التأمت اللجنة الإدارية الوطنية العادية والمجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يوم السبت الماضي بالمقر المركزي للحزب بالرباط، من أجل تقييم الأوضاع السياسية في البلاد ، والوضع الحزبي ، واتخاذ القرارات الضرورية التي تمليها المرحلة على الصعيدين السياسي والتنظيمي، وشكلت هذه المحطة التنظيمية لكل من عضوات وأعضاء اللجنة الإدارية الوطنية والمجلس الوطني فرصة سانحة من أجل تقييم المسلسل الانتحابي الذي عرفتها البلاد مؤخرا، ومشاركة الحزب فيه والنتائج المحصل عليها، ثم تناولوا بالدراسة والتحليل آفاق العمل المستقبلية لمواجهة الاستحقاقات التشريعية المقبلة المزمع إجرائها خلال سنة 2016 . ويأتي انعقاد هذه الدورة العادية للجنة الإدارية الوطنية التي أطلقت عليها "دورة الوفاء" بعد أيام قليلة لتخليد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليوم الوفاء يوم 29 أكتوبر من هذه السنة كيوم للوفاء لجميع شهداء حزب القوات الشعبية الذي صادف أيضا الذكرى الخمسين لاختطاف عريس الشهداء المهدي بنبركة. ففي مستهل هذا اللقاء التنظيمي ألقى الحبيب المالكي رئيس اللجنة الإدارية الوطنية للحزب كلمة توجيهية شدد فيها على أن هذه الدورة العادية التي أطلقنا عليها "دورة الوفاء" نظرا لتزامنها مع تخليد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليوم الوفاء لشهداء الحركة الاتحادية وعلى رأسهم الشهيد المهدي بنبركة حيث كانت تخليد ذكراه الخمسين الحدث السياسي البارز الذي ميز الدخول السياسي بالبلاد. وأوضح رئيس اللجنة الإدارية الوطنية للحزب على أن مناسبة تخليد الحزب للذكرى الخمسين لاختطاف واغتيال الشهيد المهدي بنبركة شكلت مناسبة للحزب للقيام بعدد من المبادرات الإعلامية والجماهيرية والسياسية والحقوقية التي تسير في اتجاه الكشف عن الحقيقة الكاملة في ملف الشهيد وفاءا منا كحركة اتحادية أصيلة لقيمنا ومبادئنا والمشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي الذي دافعنا عنه منذ عقود. وتوجه المالكي لخصوم الاتحاد الاشتراكي المتعددين، على أن من يروج لنظرية موت الاتحاد الاشتراكي، فهو واهم وصفا هذه النظرية بالنظرية الانهزامية مسجلا في نفس الوقت على أن أصحابها يعشون خارج منطق التاريخ باعتبار ان الاتحاديات والاتحاديون لهم ما يكفي من الإرادة والعزيمة لضمان الوفاء والاستمرار داخل البيت الاتحادي من أجل النضال والصمود لتحقيق المشروع المجتمعي الاتحادي. وفي ذات السياق نبه رئيس اللجنة الإدارية الوطنية للحزب على أن الاتحاديات والاتحاديين لا يسكنهم الغرور، لكن التاريخ القريب والبعيد، قد بين للجميع على أن استنساخ الاتحاد الاشتراكي مسألة صعبة المنال، ويدركون جيدا على ان مهامهم السياسية مهام ليست بالمهام العادية في البلاد. وذكر المالكي بنفس المناسبة عضوات وأعضاء اللجنة الإدارية الوطنية على أن ليس لديهم خصم داخل الاتحاد الاشتراكي إلا من نصب نفسه خصما داخل الاتحاد، فالخصوم السياسين يوجدون خارج الاتحاد، لذلك يقول المالكي نحن اليوم مطروح علينا تقييم الانتخابات الماضية تقييما هادفا لأوضاع سياسية جديدة ومسلسل انتخابي سيء ساهم في تردي الأوضاع بشكل عام، ثم البحث عن الاداوات والآليات لجعل معارضتنا معارضة قادرة على صياغة الأجوبة المناسبة للمرحلة السياسية الحالية، كما هو مطلوب من الحزب أيضا بلورة برنامج في أفق المعارك المقبلة من أجل تحويل صمود الاتحاد الاشتراكي إلى طاقة متجددة في ظل هذه المتغيرات والتطورات الجديدة. وختم المالكي كلمته التقديمية بأن الاتحاد حزب المستحيل من اجل استخراج الممكن وهذا