تشكل ندوة شعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية - ابن مسيك -الدارالبيضاء حدثا ثقافيا بالغ الأهمية. نقول ذلك لاعتبارات متعددة : أولها مكانة ضيف الشعبة في تاريخ الفكر العربي المعاصر. وثانيا لكونه أضحى لؤلؤة في الذاكرة الطلابية المغربية في أجلى لحظاتها يناعة واحتجاجا ضد كل شيء قائم. نعني بذلك لحظة السبعينيات من القرن الماضي وما تركته من أحلام حارقة، وأحداث موجعة، وأسئلة مقلقة في كل هذا كان وجه طيب تيزني طافحا وسط الحكم الاحتجاجي ذلك أن كتابة مشروع رؤية جديدة صديقا حقيقيا للطلبة الجامعيين وكذلك لتلاميذ المرحلة النهائية من التعليم الثانوي، وهذا ما يشكله نقطة مضيئة لا فكاك من التحرر منه في زحم تلك التجربة. لقد أمسى مؤثثا لتلك المرحلة. وثالثها هو الموقع النضالي والأخلاقي الذي يميز طيب تيزني في راهن انهياراتنا التامة ليس لأنه ظل وفيا لرؤيته الأولى، وإنما للموقف الذي اتخذه في الأحداث الجارفة التي عصفت بسوريا منذ اندلاع الثورة فيها أي أنه ظل متمترسا في بيته بحمص رغم الدمار والخراب اللذيْن لحقا بها. لم يهرب كما فعل الكثير من المثقفين السوريين بل ظل صامدا قبالة الموت. هكذا نقيس حضوره في المغرب بهذه الدعاوى الثلاث معتبرين استضافة شعبة الفلسفة لهذه العلامة النادرة في العالم العربي حدثا مائزا سواء اختلفنا أو اتفقنا معه. وسواء كان مشروعه مازال ينبض حيوية بأسئلته. أم جفافه انطلاقا من التحولات الكبرى التي عصفت بالعالم، والعالم العربي على الخصوص. إن حضور طيب تيزني في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك بالدارالبيضاء هو استمرار شعبة الفلسفة ترسيخ تقليد جامعي أثبتت خصوبة وثراء البحث منذ عقد من الزمن. إن ضيافته حلقة من حلقات استضافت فيها الشعبة الكلية عددا من المفكرين ذوي مكانة عالية في الثقافة العربية كمحمد عابد الجابري ، ومحمد أركون، وعبد الله العروي، وعلى أومليل، وهشام جعيط ومحمد سبيلا وناصيف نصار ، وأهمية هذه الندوات التي تجري أعمالها في يوم كامل موزعة على ثلاث جلسات إضافة الى الجلسة الافتتاحية لا تكمن في وضع المحتفى به في سكانير القراءة والبحث ولا في الحضور المائز له ولقائه المباشر بالأساتذة والباحثين والطلبة. وإنما نشر الندوة في كتاب مستقل يحفظ الذاكرة والشعبة والكلية من النسيان. إن الكتاب المنشور لتلك الندوات، وهذه الندوة فيما بعد هو القيمة الفارقة لعمل الشعبة. واللافت للانتباه في هذه الندوة حضور كبير لثلة من المثقفين والباحثين من جل مناطق المغرب كما لو كان حضور البعض منهم نوعا من إيقاظ الذاكرة، وإشعال فتيلها المنسي. والوقوف أمام المحتفى به لإعلان الاحتجاج ضد كل الذين يخربون المعالم الحضارية لسوريا لقد استمرت الندوة من العاشرة صباحا إلى حدود السادسة والنصف مساءا. طيب تيزني لم يكن شيوعيا: افتتح الندوة رئيس شعبة الفلسفة الأستاذ موليم العروسي مرحبا