يحكي الفيلم عن سميرة الشابة التي زَّوجها أبوها بأحد الفلاحين الميسورين. تنتقل بعد حفل الزفاف مع زوجها إدريس لتستقر معه في إحدى ضيعاته، لكن سرعان ما تكتشف عجزهالجنسي. يظهر فاروق، ابن أخت ادريس، ويثير اهتمام سميرة ليكتمل بذلك الثالوث وتبدأ الحكاية. أُنتج الفيلم سنة 2007 ولقي نجاحا كبيرا، سواء لدى النقاد الأجانب أو الجمهور المغربي حيث نال عدة جوائز في الدورة التاسعة للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة سنة 2008: - جائزة لجنة التحكيم الخاصة جائزة أول دور رجالي (محمد خويي) وثاني دور رجالي أيضا (يوسف بريطل). كما حصل على جائزة أحسن سيناريو وعلى جائزة النقد الدولية بالدورة 21 لمهرجان أفلام العالم بمونتريال بكندا سنة 2007. البناء الدرامي للفيلم نُسجت علاقات الشخصيات في هذا الفيلم من خلال بنية سردية بسيطة وعميقة في الآن ذاته، سيناريو بسيط ورصين، غير مشحون بكثرة العقد والصراعات والتصعيد الدرامي التي تطبع عادة هذا النوع من الحكايات. هناك بداية ( زواج سميرة) وعقدة أولى (اكتشاف عجز الزوج) ثم ثانية (إعجاب سميرة بفاروق) وعقدة أخيرة (انكشاف علاقتهما من طرف الزوج وطرد فاروق). وبين هذه العقد يترك المخرج مساحة للمتفرج ليلاحظ ويراقب تطور هذه الشخصيات ويتأمل ملامحها ونبرات صوتها وحركاتها وتحركاتها وتصرفاتها وتفاعلاتها فيما بينها ومع الفضاء. وهنا وجب التمييز بين البساطة والتبسيط. لأن فيلم لطيف لحلو بسيط وعميق في الآن ذاته. أليست "البساطة هي التعقيد الذي تم حله" كما يقول برانكوسي. بالرغم من أن البناء الدرامي للفيلم تأسس على الثالوث الكلاسيكي (الزوج والزوجة والعاشق) الذي نجده في جل الأفلام التي تناولت علاقات الحب بين الجنسين، فإن الحكي مع ذلك لم يكن خطيا، بل تخللته بعض الاسترجاعات (الفلاش باك) التي تم توظيفها بشكل ذكي خدمت الفيلم بشكل جيد. لقد فضل المخرج الابتعاد عن الحكي المباشر، واختار التعبير باللغة البصرية موظفا مجموعة من الرموز والإيحاءات والاستعارات. الشخصيات رغم حساسية موضوع العجز الجنسي وتعقيداته، خصوصا في مجتمع محافظ ومتضخم الذكورة كمجتمعنا، فقد بادر المخرج إلى طرحه آملا الكشف عن بعض الجوانب المسكوت عنها، من خلال العلاقة التي تجمع بين أربع شخصيات: الزوج العاجز جنسيا، والأب الشاهد/ العاجز جسديا، والزوجة وابن أخت إدريس الشابين اليافعين. إدريس رجل أناني ينظر إلى زوجته سميرة كشيء وديكور يؤثت به فضاء الضيعة. كل ما كان يهمه هو أن يعرف الناس أنه متزوج وأنه ما زال محتفظا بفحولته. فالزواج بالنسبة إليه هو ستر عرض المرأة (لا غير). لا تهمه رغبة زوجته، بل كل ما يهمه هو أن تعتني بوالده المقعد. ففي أحد المشاهد تقترب منه سميرة محاولة إغواءه، فيبتعد عنها ويقول لها:"لا أطلب منك إلا شيئا واحدا، هو الاعتناء بالعجوز" سميرة شابة جميلة ومثيرة، يتمزق إحساسها بين الواجب والرغبة. كانت تبحث عمن ينسج لها بينهما جسرا. حائرة بين واجبها كزوجة تجاه زوجها، وبين حقها في الحفاظ على أنوثتها وتحقيق رغبتها البيولوجية. ونظرا لعجز الزوج، باتت هذه الرغبة غير ممكنة. وحتى لا تسقط في شرك الخيانة الزوجية، كان لا بد لها من الصبر والمقاومة. في وضع كهذا يصبح للزمن وقع آخر، تتداخل كل الأزمنة في الآن ذاته. بين