يتطلب منا استعمال لغة الحقيقة لغة الحقيقة هي لغة الإنصاف فهي تعني لا تبرير ولا جلد الذات لأنها تعتمد الواقعية والجرأة في نفس الآن وكشف المالكي طبقا للقانون الداخلي للحزب فقد تم تعوض 48 عضوا للجنة الإدارية من خلال الرجوع إلى محاضر لوائح انتخاب أعضاء اللجنة الإدارية الوطنية في المؤتمر الوطني التاسع، وهذا التعويض شمل الأعضاء الذين توفوا والأعضاء الذين اتخذ في حقهم إجراءات تأديبية، والأعضاء الذين قدموا استقالاتهم من الحزب ثم الأعضاء الذين ترشحوا خلال الاستحقاقات السابقة باسم أحزاب أخرى. فما ميز هذه الدورة العادية للجنة الإدارية الوطنية، هو التقرير السياسي الذي تقدم به إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي قام باستعراض للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، ثم مجريات وتقييم المسلسل الانتخابي الذي عرفته البلاد مؤخرا، كما تضمن التقرير عدد من المواقف السياسية بخصوص الكثير من القضايا الحيوية التي تهم المغرب ومستقبله كالإصلاح السياسي الشامل ونظام التمثيلية الديمقراطية بالمغرب، والتطبيق السليم للدستور، والحوار الداخلي بين الاتحاديين من أجل بناء الحزب، ثم مستقبل اليسار ودور الاتحاد في ذلك. اذ سجل الكاتب الأول للحزب أن الإصلاح الدستوري، الذي كان يعول عليه في فتح الباب أمام إصلاحات أخرى، في المجال السياسي، والقانوني والإداري والإعلامي، كان غير ذلك، فالواقع أظهر على أن هناك تعطيل متعمد للتطبيق الديمقراطي للدستور، تجلى ذلك في التهميش التام للمؤسسة التشريعية، وتعطيل المبادئ والآليات الدستورية الهادفة إلى تعزيز دولة الحق والقانون وإرساء مقومات الحكامة ودعم الحريات الجماعية والفردية ومحاربة الفساد مع الإجهاز على روح الديمقراطية التشاركية، فضلا عن ضرب المكتسبات المجتمعية في المجالات السياسية والنقابية والحقوقية، وخاصة منجزات الهيئات النسائية ومنظمات المجتمع المدني. وفي هذا السياق انتقد الكاتب الأول تقاس الحكومة في مباشرة التفعيل المبكر لمقتضيات الدستور، إذ انتظرت سنتها الخامسة لعرض ومناقشة القوانين الانتخابية والمصادقة عليها، مبرزا في نفس الوقت على أن البطء الحكومي انعكس على عمق وجدية النقاش السياسي والبرلماني وطغت على مختلف المداولات المعالجة المتسرعة والسطحية، ما نتج عن ذلك، التأخر في الإعلان عن الأجندة الانتخابية، وخلل واضح في المسلسل الانتخابي. وكشف لشكر في التقرير السياسي على ان الحزب بصدد الإعداد لكتاب أبيض حول هذه الانتخابات، وفي هذا الصدد استعرض عدد من الاختلالات الكبرى التي عرفتها الانتخابات السابقة، من خلال تقييم أولي قام به المكتب السياسي للحزب سيتم مواصلة تدقيقه وتحيينه من كل أجهزة الحزب، أبرز هذه الاختلالات تمثلت في اعتماد النظام الانتخابي لنمط اقتراع عاجز عن محاربة الفساد السياسي وتخليق العملية الانتخابية، تبني مقاربة ظرفية للتقطيع الانتخابي، عدم بلورة آليات إستراتيجية لمراجعة اللوائح الانتخابية ثم إقرار مراجعة جزئية سيئة لها، بالإضافة إلى تفاقم ظاهرة شراء المرشحين، وتسجيل مجموعة من الممارسات التحكمية التي سلكتها بعض الإدارات، عودة مجموعة من المفسدين صدرت أحكام نهائية ضدهم في جرائم تمس الشرف والأخلاق، فضلا عن هيمنة المال "الانتخابي"، واستخدام المرشحين، خاصة بعض الوزراء، للوسائل اللوجيستيكية العمومية من خلال الاستغلال الواسع والكثيف لإمكانيات وموارد الدولة والجماعات المحلية. وأضاف لشكر في تعداد مظاهر هذه الاختلالات المتجسدة بشكل خطير في التوظيف السياسي للخطاب الديني والعمل الخيري وبعض المساجد دون أي رادع قانوني