بالضيف، مذكرا بالعلاقة الملتبسة معه في المرحلة الجامعية سبعينيات القرن الماضي. غير أنه ترك الالتباس مفتوحا إلى حدود تعيينه في المداخلة التي سيلقيها. ليترك الكلمة فيما بعد للأستاذ عبد القادر كنكاي عميد كلية الآداب تلاها بالنيابة عنه نائبه. وهي الكلمة التي تفيد الضيافة بالمعنى المغربي حيث يكون الضيف مضيفا والعكس صحيح تماما معتبرا أن هذا يستلزم تشاركا وتلازما بين شعبة الفلسفة وإدارة الكلية مشددا على أهمية حضور علامة من علامات الفكر العربي المعاصر. بعد ذلك حول الميكروفون إلى منسق الندوة الأستاذ عبد الإله بلقزيز وهو بدوره أثنى الجميل على أساتذة الشعبة رئيسا وجنودا سهروا على إقامة هذه الندوة مذكرا بالدور التنظيمي للأستاذ عبد اللطيف فتح الدين. لينطلق بعد ذلك في ذكر مناقب الضيف العلمية، والإنسانية. إنه كان من الأولين الذين كشفوا عن التراث العربي الإسلامي وفق المقاربة الماركسية. ولكون هذه المقاربة احتلت مكانة للرؤية والمنهج سواء في الاقتصاد مع سمير أمين، أو في الاجتماع السياسي مع مهدي عامل، أو في الفكر النهضوي مع أنور عبد الملك وغيرهم من الذين استضاءوا بالنظرية الماركيسية في قراءتهم المجالات الفكرية والأدبية في العالم العربي. إلا أن ميزة طيب تيزني كاملة في كونه لم يكن شيوعيا. وهي قيمة استفرد بها ياسين الحافظ. بينما الآخرون كان لهم التزام سياسي بالماركسية. أي أن تحزبهم بها شرط ضروري للولوج إلى مصاحبتها منهجيا ونظريا أو بمعنى أكثر دقة كما يرى منسق الندوة أن طيب تيزني كان خارج الدائرة السوفياتية. صحيح أنه أول من أدخل المادية الجدلية في قراءة التراث العربي الإسلامي. وصحيح كذلك أنه كان معارضا للماركسيين العرب الذين أبعدوا الدين من مجالهم الفكري. إلا أن المشروع الذي دشن به قراءة التراث العربي الوسيط كان مغامرة حقيقية خصوصا إذا اعتبرنا الزمن الذي كتب فيه. بيد أن تمة مفكر وجب تذكرهحسب بلقزيز ? قام بنفس الشيء وهو بندلي الجوزي الذي نشر في سنة 1913 كتابا حول تاريخ الحركات السياسية في الإسلام. لا يعني ذلك الحديث عن الأسبقية في إدخال المادية الجدلية إلى البحث الأكاديمي. وإنما في الخصيصة التي تميز طيب تيزني عن سابقيه و مجايليه والمتمثلة بالأساس في ربط التراث العربي الإسلامي بالحاضر والمستقبل. إنه يقوم اجتراح ممكنات تأسيسية من عدم محض هذا ما وجد تيزني نفسه أمامه يتابع بلقزيز قائلا إن زمنية المعرفة والفكر هي غير زمنية الواقعات، فالرؤية الجديدة له : التراث ليس ماضيا متحفيا، بل هو تاريخ حي نابض مستمر. بهذا المعنى يمكن اعتبار طيب تيزني غير شيوعي وإن كان تبنيه الرؤية الاشتراكية للاقتصاد. وبالجملة فإن علاقة طيب تيزني بالتراث تتمثل في رؤيته التنويرية والنهضوية. بمعنى أنه لم ينضبط بالماركسية السوفياتية ساعتها. بل كان الهم التنويري يحضن أسئلة الحاضر والمستقبل. لم يتوقف تيزني عن البحث والنقد بشجاعة، ولم