طارئ غريب طرأ، في بلاد غريبة، فطرق طُفافة قلب صاحب »طارق الذي لم يفتح الأندلس«، فتوقف القلب عن الطرق والدق، وانسلت الروح مثل خيط ضوء عائدة إلى رحاب الروح الأكبر نورا على نور. مات مصطفى المسناوي بسكتة قلبية بالقاهرة، وهو يضر نشاطا ثقافيا هناك.. وهناك تربص به الموت. فمات غريبا.. وطوبى للغرباء. موت مفاجئ يأتي بغتة، فيسرق بيننا حاضرا كان دوما دائم الحضور في وطنه، كما في كل الجغرافيا العربية والعالمية، فيُرديه غائبا. كل عواصم ومدن الثقافة كانت تعرفه، وكل مهرجاناتها كانت تعرفه، ناقدا لا تخونه الأدوات، وعينا مجهرية تقبض على الدقائق وتصيب الجوهر، ومدى نظره واسع اتساع اهتماماته من النقد الأدبي إلى النقد السينمائي، والتلفزي إلى الباحث الأكاديمي، إلى المبدع القاص، إلى المترجم المدقق، وإلى الإعلامي الرصين، وصاحب العمود الساخر، إلى المثقف الحاضر الذي يرصد ويتابع كل ما تطور ويدور ويجري، أذكر أنه كلما أزفَّ موعد »مهرجان كان السينمائى« كان مصطفى المسناوي يفرغ من كل التزاماته ويذهب إلى مدينة كان الفرنسية ليحضر مهرجانها... وكثرا ما كان يحضره على حسابه الخاص، متابعا ومتمتعا، ومطلعا على جديد الفن السابع، وما يحيط به من جديد الرؤى الفكرية والفنية والنقدية... وأذكر أيضا، أه من بين المثقفين القلائل الذي كانت مكتبته السينمائية تكاد تعادل مكتبة الكتب عنده، على زمن المرحوم الفيديو. لقد كان المرحوم مصطفى المسناوي أن يكون مؤسسة لوحده في مجال الاعلام والنشر، إذ أصدر أو شارك في إصدار العديد من المجلات والدوريات والنشرات التي بصمت الحياة الثقافية والتعليمية المغربية على امتداد أزيد من ثلاثة عقود، ابتداء من سبعينيات القرن الماضي حتى التسعينيات منه، وقد عاشت معه جريدتدنا »الاتحاد الاشتراكي« تجربة متميزة حينما تحمل مسؤؤلية الإشراف على ملحقها التلفزي لعدة سنوات، مثلما احتضنت صفتحتها الأخيرة عموده الساخر والمتميز الذي كان يصدر أسبوعيا تحت عنوان: »يا أمة ضحكت...«، وهو من أبرز الأعمدة الصحفية المؤسسة لتقنية التلاعب بالألفاظ، والسخرية الهادفة، وتقنية القلب، كالمدح بالهجاء، والهجو بالمدح، وتكسير انتظارات القارئ، وتضمين الحكم والأمثال مع تحويرها وتحويلها عن مواضعها ومضامينها في أحايين كثيرة لخدمة معنى جديد غير متوقع. وأذكر أنه عندما طلب مني الزميل خالد مشبال كتابي »الشتظي« لينشره ضمن سلسلة شراع التي كان يصدرها، لجأت إلى المرحوم مصطفى المسناوي كي يكتب مقدمة له بعد أن منحته بعض نصوص الكتاب، وبعد ثلاثة أيام فقط جاءني بدراسة نقدية رصينة لامست ما انطوت عليه شذراتي من مفارقات، وجعلتني أكثر إدراكا ووعيا بمكتوبي الخاص. أيها الغائب الحاضر، أيها المصطفى المنتمي لقيم الحداثة واليسار، الحاضر بأكثر من لسان، المترجم عن الانجليزية، يوم كانت الانجليزية شبه غائبة عن الساحة الثقافية المغربية، أيها المثقف الملتزم والمتعدد الاهتمامات، إن الفراغ الذي أحدثه غيابك هو بمثابة صحراى عارية وعصية على الملء. وحزننا لخسارتك التي لا تعوض، كبير وشاسع، لكن رحمة الله واسعة، فلتظللك رحمة الله بأجنحتها الواسعة. مهرجان «القاهرة السينمائي» ينعى الراحل مصطفى المسناوي وينظم حفلا لتأبينه غدا الخميس نعت الدكتورة ماجدة واصف، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والدكتور يوسف شريف رزق الله، المدير الفني للمهرجان، وجميع العاملين فيه، الكاتب الصحفي والناقد السينمائي المغربي مصطفى المسناوي، الذي وافته المنية اليوم عن عمر ناهز 62 عاما، خلال تغطية فعاليات الدورة ال37 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. وأضاف المهرجان، في بيان له أمس نقلته صحف مصرية، أن إدارة المهرجان قررت إقامة حفل تأبين للفقيد، يوم غد الخميس في الثانية ظهرا، بقاعة الحضارة. وتابع البيان، «تغمد الله الفقيد برحمته، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وأصدقاؤه الصبر، وجزاه خيرًا عن جميل صنعه، لدوره العظيم على صعيد الثقافة السينمائية».