لعل أهم ما يسجل للسينما المغربية خلال هذا الموسم هي الإضافة النوعية التي أقدم عليها المخرج لطيف لحلو بفلمه الجديد "سميرة في الضيعة" وبطرحه الجريئ لاختراق المسكوت عنه وفسح المجال لمناقشة الطابوهات باعتبار أن عالم الفن السابع هو عالم الحرية والتحرر وعلى حد تعبيره في إحدى تصريحاته السينما المغربية لديها ما يكفي من النضج لمعالجة مواضيع من هذا القبيل التي تعد من الطابوهات. فيلم سميرة في الضيعة إذن يندرج ضمن هذا السياق نظرا لموضوعه المشتعل أساسا على الجنس كتيمة سينمائية إنطلاقا من شخصية سميرة الفتاة الشابة التي زوجها والدها من صاحب ضيعة فلاحية تكتشف سميرة عجز زوجها فلم تعد قادرة على تحمل افتقادها للحنان والعاطفة وإشباع رغبتها الجنسية وعدم إبداء زوجها اهتماما بها اضطرت لتبحث عن تعويض النقص بالانسياق وراء رغباتها مع الشاب فاروق إبن أخت زوجها الذي يعمل معه في الضيعة يكتشف الزوج علاقة زوجته بفاروق فيطرد هذا الأخير وتبقى سميرة وحيدة تعاني إهمال زوجها الذي أصبحت ترى فيه سجانها..وهنا يحضر العجز الجنسي كمحور أساسي للفيلم بوجود زوج عنين تقابله رغبات جسد ملتهب لامرأة شابة يافعة بالأنوثة إضافة إلى تمفصل جانب من العزلة والوحدة كنتيجة نفسية لحالة إجتماعية تعيشها الشخصية من هنا يتأسس البناء الدرامي للفيلم على ضوء شحنة داخلية وفراغ قوي واضح يسكن الشخصية إذ يتبلور كل هذا بتصاعد الخط الدرامي الفلمي برزانة محكمة ومعقلنة لمخرج متمكن واعي باشتغاله السينمائي إنطلاقا من رؤية سينمائية وأسلوب يرتكز أساسا على سيكولوجية الشخصيات والتعمق في دواخلها لتفريغ الأحاسيس وهذا ما أهل الممثلان محمد خوي ويوسف بريطل لنيل جائزة أحسن دور رجالي أول وثاني بالمهرجان الوطني التاسع بطنجة إضافة كذلك إلى الحضور القوي للممثلة سناء موزيان والممثل محمد مجد ويمكن اعتبار الفيلم بمثابة ورشة لإبراز طاقات الممثل بكل امتياز هذا ما يجعلنا نتأمل الحضور الذكوري في الفيلم بتواجد ثلاثة شخصيات رجالية وامرأة، شخصية فاروق (يوسف بريطل) يمثل الشاب الحالم الطموح وهو الذي يمثل الذكورة والرجولة والعطاء مع كل ما كانت تنتظره المرأة تجده في هذا الشاب، شخصية ادريس الزوج العنين (محمد خويي) رجل في سن الخمسين تقريبا قادر على العمل وتحضير جميع مستلزمات المعيش اليومي لكنه يفتقد الأساس مدام أنه هو الزوج ورجل البيت، شخصية الجد (محمد مجد) رجل مسن هرم مقعد مصاب بمرض ازهايمر لا يقوى على حركة أو كلمة حيث انتهى دوره في لعبة الحياة لا أعتقد أن هذا التوظيف لهاته الفئات العمرية من المجتمع جاء اعتباطيا من المخرج بقدر ما له من دلالته الشيء الكثير نظرا لخصوصية وطبيعة تقديم كل شخصية على حدة ليعطينا لطيف لحلو صورة واضحة عن رجل المجتمع المغربي المعلول في ذكورته إذا ما استثنينا فئة الشباب بالرغم من كبته المحاصر فهو القادر على فعل كل شيء وضمن سياق الفيلم كان الشاب فاروق (طباخا، ممرضا، فلاحا، إلى غير ذلك) لتبقى المرأة هنا هي المحور الأساس الذي تحوم حوله الأحداث والمحرك النابض بالحيوية الشغوف لإفراز مقومات من العنفوان الجنسي والمتطلع لإنتاج مؤهلات شتى في مجالات الحياة وقد صورها لطيف لحلو بشكل مجازي وهي محاصرة داخل ضيعة حيث يحتضن الفضاء الفلمي هنا التيمة الرئيسية ضيعة الحرمان والمعاناة، ضيعة ضياع وتيهان وعزلة تقتل بفقدان الأمل. من جانب آخر فقد عاشت البطلة سميرة طيلة مجريات الأحداث على ثلاثة مستويات صاغها المخرج إنطلاقا من سيناريو مضبط بشكل جيد. بخصوص المستوى الأول حلم بمستقبل إمرأة وقد تقدم متقطعا في كل لحظات المحكي الفيلمي بتوظيف تقنية الفلاش باك وهي تستحضر متمنياتها بالزواج إلى جانب صديقاتها، فرحها بالخطوبة، لحظات ممتعة مع صديق لها. المستوى الثاني معاناة، بل مفاجأتها الكبيرة كون الزوج الذي طالما حلمت به صار يعرض عنها وهي في أمس الحاجة إليه، لتأتي هاته المرحلة من البناء الفيلمي في نهايته كذلك عندما يودع فاروق الضيعة مع قمة المعاناة والحرمان وهي كلها حسرة إذ تبخر أملها وتعلق حلمها. أما على المستوى الثالث المتعة مع تحقيق الذات حين استسلم الشاب فاروق لنزواتها بعدما كانت تداعبه بين الفينة والأخرى لتروي ضمآها وتكتمل سعادتها بإيجاد ذاك الذي تبحث عنه المفقود في زوجها. وهنا لابد من الإشارة إلى مرمز مهم شغله المخرج للمساهمة في تركيب خطي متوازي للفعل الدرامي الأمر يتعلق بالحذاء حين إشترته سميرة كهدية لفاروق دون علم زوجها، فاروق لم يستعمل الحذاء مخافة من اكتشاف الأمر، الزوج يجد الحداء من ثم يكتشف الأمر، فاروق يغادر الضيعة ويترك الحداء وحيدا في خزانة الملابس هذه كلها تأثيتات جعلها المخرج لتتمة الحدث برمزية متكاملة الأنساق ليمنحنا مشاهدة بصرية ممتعة بلغة سينمائية بليغة وتحكم رزين عبر جل مجريات الحدث الفيلمي إذ نجح في عدم خدش حياء المشاهد أو الانزلاق في مشاهد إباحية على رغم من طبيعة الشريط بل استطاع بذكاء جيد تصوير إيحاءات وتلميحات بفنية متقنة مستخدما لقطة بلقطة بإضافة التأطير الدقيق للقطات هذا ما أفضى للصورة جمالية وشاعرية خاصة انتهت بتقنية النهاية المفتوحة حيت البطلة جالسة متأملة حسرتها وعدسة الكاميرا تتصاعد تدريجيا لتعطينا نظرة أفقية لضياع في ضيعة كل هذا تحكم فيه مخرج مقتدر قادم من عالم الإنتاج بالرغم من حالته الصحية لازال مصرا بهوسه السينمائي على المزيد من العطاء. مصطفى ضريف