حاضر أليم ومستقبل غامض تطفو على السطح الذاكرة والتذكر ويصير الماضي سيِداً. لذلك كانت تستحضر الرغبة عبر التذكر والاستيهام (الفانتازم) تارة، وممارسة العادة السرية تارة أخرى، كوسيلة للتنفيس عن المكبوت. هنا سيلعب الفلاش باك دورا أساسيا في الحكي (حين تستحضر سميرة لقاءها مع عشيقها أياما قبل الزواج، عندما تستحضر لحظة تواجدها بالبحر وهي تبادل النظرات مع رجلين قابعين فوق الصخر أو حين تتذكر مظاهر الشعوذة ...) غير أن هذه المقاومة لن تستمر طويلا، إذ سرعان ما ستستسلم سميرة لنداء جسدها المكتوم، حتى تحافظ على أنوثتها وعلى وجودها كإنسان. تبدأ في إغراء وإغواء فاروق لتُوقعه في النهاية في شراكها. فاروق شاب يبدو خجولا وهادئا. يقضي جل وقته بين العمل في ضيعة خاله إدريس والاعتناء بجده العجوز. يجد ملاذه في المجلات البورنوغرافية وفي الذهاب إلى المدينة لتفريغ مكبوتاته. الجد عجوز مقعد، عاجز عن الحركة والكلام، لكنه يبقى الشاهد الوحيد لما يقع في المنزل. أربع شخصيات إذن بطموحات وآمال وآلام مختلفة، تفرز لنا عدة تقابلات: عجوزان مقابل شابين يافعين / جسدان منطفآن مقابل جسدين ملتهبين/ العجز والحركة / الشرف والخطيئة/ الصمت والبوح/ البرودة والدفء / الواجب والرغبة / سلطة الرجل وسلطة التقاليد والعادات/ المخيلة والواقع / الاستيهام والحقيقة ... جمالية الجسد واللغة تتأسس جمالية الفيلم حول لغة الجسد و"اللغة حول الجسد". لغة الجسد كعلامة حاملة لدلالات ومعان بكل خصوصياتها وتحولاتها وحركاتها داخل الفضاء. واللغة حول الجسد، أي الخطابات والتمثلات حول الجسد الأنثوي النابعة من الأعراف الاجتماعية والأخلاق والعادات والتقاليد والدين والشعوذة، التي تنظر إليه ككتلة لحمية ينحصر دورها في خدمة الرجل وأشغال البيت، ومصدرا للرغبة وأداة للإنجاب. وهذه كلها عوامل ترسبت في مخيال الرجل ليُكون صورة قاتمة عن هذا الجسد. تصبح اللغة أيضا عنيفة وقوية، تمتح معانيها من معجم ذكوري يعكس التصورات الدونية حول الجسد الأنثوي باعتباره مصدر الخطيئة والغواية والخديعة والعصيان والسحر والشعوذة. تتحول اللغة في الفيلم إلى أداة للتمويه والإخفاء. لذلك سنجد ادريس يتحدث بقلق، في أحد المشاهد، مع صديقه عن عصبية زوجته بسبب الوحم والحمل (وهو أمر لم يحدث بالطبع)، وبروح مرحة مع أصدقائه، في مشهد آخر، عن ليلة الدخلة. كانت القهقهات تتعالى وهو يصف لهم قوة قضيبه الذي سبب لزوجته ألما كبيرا:"درت شغل الرجالة جاب لي الله بحال إلا فعمري أربعة وعشرين عام... وحق هاد الخمسة حتى غوتات، تقول طرف من لحمها تقطع، بقات فيا مسكينة" (لقد قمت بما يقوم به الرجال، أقسم أنها صرخت وكأن قطعة من لحمها قد تقطعت، لقد أشفقت عليها كثيرا). وقدشبه إدريس نفسه أثناء حديثه عن ممارسة الجنس بالحصان. كما نعته أصدقاؤه بالخنزير:"ماتكايستيش عليها ألحلوف". هنا تتحول اللغة إلى نوع من تعويض أوتصريف العجز الجنسي وتبرز حيوانية إدريس والانفصام الذي بات يعاني منه. في غرفة النوم، نكتشف المعاناة النفسية للطرفين معا، فإدريس لا يرغب في الحوار ويرفض مواجهة هذا الوضع الصعب، يفضل الصمت والتستر على ضعفه الجنسي. لذلك نجده دائما عاجزا عن المواجهة، يبادر إلى الحديث عن مشاغله اليومية حتى لا يترك الفرصة لمناقشة موضوع