فيلم " نصف السماء" للمخرج المغربي عبد القادر لقطع، الذي تحتضنه بعض القاعات السينمائية الوطنية منذ أسابيع قليلة ماضية، يمكن اعتباره من خلال قراءة تحليلية استتيقية، فيلما سينمائيا بيوغرافيا ذاتيا، و في نفس الوقت هو فيلم يندرج في سياق الصراع السياسي الذي شهده المغرب في سنوات التسعينيات. و هو يدور حول حياة الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي أو بالأحرى حول جزء من حياته النضالية. الممثلة سونيا عكاشة، التي جسدت دور جوسلين زوجة اللعبي في " نصف السماء"، لعبت دورا رائعا من خلال تقمّصته بشكل يُعطي الانطباع بأنْ لا فرق بين الدور و الأداء. و هذا يُحسَبُ للمخرج من حيث إتقانِهِ إدارةَ الممثِّلين. لا يخلو الفيلم من مشاعر و انفعالات تُحَرِّكُ المتفرج. في كثير من مقاطع الفيلم يُحمَلُ المتفرج على الانفعال وخاصَّة الحادَّة منها مثل لحظة الاعتقال و لحظات الفراق و اللقاء محدَّداً في ردهات السجن. ثمة موسيقى فيلمية رائعة تشخّصُ بل و تُجسِّدُ مشاعر الممثلين و تسعفهم في الأداء و في التعبير. يكتسي الصوت خارج المشهدoff أهمية la voix درامية فيزيد من حدة مواقف الشخوص و من قوة وضعياتهم و يرافقهم إلى حيث تقودهم مصائرهم . لكن الفيلم يعاني من نوعٍ من خطيّة الحكي و من ضربٍ من السرد الكرونولوجي الذي لا يفتح أفقا للإيحاء و التعبير فيجد السرد نفسه حبيس التاريخي و التوثيقي. أما من الناحية التقنية فالصورة عالية الجودة ة و السيناريو مُتقَنُ الحبكة ماعدا قصور في تخيُّلِ ترتيب غير الترتيب الذي تُفيدُهُ السيرة الذاتية للشخصية المركزية. وجدتُ توزيع النور و العتمة توزيعا فنيا رائعا نظرا للتحكُّم الجيد في تقنية الإنارة. و عليه فالإنارة الجيِّدة جعلتْ وجه جوسلين زوجة اللعبي غاية في التعبير. كما لا يخلو الفيلم من بعض الابتكار مثل وضع الكاميرا على مستوى القدمين أثناء زيارة جوسلين للسجن يوحي بالرقابة المفروضة على الزوَّار أما السماء فلا تُرى سوى عبر فتحة ضيقة. و هنا تُوَظَّفُ السماء هنا استعارةً للدلالة على الحرية المفقودة. و على العموم فالفيلم يتوفَّرُ على المعايير التي تجعلُهُ فيلم يستحقُّ المشاهدة. و هو يترجمُ رؤية للإخراج جديرة بالتقدير أي يجعلُ السينما واجهة نضالية حافظة للذاكرة الجماعية. * أستاذ الفلسفة و الجماليات