تقدم السلسلة الوثائقية »الروّاد«، عبر القناة المغربية الأولى، مجموعة من الأفلام التي تضيء سير أعلام من المغرب، في النصف الثاني من القرن العشرين، أولئك الذين تليق بهم صفة »الروّاد« في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية، أمثال فاطمة الفهرية، ومليكة الفاسي، ومبارك البكاي... ممن يُتاح، عبر تجاربهم، قراءة سيرة شعب سار على دروب الاستقلال وأسّس دروساً لأجيال آتية. منذ اللحظات الأولى، يؤكد الوثائقي »الشاوي... سيرة فريدة«، إخراج لميس خيرات أننا أمام سيرة غير عادية لفتاة لم تبلغ العشرين، ومع ذلك أصبحت أول مغربية (وعربية وإسلامية وأفريقية) تقود طائرة ركّاب، في وقت لم يكن عدد من يقدن طائرات ركّاب في العالم يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة (كانت ثالثة ثلاثة). ثم يفيض دورها وحضورها عن ذاك، لتصبح اسماً نسائياً بارزاً في مغرب ما بعد الاستقلال، ضمن المناضلات من جيلها، فضلاً عن كونها أول وجه نسائي يطلّ عبر شاشة السينما المغربية، من خلال فيلم »الباب السابع« في العام 1947. وفي الحديث عن ثريا الشاوي، (1937)، في مدينة فاس، يقول الكاتب لحسن لعسيبي، إنها كانت إحدى »الفلتات« لجيل الاستقلال في المغرب، لافتاً إلى الإطار العام الذي هيأ لها مناخ التميّز، إذ كان المغاربة في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين، يشكّلون مجتمعاً ناهضاً، نحو الاستقلال، يدركون أهمية العلم واكتساب المعرفة، ما جعل من ثريا الشاوي رمزاً، وزادها أنها أنثى. سيرة فريدة حقاً، يسجّلها هذا الوثائقي، ويستنقذ من ثنايا الذاكرة واحدة من أهم التجارب الإنسانية لفتاة تمكنت في عمر قصير جداً - (اُغتيلت سنة 1956)، وكانت لها أول جنازة سياسية كُبرى في المغرب، بمشاركة 60 ألف مُشيّع - أن تكون المناضلة الوطنية، والفاعلة الجمعوية، والمثقفة التي تكتب الشعر والقصة، والممثلة المسرحية وصاحبة الإطلالة الأولى لمغربية في السينما، بحسب الباحث أسامة الزكاري. ما بين إعادة إحياء تفاصيل حياتها الشخصية، وتجربتها المتميزة، وتسليط الضوء على السياق التاريخي الوطني والسياسي والاجتماعي للمغرب خلال السنوات الأكثر حسماً في تاريخه، يتحول الوثائقي إلى مسبار يحاول استكشاف مُلابسات شهدها البلد، ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية، وتحقق الاستقلال الناجز، مستعيناً بشهادات لعسيبي، ومؤرخ المملكة عبدالحق المريني، والباحث الزكاري، وخديجة بلفتوح (صديقة ثريا وجارتها في فاس)، وشقيقها الأصغر صلاح الشاوي. هذا وثائقي مشغول بهمّ كبير، ومهمة نبيلة، إعادة الاعتبار لشخصيات، مثل ثريا الشاوي، صنعت »معنىً جديداً، لمغاربة جُدد«.