يتوقف عن طلب النهضة رغم استسهال التفكير، والتأثيم، والمتاجرة بالسلاح. إن التقديم المركز الذي افتتحت به الندوة يفيد قراء الفكر العربي المعاصر في مسألتين رئيسيتين: أولا الخصيصة المائزة للمثقف العربي ما بعد هزيمة 1967 من حيث كونه مناضلا ومنتجا للمعرفة. وثانيا وضع المنجز الفكري لطيب تيزني أمام قراءات متعددة وكذلك جعل منجزه مثمرا ومتجددا قبالة جيل جديد من القراء والطلبة وهذا ما تهدف إليه شعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك بالدارالبيضاء. الجلسة الأولى: ترأسها الأستاذ محمد الأخصاصي، والذي أثار فيها أهمية المحتفى به في خارطة الفكر العربي المعاصر. ليس لكونه أحد علاماته التنويرية. وإنما في المناقب التي يتميز بها، في التزامه النضالي والقومي بقضايا الوطن والأمة: وما إلى ذلك. في فلتة لسان لرئيس الجلسة قام تبديل تيزني بالتزنيتي، و هي فلتة تحيل على الأصل الذي خرج منه محمد الأخصاصي. لا نقدم هذه الإشارة للعب بالكلمات. بل نضعها في الدلالة التي تجمعهما. موليم العروسي : هذا الكتاب بهذا العنوان قدم باحث الجماليات ورئيس الشعبة مداخلته مبينا أسباب النزول ??هذا الكتاب ?? وعلاقته الأولى نعني بذلك مشروع رؤية جديدة للفكر العربي الوسيط الذي فتح لطلبة جيله شراهة التهامه حد الشبع المزعج إلا أن هذه العلاقة لم تستدرجه لفعل نفس الشيء. لقد قرأه لشيوعه بين الطلبة المخمورين بنشيد المرحلة بيد أنه لم ينخرط في ذلك لسببين رئيسيين: الصدمة التي أحدثتها تجربته السياسية في الفصيل اللينيني ? الماركسي في الجامعة والتقاؤه الأول بالمفكر الفرنسي الماركسي لوي ألتوسير، والمفعولات التي أحدثها في قراءته لماركس وثانيها التجربة الثقافية لمجلة أنفاس SOUFLE المغربية التي أعطت للهامش فسحة المساءلة والتأمل ليكون عنوان المداخلة استفزاز مضاعف مادامت الإشارة معلنة على كتاب طيب تيزني. هنا نتساءل مع المتدخل حول علاقة هذه الإشارة بوضعية الطالب الجامعي الذي كان يحاول موليم العروسي تفكيك هذه العلائق محاولا وضع هذا الكتاب حلقة من سلسلة تكريس الاستبداد العربي حتى وإن كان الكتاب يعيش هذا الاستبداد فهو (هذا الكتاب ) يجمع التراث فيما هو مكتوب ،ورسمي، وعالم ويرمي المختلف في المزبلة إنها صيغة من صيغ الديكتاتور العربي ? كما يرى موليم العروسي ? فالكتاب يستشرف الوحدة والتطابق ويهمش التعدد والاختلاف. يظهر من خلال دواعي قراءة هذا الكتاب في زمن تنعدم ضمن استراتيجية الباحث. أي في البحث عن هذا الذي ظل مسكوتا عنه ولا مفكرا فيه. الشيء الذي تكون علاقته مع هذا النوع من الكتابات في التراث العربي تروم الصدامية مثلما تنزع نحو تفكيك السلطات الثانوية خلفها. بهذا المعنى يعتبر العروسي السقوط في الفخ إذا ما اتجهنا جهة المفهوم السلطوي للتراث من هنا الكلام عن الهامش والجسد وهما البوابة الإضافية لتحرير التراث من التقليدانية الجاثمة عليه. يوضح المتدخل ذلك بالعودة إلى المغرب في ستينيات القرن الماضي انطلاقا من عدم رغبة السلطة الحاكمة اقتسام الحكم مع الحركة الوطنية والذي تم بمقتضاه البحث عن مشروع تقليداني للدولة المغربية بمرجعية القرن 19 حسب ما يقوله الدكتور عبد الله العروي والنتيجة المستخلصة من كل هذا ?