آخر. أحيانا تتغير نبرة الحوار وحدته، لكن دون أن يسقط الطرفان في الصراخ والعويل. إنه ليس حوارا بقدر ما هو صراخ داخلي. لم يصرخ إدريس سوى مرات قليلة (حين واجهته زوجته بحقيقة عجزه، وحين صفعها بعد أن فاتحته ثانية في الموضوع . وأخيرا حين اكتشف خيانة فاروق وسميرة وانهال عليهما بوابل من السب والشتم). ما عدا هذه المشاهد، يبقى الصمت والفراغ هما المهيمنان في الفيلم. تفصح لغة الجسد عن خبايا ومعاني عميقة يعجز الكلام عن التعبير عنها وإدراك كنهها. ولعل ما يثير الانتباه هو تركيز المخرج على بعض أطراف الجسد كالظهر والعين اللذين يتكرران كلازمة في عدة مشاهد. الظهر في غرفة النوم، كان إدريس كلما استلقى على السرير يدير دوما ظهره لزوجته ويتظاهر بالعياء وشدة النوم. وفي مشهد آخر نرى سميرة تتأمل، عبر فتحة الباب، ظهر فاروق بإعجاب وهو مستلق على بطنه مداعبا سريره. وفي كل مرة تقوم سميرة وفاروق بتنظيف الجد يتم التركيز على ظهرهذا الأخير بشكل كبير. ففي مشهد مثير للغاية يقومان بتنظيف ظهر العجوز ويلفانه بفوطة بيضاء إيذانا بموته الرمزي ليبدآ في العناق وتبادل القبلات. تتراجع الكاميرا إلى الوراء لنرى في الصورة الأمامية لقطة مكبرة لأرجل سميرة وفاروق وهي تحتك، وفي خلفتيها الجد وهو جالس على كرسيه المقعد مديرا ظهره عاجزا عن الالتفات لرؤية ما يقع خلفه. قوة هذا المشهد تكمن في كونه يلخص الفيلم ككل، لأنه يشكل اللحظة التي ستحس فيها سميرة لأول مرة بأنوثتها. وهو ما عبرت عنه لفاروق:"أجمل شيء بالنسبة للمرأة هو أن تحس بأنها امرأة". يتكرر الظهر أيضا في مجموعة من المشاهد. ففي حوار آخر بين سميرة وفاروق تقول له: "أحب أن ألمس ظهرك". وبعد رحيل فاروق نرى سميرة ممددة على السرير في نفس المكان الذي كان ينام فيه إدريس مديرة ظهرها لزوجها. إن إدارة الظهر ترمز إلى الشعور بالوحدة والتوتر والقلق ورفض الآخر. إدارة الظهر تعني أيضا أن الأمور أصبحت صعبة للغاية ولم تعد تحتمل، ولذا كان على سميرة أن تدير ظهرها عن زوجها كما كان لزاما على فاروق أن يرحل بعد أن طعن خاله في ظهره. العين تفصح لغة العين عن رغبة الطرفين في ممارسة الجنس. كانت العين أداة لمراقبة الجسد والمنفذ الأول إليه. لم تكن في البداية نظرات حب وعشق ، بل رغبة كل طرف في اكتساح وتملك جسد الآخر، خصوصا من طرف سميرة.كانت هذه الأخيرة تراقب فاروق عبر باب غرفته، وتراقبه أيضا عبر النافذة حين كان سيتحم بماء البئر، حيث تسافر بعينيها في جسده. يراقب فاروق بدوره سميرة من النافذة وهي تطلي المرهم على رجلها بوثيرة بطيئة بعد أن استحمت. تستلقي على ظهرها ثم تضع حجابا على وجهها وتستحضر حديث إحدى صديقاتها لحظة تواجدهن بالبحر حيث كان يراقبهن شابان (غير خليهم اسقيو عويناتهم واخا الشوف ما يبرد الجوف)، وكأنها توجه هذا الخطاب إلى فاروق. وفي مشهد آخر، طلبت سميرة من فاروق أن يسدل الستار حتى تغمض عينها وتسرق لحظة نوم، بعد أن لبت رغبة جسدها.