أو أخلاقي ثم الحياد السلبي للسلطات الإدارية والقضائية في مواجهة الفساد الانتخابي، واقتحام مراكز التصويت وترهيب المواطنين لثنيهم عن أداء واجبهم الوطني والتعبير الحر والإرادي عن اختياراتهم. ودعا لشكر بهذه المناسبة لفتح ملف الإصلاح السياسي بالرغم من اعتماد دستور جديد، في أفق الانتخابات التشريعية المقبلة، محذرا في هذا السياق مما اسماه الكاتب الأول بالثنائية التي يحاول البعض رهن مصير البلاد بها، المتمثلة في التأرجح بين وجهين لعملة يمينية واحدة، حيث أن النموذجين معا، لا يعبران عن الطموح الديمقراطي للبلاد. وبخصوص وضعية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، استعرض الكاتب الأول تاريخ الحزب منذ المؤتمر الوطني الاستثنائي الذي اقر استراتيجية النضال الديمقراطي إلى الوضع الحالي اليوم المتسم بالهجوم على الحزب من خصومه المتعددين، موضحا في هذا الإطار على أن وضعية الاتحاد الاشتراكي اليوم ليست إلا امتدادا منطقيا لأوضاعه بالأمس، ولولا الجهود التي بذلتها القيادة الحالية وطنيا وإقليميا، لكانت الأوضاع أسوأ بكثير مما هي عليه حاليا، ولكان الحزب لا زال اليوم يتخبط في متاهات ما تركه السلف للخلف، لذلك فان الربط التعسفي بين مشاكل اليوم وبين القيادة المنبثقة عن المؤتمر التاسع هو ادعاء باطل يقول لشكر. وكشف الكاتب الأول للحزب في هذا التقرير السياسي في إطار بناء المستقبل مع مختلف الشركاء الذين يؤمنون بالديمقراطية وعلى رأسها القوى اليسارية، على أن الاتحاد الاشتراكي بصدد تهيئ أرضية إشتراكية حول آفاق البناء المجتمعي والمؤسسي والفكري، كمساهمة منه في فتح مسار بناء، في وجه كل القوى الحية من هيآت ديمقراطية و يسارية ونقابية ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين، وسيتم عرضها على كل هؤلاء في القريب العاجل، إدراكا من الاتحاد أن مسؤولية اليوم هي أعظم مما كانت عليه في الماضي. واعتبر لشكر بنفس المناسبة أن الوقت قد حان، بعد أن تبين بوضوح، أن مسار الصراعات وإنهاك الجسد الإتحادي، لن يخدم سوى الخصوم، من أجل أن يفتح حوار إتحادي-إتحادي، بكل الطرق والوسائل الشرعية، بكل الأساليب البناءة فكريا وسياسيا، بدون حواجز نفسية أو ذاتية، و بعيدا عن عقلية تصفية الحسابات. وأن الحزب ا منفتح على هذا الحوار البناء، لأنه يتطلع إلى المستقبل، و لا يريد أن يرهن مصيره في صراعات الماضي، التي أدت عمليا إلى التراجع التدريجي لإشعاع الحزب، و إلى تقديم مادة للخصوم من أجل الإجهاز عليه. وصادقت اللجنة الإدارية بالإجماع على اللائحة التي ضمت 48 عضوا تم إلحاقهم كأعضاء باللجنة الإدارية الوطنية للحزب لتعويض لائحة الأعضاء التي عرضها رئيس اللجنة الإدارية الوطنية للحزب في بداية الاجتماع. كما شهدت هذه دورة الوفاء للجنة الإدارية نقاشا غني وجدي ومستفيض من قبل 75 متدخل تناولوا خلالها بالدراسة والتحليل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتقييم المسلسل الانتخابي والوضع الحزبي الاتحادي والتعاطي مع الاستحقاقات السابقة والمقبلة. وبعد اجتماع اللجنة الإدارية للحزب، مباشرة انعقد اجتماع المجلس الوطني للحزب الذي صادق خلاله عضوات وأعضاء المجلس الوطني للحزب بالإجماع على التقرير السياسي الذي قدم الكاتب الأول للحزب، ثم صادقو بعد الاستماع والمناقشة لمشروع البيان العام الختامي. وتجدر الإشارة الى ان اجتماع اللجنة الادارية الوطنية للحزب قد قام بدقيقة صمت على اثر الأحداث الارهابية التي عرفتها مؤخرا بيروت وباريس ليلة انعقاد اللجنة الادارية الوطنية، كما أن الجريدة ستنشر البيان العام الختامي فور التوصل به.