حسب المتدخل ? تؤول إمداد الاستبداد بالمرجعية النظرية اللازمة له يستنبت الإمبريالية التي تسكتنا حتى و إن كنا نعتبرها يافطة نكتب عليها خسارتنا. وبالمحصلة يسائل مشروع الفكر العربي المعاصر من حيث هو مشروع فاشل لكونه يغيب الهامش وهو سؤال يصدع الجامعة وحواشيها مثلما يخلخل مشروعية المفكرين العرب الذين أنتجوا خطابهم التنويري منذ زمان الى يومنا هذا. المختار بنعبدلاوي: من الذكرى إلى القراءة يعيدنا الأستاذ المختار بنعبدلاوي إلى ذاكرته الطلابية في سوريا مع أستاذه طيب تيزني عبر القبض على ما تبقى من تلك الذكريات الحارقة والتي تضيء لنا الوجه الآخر للمحتفى به. وجه يفيض نضالا، والتزاما، وعلما، وإنسانية. وقد سردها المتدخل في أربع نقط نذكر منها واحدة تجمع خصال الرجل حين أراد المختار تسجيل بحث الماجيستير حول موضوع حركة الإخوان المسلمين. لم يقبل الدكتور عادل العوا. إلا أن طيب تيزني تدخل في الأمر محاولا إقناع المسؤول بأهمية البحث، معتبرا أن الأستاذ رجل معرفة وليس سلطة أمنية إن هذا السلوك الحضاري الذي سلكه الأستاذ مع أحد طلبته يفيض نبلا مثلما يفيد نوعية العلاقة التي تربطه بطلبته في مقصف الجامعة، أو في غرفة الطلبة، أو في المقاهي المجاورة لهما، يناقش طلبته وينصت لحاجتهم، وأسئلتهم وهذا ما جعله ? في نظرناوشما في ذاكرة المختار. بعد سرد المتدخل حكاياه مع أستاذه. انطلقت مداخلته من خلال مقاربة نقدية لكتابه مشروع رؤية جديدة....والذي اعتبره علامة فارقة في الإنتاج الفكري المعاصر . ليس لأنه أخضع تاريخه بين الإيجاب والسلب. بل في ضبط النزعات المعيقة للتنوير والنهضة العربيين . ونمذجتها في النزاعات التالية : النزعة السلفية التي ترتمي كلية في حضن الأسلاف لكون هؤلاء كتبوا في كل شيء . وما على الأخلاف سوى ترديدها والخربشة على حواشيها والنزعة العصروية التي تعتبر أن العرب ليسوا سوى ضيوف على الحضارة الغربية ولأنهم كذلك فما عليهم سوى الخضوع التام لمنجزهم العلمي والتكنولوجي. والنزعة التجديدية تحول الوثائق الى معبودات عندما تخرجها من سياقها، ومن تاريخها إنها تتبنى إيديولوجية إبعاد الإيديولوجيا. والنزعة المركزية الأوروبية. إن ضبط هذه النزعات العوائق كفيل بأن يدخلنا في تاريخ الفكر. أو بالأحرى تشغيل وتخصيب مفاهيم المادية الجدلية على التراث العربي الإسلامي. وهذا ما يضيء التاريخ من خلال ربط الفكر بالواقع، البنية الفوقية بالبنية التحتية وهلم جرا. عبد الصمد بلكبير : من قراءة الماضي إلى إرادة المستقبل قبل أن يقدم ورقته حول كتاب من «يهوه إلى الله» قام بطرح ملاحظات حول