تتماهى عين الكاميرا مع جسديهما (الطاهرين)،لتكشف عن عطش كل منهما لجسد الآخر. تحضر العين بقوة في الفيلم لترمز ليس فقط إلى الرغبة ولكن إلى الخيانة أيضا، فالجد لا يملك سوى نظراته الحاقدة للاحتجاج وإدانةالخيانة. أما إدريس فقد كانت عيناه لا تكفان عن مراقبة سميرة وفاروق كلما اجتمعا. وبعد أن اشتم رائحةالخيانه خاطب فاروق بعنف: "الواحد غادي باللقمة لفمك وانت غادي ليه بالعود لعينيه". توظيف بعض الرموز الأخرى: الحذاء سيكون لحذاء فاروق المتهرئ من شدة مشيه على الأرض وتنقلاته المستمرة نحو بائعات الهوى حضور قوي ضمن البناء الرمزي للفيلم. تشتري سميرة لفاروق حذاءا جديدا خاليا من التراب والقذارة وتهديه له وكأنها تدعوه ليطأها:"دابا ولاو عندك زوج صبابط هو واحد تلبسو هنا والاخر مللي تبغي تمشي للمدينة" ثم تعود لتستدرك:" أنا ما زال ماعرفتش علاش كاتمشي المدينة"؟ وهي دعوة صريحة لفاروق لسفر جديد يقوده نحو جغرافية جسدها. وبعد ممارستهما للجنس تقول له: من اليوم لن تحتاج الذهاب إلى المدينة، أريدك أن تلبسه هنا. غير أن فاروق سيخفي بعد ذلك حذائه الجديد ليلبس القديم وهو ما ستكتشفه سميرة، كإشارة إلى بداية نهاية العلاقة بينهما. طبعا هناك علاقة قوية بين الحذاء والجنس، فهو مصدر للإثارة الجنسية والرغبة. ففي المخيال الشعبي يقاس طول القضيب بحجم القدم ولذا وجب حماية هذا الأخير بالحذاء. الضيعة مباشرة بعد العرس، نشاهد سيارة تتقدم نحو إحدى الضيعات. تتوقف هنيهة، يفتح باب حديدي كبير، تم تواصل المسير. صمت مهول، لا شيء يكسره سوى نباح الكلاب وصوت محرك السيارة (كنت أود لو لم تكن موسيقى في هذا المشهد أو حتى في مجموعة من المشاهد لأن الفيلم كان له إيقاعه الداخلي الخاص). نشعر وكأننا ندخل إلى أحد السجون الفلاحية. فضاء معزول عن العالم، كل شيء فيه رتيب وممل. تقف السيارة أمام باب الفيلا، يجتاح اللون الأزرق إطار الشاشة، للدلالة على البرودة (برودة العلاقات الإنسانية والبرودة الجنسية). في الضيعة (الخارج) يهيمن اللونان: البني (الأرض) و الأخضر (الطبيعة)، ليحيلانا معا إلى المرأة وإلى الخصوبة والفحولة والعطاء. أما في الداخل فنجد الألوان القاتمة التي تخلق إحساسا بالملل والاختناق. إن الفضاء يترجم الحالة النفسية للشخصيات، فالهدوء السائد في الضيعة يقابله توتر في المنزل. لذا تبدو كل شخصيات الفيلم هادئة ظاهريا ولكنها منهارة ومتوترة داخليا. لقد نجح لطيف لحلو أيضا في تحويل بعض منتجات وحيوانات الضيعة (الجزر والتفاح والأرنب) إلى رموز محيلة على الجنس. ففي المطبخ كانت سميرة تداعب الجزر كلما قامت بتنظيفه.وفي احد المشاهد تطلب من فاروق ذبح الأرنب. فالجزر يرمز إلى قضيب الرجل الدال على الرجولة والقوة والانتصاب والفحولة. أما الأرنب فيرمز للعضو التناسلي للمرأة وللخصوبة والحياة الجديدة. فلا غرابة إذن أن يكون الجزر من أحب المأكولات عند الأرانب. إن ذبح الأرنب معناه تمكن فاروق من بكارة سميرة. وفي أحد المشاهد، مباشرة بعد ممارسة فاروق وسميرة للجنس، تنقلنا الكاميرا إلى الضيعة حيث تركز على صناديق التفاح. يحيلنا هذا المشهد إلى قصة آدم وحواء. ففي المخيال الجمعي والفردي، المرأة هي السباقة إلى الخطيئة، فحواء هي من بادرت إلى تذوق التفاحة وأغوت آدم أن ينحو منحاها لتطرده من الجنة. وسميرة هي من أغوت فاروق وأخرجته من الضيعة. إن الفيلم غني بالدلالات والرموز وقابل لقراءات وتأويلات متعددة، فالعجز يتجاوز شخصيات الفيلم ليحيل على عجز الطبقة البرجوازية العقيمة عن خدمة البلاد، نظرا لأنانيتها وانتهازيتها ونفعيتها. باحث في الصورة وفن الفيديو