لأنه مهما بلغت قوة أي جهاز، فإنه لن يقضي على كل الشبكات ويحبط كل المحاولات. على الدول التي تواجه الإرهاب بشكل جدي، أن تعزز تعاونها الأمني والإستخباراتي، بمقاربة إستراتيجية، تأخذ بعين الاعتبار كل العناصر، من تمويل وتسليح وموارد بشرية تغذي الإرهاب،وكل الأبعاد السياسية والإيديولوجية، التي يسبح فيها، بكل حرية.