بعض القضايا التي أثارها الباحث الجمالي موليم العروسي والباحث في الحركات الإسلامية المختار بنعبدلاوي حتى وإن لم يذكرهما وهذا في نظرنا غير لائق. ومع ذلك سنسردها وفق ما تقتضيه الأمانة. يعتبر الأستاذ عبد الصمد بلكبير أن التعدد ليس هو التنوع، وأن القرامطة هي حركة نكوصية تجمع تشبه الى حد بعيد داعش. ملاحظتان افتتح بهما مداخلته منتقلا بين طيب تيزني وعبد الله العروي لأنهما علامتان تقيمان التوازن بين المطلب والهدف . كلاهما يجترحان الأسئلة كل واحد من زاوية اختصاصية رغبة في تنوير الأمة . وبناء نهضة عربية ، وقد بنى هذا انطلاقا مما قاله يوما طه حسين في كون العالم لا وطن له . بينما يرى بلكبير أن للعلماء أوطان. يتخذ الباحث موضوع مداخلته من كتاب المحتفي به «من يهو الى لله» مركزا على ثلاث ملاحظات وهي : الأولى منها حول الديانة اليهودية مستلهما نظر هيجل الذي يرى أن كل قراءة للماضي هي إرادة المستقبل .ومنه يتساءل حول العلاقة بين قراءة الماضي وإرادة المستقبل .أما الملاحظة الثانية المتعلقة بكون ثلاثين صفحة ليس فقط تراتا يهوديا بل كذلك نجد فيها تراث الكنعانيين، والبابليين، والهلينيين. وأخيرا تؤول الملاحظة الثالثة إلى اعتبار ماركس ليس ماركسيا حسب بيير ماشري. من هنا يرى المتدخل أن المنزلق الذي سقط فيه مفكرنا هو اعتباره الدين ايدولوجيا. والعملية التي يسقط فيها أكثرية الباحثين هو جمعهم لمفاهيم في سلة واحدة: التدين، المؤسسة، والتشييع . ويخلص إلى كون الدين ظاهرة وجودية . محمد مازوز: الحال والمآل في مشروع طيب تيزني في مداخلة لطيفة للأستاذ محمد مازوز حول كتاب «مشروع رؤية للفكر العربي في العصر الوسيط « يربط فيها بين علاقة جيله التواق للتحرر والثورة، هذا الكتاب ومآل الانتظار الذي جعل جيلا بأكمله يتمرس في جبهة الأمل، كما لو كانت الثورة قريبة منا لا توجد سوى مسافة دقائق بين تشييد الاحتجاج والثورة. هل الجيل الجديد يعرف هذا الكتاب ، أو يسمع به. يعتبر الباحث الجواب مشروطا بسؤاله . بينما شكل الكتاب في تداوله، وشيوعه بين الطلبة آنذاك ثورة ثقافية تم بمقتضاها تحرير التراث من أيدي المحافظين القرويين، الأزهر القيروان تحرسه باطمئنان على نفاذه العميق في القامة. إلا أن إعادة طرحه موضوعا للدراسة الماركسية تعيد تاريخيته ، وتبعده عن التكليس الذي حوصر فيه . وهذا يعني العودة به إلى ما قبل الإسلام. أو ما يعرف عادة بالجاهلية بعد تحليله لتلك العلاقة المقلقة. وتلك الشقوق المحبوبة بالمعنى خلص إلى كون التاريخ العربي الإسلامي هو ابن الثورة المغدورة . هذه العبارة دالة على خسارتنا المتكررة، وانهياراتنا المركبة. وكأن قراءة هذا التاريخ هو كشف لأعطابنا الراهنة ، إلى حد ما أضحى الاقتناع بأن أعطاب الثورة قديمة. وبيان ذلك ?