شكل عرض الفيلم المغربي «أرضي» للمخرج نبيل عيوش مثار جدل كبير بين عدد من السينمائيين والنقاد والجمهور العريض المتتبع لمهرجان الفيلم الوطني بطنجة ضمن دورته الثانية عشر. ويبدو أن المخرج نبيل عيوش دأب على ولوج القضايا الحارقة، حيث يعود مرة أخرى لينال قصب السبق في تسليط الأضواء على قضية قومية ضاربة في القدم، تنال من المغاربة اهتماما وتتبعا ودعما خاصا. وبالرغم من أن فيلم نبيل عيوش المقدم بدورة مهرجان الفيلم الوطني بطنجة «أرضي» يحمل حسب جينيريك الفيلم - فقرة الإهداء - ارتباطا حميميا، ضمن علاقات قريبة من أسرة المخرج بإحدى مناطق الأراضي الفلسطينية السليبة، إلا أن المخرج جازف متسرعا بتحويل اهتمامه السينمائي من القضايا الوطنية الاجتماعية، المقبول الجدل حولها في شأن حيتثياث الرؤية والتناول، إلى مواضيع عربية وقومية غاية في التعقيد والحساسية، لكونها تنتمي إلى حقل صعب هو حقل التاريخ الذي يلزم صاحبه حذرا زائدا وغوصا وبحثا دقيقا قبل الارتماء في حضنه.. صرح المخرج نبيل عيوش أنه لا يرغب في تبليغ خطاب عبر الفيلم، وإنما صور «أرضي» ليتيح فرصة للحكي عن قضية تربطه بها ارتباطا خاصا.. كما أعلن أن أحد أقوى لحظات عمله هي حميمية مواقف الشخصيات، وأن مشاكل عديدة واجهت عمليات التصوير ورافقت إنتاج العمل، خاصة أن الحدود بين إسرائيل ولبنان غير ممكنة، فضلا عن صعوبة ولوج مناطق معينة إلا برفقة ومصاحبة الجيش، كما أنه لم يكن يتوفر على ممثلين، بل على شخصيات حقيقية، إضافة إلى أن الشخصيات المتحاور معها لم يتم لقاءها صدفة، بل تم اختيارها بعد بحث وعناء وانتقاء. فعلا، الجميع قدر المجهود الإخراجي والإنتاجي للعمل، فحظيت فقرة أمسية عرض فيلم «أرضي» بتتبع خاص، حرص معه الجميع على متابعة الفيلم بأكمله، كما حرص الحضور على بذل مجهود لاستيعاب جيد للخطاب الموضوعاتي والسينمائي المرغوب تقديمه.. وعبر ثمانين دقيقة استطاع المخرج أن يتجول بالمشاهد من خلال تراب فلسطين السليبة، خاصة المناطق المحتلة بإسرائيل ومخيمات الفلسطينيين بلبنان، ليقدم لنا تصور عدد من المستجوبين - شباب وكهول - تصورهم لمسأة «اللاجئين»، ضمن أبعاد كرست حزما في الرؤية لدى المحتل، وقامت بنقل صورة بها يئس وتردد وعوز وضعف فلسطيني لا غير. ضمن سابقة سينمائية مغربية غير مقبولة، قدم مخرج مغربي عملا سمعيا بصريا، عبر حيز زمني متساوي، لطرفي نزاع، وخطاب مطلبي متساوي لعدد من المستجوبين، لقضية إنسانية غير متساوية وغير عادلة التناول، قضية أهملتها الأممالمتحدة، وتباطأت في حلها الدول الاستعمارية الكبرى، عبر رؤية فنية تنزع نحو التسول وذر الدموع والعطف وطلب الصفح للاجئين فلسطينيين، يعترف المخرج أنهم تغيروا من حالة العنف ورفع السلاح إلى حالة السلام ورفع راية الحوار، ولا يرغبون في شيء غير العودة إلى أرضهم. الفيلم المغربي «أرضي» للمخرج نبيل عيوش عمل سينمائي توثيقي، قدمه صاحبه برؤية برانية، وبرغبة في التسويق والتشويق الخارجي. توفق مخرجه في توفير جميع إمكانيات الجودة على مستوى الصورة والصوت، كما أظهر منتجه قدرة الفيلم الوثائقي على مساءلة القضايا السياسية برؤية إنسانية اجتماعية، قد تؤثر في الجمهور الواسع العريض، ليخلص إلى تقديم رؤية خاصة ولقضية هي أكبر من السينما وأكبر من مجرد رؤية لمخرج. كل توابل إخراج الفيلم الوثائقي جاءت متقنة ووفق ترسيمة مضبوطة وإيقاع خاص، لكن الرؤية المصاحبة للفيلم خانت العمل، فظل الخيط الناظم لفيلم «أرضي» مضمر غير معلن.