انعقد المؤتمر السنوي الثالث لمؤسسة «مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث» بالعاصمة الأردنية عمان، يومي الجمعة والسبت 4 و5 شتنبر الجاري، حول موضوع «الدين والشرعية والعنف». وتميز بمقارباته ونقاشاته العميقة والرصينة بحضور أزيد من 400 باحث وإعلامي. وتنشر الصفحة الثقافية تباعا أهم محطات المؤتمر، مع الشكر للزميلة سعيدة شريف، رئيسة تحرير مجلة «ذوات» التي تصدرها المؤسسة (المحرر الثقافي). تميز اليوم الأول من المؤتمر بعقد ثلاث جلسات علمية ناقش خلالها المحاضرون والمتدخلون قضية العنف وارتباطها بالشرعية والدين من خلال عدد من المداخلات من ضمنها مداخلة المفكر والباحث المغربي سعيد بنسعيد العلوي الذي كانت مداخلته الموسومة ب «الحسبة والشرعية والعنف المشروع» عبارة عن نظرة في خطاب الإسلام السياسي من خلال التفكير في الكيفية التي يتم بها الترافع بين الحدود الثلاثة؛ الحسبة الشرعية والعنف المشروع، ومن خلال التنبيه بالأساس المبرر إلى المضامين التي تكتسبها هذه الحدود، باعتبار أن الحسبة مبدأ إسلامي ينتصر للوجود الاجتماعي في المدينة الإسلامية في ظل الدولة الإسلامية، حسب بنسعيد، وما يكسب كلا من الوجود الاجتماعي والدولة شرعيتها من جانب أول، ومن جانب ثان باعتبار أن ممارسة العنف المشروع هي إحدى السمات البارزة والشروط الضرورية التي تحفظ للشرعية السياسية سياستها، وكذلك لأنها من مبررات وجود الدولة ومن ثم إكسابها مع الشرعية. وعرض بنسعيد العلوي فكرته الأساسية حول الموضوع من خلال ثلاثة عناصر أساسية هي «الحسبة والآمر فيها»، الحسبة في التشريع الفقهي الإسلامي، والحسبة في خطاب الإسلام السياسي(السلفية الجهادية)، ناقلا تعريفات فقهاء الإسلام حول الحسبة، والتي هي «أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله»، بالتالي نحن أمام توظيف، كما يقول بنسعيد، للمدينة الإسلامية في داخلها، توظيف الفضاء المشترك بين مسلمين وغير مسلمين؛ أي مغادرة حدود الشرع في ذلك الوجود وفي ذلك الفضاء. ويشير بنسعيد أيضا إلى أن «المقصود بالنهي عن المنكر إزالة كل ما من شأنه أن ينزع عن الشرعية شرعيتها، والمقصود بالأمر بالمعروف هو ما فيه تتأكد شرعية الدولة وشرعية حضور الدين في المجتمع»، ويضيف «الواقع أن نظرة سريعة لتاريخ الإسلام السياسي تظهر بأن كل حركات الإسلام السياسي قامت كلها بدعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في عدد من الثورات التي قادها الإسلاميون، والتي قامت تحت هذا الأمر». وعن الإسلام السياسي رأى بنسعيد أن «كل الحركات التي تسعى إلى امتلاك السلطة التنفيذية خارجا عن الطرق المشروعة من جهة، والتي ترى في النظام السياسي القائم نظام طاغوت، ترفضه وترفض السلطات السياسية القائمة عليه، ولا ترى سبيلا لإزاحتها من جهة إلا بالعنف»، كما أن «الإسلام السياسي ظاهرة سياسية واجتماعية وهزيلة من حيث النصوص، لأنها عبارة عن مناشير تنتشر بالخصوص على الإنترنت، وهي لأسماء مستعارة تصبح متداولة مع المدة». ولاحظ بنسعيد أن توجه «الإسلام السياسي تحكمه أربعة مبادئ كبرى، أولها فكر التمييز بين الجاهلية والإسلام، ولذلك فإنهم يعتبرون الدولة القائمة هي دولة جاهلية غير شرعية، ومنه قول أحمد فرجي في كتاب «الفريضة الغائبة»: «إذا لم تكن هناك وسيلة لإقامة دولة الخليفة إلا بالعنف، وإن لم يكن من سبيل إلا أن تسيل الدماء بالجهاد فلتسل الدماء الزكية» ، ثم مبدأ الولاء والبراء؛ أي الولاء لأولياء الله والمعاداة والبراء مما دون ذلك من غير ملة إبراهيم، ثم ثالثا الحاكمية والسيادة، إذ إن فكرة «لا حكم إلا لله تلغي فكرة السيادة للأمة وفكرة سيادة الشعب، وترى في الأمة والشعب والبرلمان الحزب السياسي مجرد طاغوت، ثم المبدأ الرابع، والذي يتمحور حول التمييز بين الدولة الشرعية والدولة اللاشرعية؛ أي دولة الخلافة والدولة السياسية القائمة الآن. ويخلص بنسعيد إلى أن «كل الخطابات المتصفة بالإرهاب نجد فيها أن الأمر بالعروف والنهي عن المنكر ينتقل فيها إلى الجانب التطبيقي الحيوي للعنف، بالتالي فإننا أمام كتابات عديدة، عملية، للعنف وممارسته، تحشد آيات وأحاديث نبوية بزعمها، يساء فهمها أو يساء تقديرها، بالتالي فإننا إذا جعلنا من رأي دعاة الإسلام السياسي في الحسبة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقههم، نجدنا بالفعل أمام فكر لا فكر فيه، لا يمثل إلا الفكر الضلالي في الإسلام، ولا يمت للإسلام ولا للحديث بصلة، ولا يمت إلي الفكر السياسي بصلة، لذلك يبقى العمل أساسي والعمل التنويري بالقول بأنه، هذه هي النصوص الإسلامية، وهذا هو اعتقاد الفرد العادي المسلم داخل المجتمع المسلم، وأن ما يقع من فروق فلكية بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وممارسة العنف المشروع والصلة بين العنف والشرعية وبين ما يمارس باسم الإسلام».