حسب الباحث موسوم بقراءة المؤرخين القدامى ابن خلدون والمقريزي في تاريخهم للمحن. محن نحياها اليوم كوابيس مزعجة إلى حد الموت حيث يحتل الهلال والصليب الفضاء. هل هذا هو مآل التساؤل. مآل يحمل الشعوب العربية التسول للرأسمال المتوحش. الجلسة الثانية: محمد الشيخ يعيد إلى القاعة توازنها بعد الاستراحة الخفيفة انتقل الحضور إلى الجلسة الثانية برئاسة محمد الشيخ الذي استطاع بفطنته المرحة إذابة جليد الزمن في مصارين الحضور. لقد كان صارما هذه المرة مع الوقت. ذكر من خلالها حكاية ميشيل فوكو مع أحد الصحافيين الفرنسيين. لا ليقول المعنى . وإنما في إعادة الحضور إلى مائدة طيب تيزني. عبد العالي معزوز: من الاستشراق الغربي إلى الاستغراب المغربي يظهر من هذا العنوان إحالته على أحد كتابات طيب تيزني. وهي إشارة إلى التقابل الممكن بين المشرق والمغرب ، بين طيب تيزني ومحمد عابد الجابري . صحيح أن المتدخل افتتح مداخلته بحسرة في ملاحظتين اثنتين. الطابع التسليعي الذي أضحى جاثما على الجميع .وسيادة سياسة الأسوأ والشر في مجالنا السياسي العربي . ملاحظتان دقيقتان تقترحان النظر في الثقافة العربية لنتركهما مفتوحتان على القادم. ولنقم بتقديم مقاربة معزوز لكتاب طيب تيزني السالف الذكر. والذي يعتبره شكلا من أشكال العشق الموسوم بالخصومة . مادام كل واحد ينجذب للآخر. إلا أنه يبقى خصاما مثمرا لكون الأسئلة التي يؤسس بها كل واحد دعواه مثمرة وخصبة . أسئلة تتراوح بين النهوض العربي وهزيمة 1967 وغيرها من الأسئلة التي تشكل منطلقهما في التفكير المتجدد. بيد أن اختلاف الرؤية بينهما واضح . فالمآخذ التي يسجلها تيزني على الجابري تكمن في تحيز هذا الأخير للقول باستقلالية الفكر على الواقع. وحسبه فإن كل فكر مسكون بإيديولوجيا. كما أن الجابري عين الحامل الواقعي/الاجتماعي للتراث . كما أن هذا الخصام المثمر اتخذ المنهج قاعدته الرئيسية. سيعتبر تيزني أن قراءة خصمه للتراث ميكانيكية معتمدة على الثنائيات الميتافيزيقية. فمفهوم القطيعة الأبستمولوجية الذي اشتغل بها خصمه في تحديد العلاقة بين الفلسفة المشرقية، والفلسفة المغربية الأندلسية أسقطته في فخاخ المركزية الأوربية. وما تحمله من إشارات استشراقية عرقية. إن التراث حسب ضيفنا تيزني ليس معرفة محايدة. بل هو مسألة اجتماعية سياسية كذلك. أحمد الصادقي: النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة. أما الأستاذ أحمد الصادقي فقد سعى من خلال قراءته للجزء الخامس من مشروع رؤية جديدة للفكر العربي الموسوم ب» النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة» إلى الكشف عن الإشكال المركزي لهذا الكتاب ولأطروحته ولشبكة المفاهيم التي تتبدى فيها هذه الأطروحة والمناهج المتوسل بها من أجل تدعيمها، والطريقة التي سلكها المفكر طيب تيزني التي تتمثل في الكشف عن القراءة اللاتاريخية للقرآن والحديث التي هي من أكبر المعوقات التي تحول دون القيام بقراءة جديدة للتراثب، القراءة المفتوحة على المستقبل. لقد أخضع المفكر طيب تيزني السلفوية والأصولوية، وليس الأصولية، لنقد معرفي وسسيوإيدبولجي بقصد الكشف عن ذهنيتها اللاتاريخية في قراءة القرآن والحديث موضحا وعيها الوهمي. فلقد استبعد كل قراءة إرجاعية واختزالية تعتبر نفسها هي القراءة الوحيدة وتعتبر تعدد قراءات النص القرآني مؤامرة. هذا المنحى العلمي عند طيب تيزني يجمع بين فهم القرآن وتاريخية هذا الفهم، بين مستويات القراءة للقرآن وسماته البنيوية، بين المعرفي والإيديولوجي، بين البنيوي والوظيفي في هذه القراءة التي تكشف عن تعدديتها بتعددية الوضعيات الاجتماعية المشخصة، وذلك في إطار علاقات تضايفية بين النص والقارئ، والثابت والمتحول والبنية والتاريخ والدال والمدلول، والاجمال والتفصيل والناسخ والمنسوخ والتفسير والتأويل والفكر والواقع والخفي والمعلن والظاهر والباطن، والعقيدة والانتماء السسيوثقافي الخ، مستلهما في ذلك عددا من المناهج المعاصرة من أركيولوجيا وأنثربولوجيا وعلم الدلالة منتقدا بعض الجوانب من هذه المناهج التي يرى بأنها لا تسعف في الكشف عن بنية القرآن وسماته البنيوية المتمثلة في كون القرآن من حيث هو إجمالي واحتمالي وإشكالي هو نص مفتوح يحرض على التأويل والتفسير، بل على التفسير التأويلي، وعلى تعدد القراءات. فتح الدين عبد اللطيف: المشروع وغير المشروع في «مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط». يرى الأستاذ عبد اللطيف فتح الدين أن مشروعية قراءة التراث جاءت من كون المستقبل هو ما بات يتوجه للماضي ليعيد قراءته. وحتى تتم هذه القراءة لا بد لها من منهج تستند إليه، وحول هاتين النقطتين دارت المداخلة التي أدرج هاهنا خاتمتها كما تلاها الأستاذ فتح الدين «تلك كانت إذن الخطوط َ العريضة التي أمكنني أن أُجمِّعَ منها خيطا خيطا وأنا أقرأ هذا الكتاب المكثف العميق. وفي أثناء قراءتي لهذا الكتاب، ومعاودة القراءة المِرار العدة، أَلَحَّ على بالي سؤالٌ أخذ بمجامع فكري: إذا كان العماد الأصفهاني قد قال: «إنّي رأيتُ أنّه ما كَتَبَ أحَدُهُم في يَومِهِ كِتاباً إلا قالَ في غَدِهِ، لو غُيّرَ هذا لَكانَ أَحسن ولَو زُيِّدَ ذاكَ لَكانَ يُستَحسن، ولَو قُدِّمَ هذا لكانَ أفضل، ولو تُرِكَ ذاكَ لَكانَ أجمل، وهذا مِن أعظَمِ العِبر، وهو دَليلٌ على استيلاءِ النّقْصِ على جُملَةِ البَشر». فإن السؤال الذي أطرحه على ضيفنا المحتفى به: ما ذا لو أعاد الآن قراءة كتابه هذا، ما الذي يمكن أن يحتفظ به منه وما الذي يمكن أن يستغني فيه منه. لا شك عندي أن ثمة تناغما بين الرؤية التي ارتضاها المؤلف والمنهج الذي اصطنعه. غير أن المشكلة عندي تكمن في النتائج المنتهى إليها: أليس من العسف المنهجي أن نقسم فلاسفة الإسلام إلى «ماديين» «ثوريين» وإلى «مثاليين» «رجعيين» في حين أن الفيلسوف الواحد قد تتفاوت آراؤه في المصنف الواحد؟ فضلا عن أن ما كان «تقدميا» في زمان قد يبدو «رجعيا» في زمان آخر؟ هل يعد مشروعا ألا نطبق الجدل على نفسه، فننظر إلى فلاسفة الإسلام في كل الأزمان نظرة واحدة؟ خذ، مثلا، ابن رشد الذي لطالما عد نموذج الفيلسوف «التقدمي»، هل من «التقدمية» في شيء أن يذهب إلى تكفير بعضِ المُتأوِّلَة للنص الديني الخارجين على القواعد التي وضعها للتأويل؟ وهل من «التقدمية» في شيء أن يفرض على من عَدَّهُم قوما غير متحضرين «حربا عادلة» في كتابه «جوامع سياسة أفلاطون»؟ تلك مجرد أسئلة نطرحها على ضيفنا لنفكر فيها معه ... مع علمنا أن «الهدمَ يسيرٌ والبناءَ عسير» كما قال فولتير». الجلسة الثالثة: ترأس هذه الجلسة الأستاذ أحمد الصادقي الذي بمكانة الأستاذ المحتفى به وبالدور الذي به في إحياء التراث الفكري الفلسفي العربي، وتوجيه السؤال صوبه بعدما كادت تنخره عوامل الإهمال والصدود، بعد هذه التوطئة أعطى الكلمة للمتدخل الأول في الجلسة الثالثة الأستاذ عبد المجيد الجهاد. إشكالية الفلسفة العربية الإسلامية بين الاتباع والإبداع قراءة نقدية في كتاب «من اللاهوت إلى الفلسفة العربية الوسيطة» سعى الأستاذ عبد المجيد الجهاد في هذه الورقة إلى تقديم قراءة نقدية لكتاب «من اللاهوت إلى الفلسفة العربية الوسيطة» للدكتور طيب تيزني، وذلك بالتركيز على إشكالية نشوء الفلسفة العربية الإسلامية، باعتبارها واحدة من بين أبرز القضايا الشائكة التي تستعيدها الدراسة، وتسعى للإجابة عنها. وقد عرض في هذا الصدد مواقف البحاثة والمفكرين العرب حول هذه الإشكالية، سواء من جهة التأكيد على أصالة الفلسفة العربية الإسلامية وإبداعيتها (نموذج مصطفى عبد الرازق)، أو من جهة التشكيك في المصادر العربية لهذه الفلسفة، والإقرار باتباعيتها (نموذج محمد عابد الجابري). ثم انتقلنا بعدها إلى مناقشة الأطروحة الأساس التي يصدر عنها طيب تيزني، والتي تقوم على إبعاد التهمة التي تلصق ب»الفلسفة الإسلامية» من حيث أنها مدينة بكل شيء للفلسفة اليونانية، والسعي إلى إثبات وجود تفكير فلسفي في الإسلام، منذ أن بدأت بواكيره الأولى تعلن عن نفسها مع وفاة الرسول وظهور الصراع حول الخلافة. وقد ختم مقالته بالتساؤل عن الجديد الذي تحمله أطروحة تيزني، وهو الذي عانى كثيرا من غياب المصادر اللازمة، ومن انتفاء المعطيات التاريخية الضرورية، فضلا عن شح الدراسات والمراجع أثناء تناوله لبعض جوانب الموضوع، مما اضطره في الغالب إلى الاكتفاء بإعادة تركيب ما قيل في هذا المضمار، وهو كثير. ليخلص في الأخير، إلى أن طيب تيزني، كما مصطفى عبد الرازق، وإن اختلفا من حيث المرجعية الفكرية، ومن حيث المنطلقات والمحددات المنهجية، فإن استخدامهما آليات المنهج التاريخي في محاولة تلمس البدايات الأولى لنشأة «النظر العقلي» في الإسلام، جعلهما يصلان إلى مجموعة من الخلاصات المتشابهة في هذا الصدد. مما يجعل تيزني في دفاعه عن «أصالة» الفلسفة العربية الإسلامية، يلتقي موضوعيا مع بعض القراءات السلفية التي ما انفك ينتقدها في مختلف أعماله.