جرت برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة السلطان مولاي سليمان بني ملال مناقشة أطروحة الدكتوراه للطالب حسن بومحندي والموسومة ب " فقه المعارضة الشرعية وتأصيل الحوار والتداول على السلطة " وذلك يوم السبت الماضي 9 ماي 2015 بالمدرج 4 . وتألفت لجنة المناقشة من السادة : 1 الدكتور سعيد شبار رئيسا 2 الدكتور عبد الرحمان العضرواي مشرفا ومقررا 3 الدكتور عبد الرحيم العماري عضوا 4 الدكتور بنسالم الساهل عضوا وبعد عرض الطالب الباحث حسن بومحندي رئيس بلدية قصبة تادلة لتقرير حول أطروحته في الدكتوراه ، وبعد أزيد من أربع ساعات من المناقشة قررت اللجنة العلمية منح الطالب شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا . هذا وقد تناول بومحندي في بحثه موضوعا يتعلق بقضية مجتمعية ذات أهمية بالغة في العصر الحالي، والتي تتجسد في مسألة تدبير السلطة داخل نظام "الحكم الإسلامي" والتي تعتبر من أكبر القضايا الخلافية داخل المجتمعات الإسلامية، ونبه الطالب حسن بومحندي إلى أن الإسلام أثر بشكل جذري في حياة البشرية جمعاء منذ أن بعث الله الأنبياء والرسل وختم الرسائل ببعث المصطفى عليه الصلاة والسلام ، مرورا بمختلف الفترات والأزمنة التاريخية إلى يومنا هذا، وقد عرفت مختلف أنواع العلوم الشرعية والكونية و الإنسانية تطورا كبيرا منذ بدء تدوين العلوم في منتصف القرن الثاني الهجري إلى يومنا هذا، بينما لم يحض الفقه السياسي وكل ما يرتبط بالسياسة الشرعية وفقه الدولة بالعناية والاهتمام اللازمين. وجاء بحث الطالب مقسما إلى ثلاث أبواب : الباب الأول : مفهوم المعارضة وفقهها وعلاقتهما بالسياسة الشرعية : وهي دراسة لمفهوم المعارضة من الناحية الدلالية (الدلالة الأصلية والدلالة الفرعية) وكذا لعلاقة الموضوع بالسياسة الشرعية ، ولتفصيل ذلك قسم هذا الباب إلى فصلين: الفصل الأول بعنوان: مفهوم المعارضة وفقهها:أي المفهوم والفقه الذين جعلهما في مبحثين، المبحث الأول: مفهوم المعارضة والفقه السياسي .ويتضمن أربعة مباحث. أما المبحث الثاني : المتعلق بفقه المعارضة في السياسة الشرعية، فقد تناول من خلاله التداول للمفهوم في السياسة الشرعية وعلاقته ببعض المصطلحات التي تصب في نفس الاتجاه. وقد تضمن ثلاثة مطالب . أما الفصل الثاني فقد خصصه الطالب لعلاقة المعارضة بالسياسة الشرعية، وقسمه إلى ثلاثة مباحث تضمنت: المبحث الأول:مفهوم السياسة الشرعية، تناول فيه مفهوم وأقسام وأصناف السياسة الشرعية من خلال ثلاثة مطالب . أما المبحث الثاني تحدث فيه عن مصادر السياسة الشرعية، وخصص لذلك ثلاثة مطالب. و المبحث الثالث عنونه بفقه المعارضة وعلاقته بالسياسة الشرعية، وقد فصل لذلك في مطلبين . و لتفصيل الشق الثاني من البحث عقد لذلك بابا جعله على الشكل التالي: الباب الثاني خصصه لأصول المعارضة وضوابطها في السياسة الشرعية. وقسم هذا الباب إلى فصين : الفصل الأول تحث عنوان: الأصول الشرعية للمعارضة، عمد فيه إلى التأصيل للركائز والأصول الشرعية للمعارضة انطلاقا من الكتاب والسنة المطهرة. وجعله في أربعة مباحث . المبحث الأول:للخلاف والاختلاف كأحد المبادئ المؤسسة لفقه المعارضة، قسمه لمطلبين وفي المبحث الثاني عرض لمبدأ الحرية و دوره في التأسيس لحق الاعتراض. وقد بسط ذلك من خلال مطلبين. أما المبحث الثالث فقد خصصه لدور الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في التأسيس لفقه المعارضة. في مطلبين. أما المبحث الرابع فيتعلق بمبدأ الشورى باعتباره مرتكزا أساسيا للمعارضة في السياسية الشرعية وعرضه في مطلبين. وبالنسبة للفصل الثاني فقد بسط من خلاله الضوابط الشرعية للمعارضة السياسية، ولتفصيل هذه الضوابط قسم الفصل لثلاثة مباحث جاءت كما يلي: المبحث الأول : تحقيق المصالح و درئ المفاسد، و قسم هذا المبحث إلى مطلبين . أما المبحث الثاني: المرجعية الإسلامية والمعارضة السياسية، ومن أجل توضيح ذلك قسم هذا المبحث لثلاثة مطالب: وبالنسبة للمبحث الثالث فقد خصصه لدور فقه الواقع في فقه المعارضة، و قسم هذا المبحث كذلك إلى ثلاثة مطالب. أما الشق الثالث والأخير من البحث فقد خصصه لبعض التطبيقات في فقه المعارضة من خلال الوقائع التاريخية بداية من عهد الخلفاء الراشدين، مرورا ببعض فترات التاريخ الإسلامي ، مع التأصيل للحوار والتداول على السلطة انطلاقا من المصادر الشرعية، وقد جاء تفصيل ذلك كما يلي: الباب الثالث خصصه للتطبيقات الميدانية في فقه المعارضة مع التأصيل للحوار والتداول على السلطة . و قسم هذا الباب إلى فصلين: الفصل الأول: تطبيقات فقه المعارضة في الدولة الإسلامية. وتم فيه تناول التطبيقات العملية لفقه المعارضة من الواقع الإسلامي خلال ثلاث فترات محددة في المباحث الآتية: المبحث الأول عرض فيه تطبيقات للمعارضة في عهد الخلافة الراشدة ، وذلك من خلال تقسيم هذا المبحث إلى أربعة مطالب. وبالنسبة للمبحث الثاني والذي يتمحور حول نماذج من المعارضة في الدولة الإسلامية بالمشرق، فقسمه إلى مطلبين وفي المبحث الثالث عرض تطبيقات المعارضة في الدولة الإسلامية بالغرب الإسلامي، حيث حاول من خلال ذلك عرض بعض النماذج التاريخية الهامة لممارسة المعارضة سواء على المستوى الفردي أو الجماعي ، وعقدت لذلك مطلبين. أما الفصل الثاني فخصصه لمقاصد فقه المعارضة وتأصيل الحوار والتداول على السلطة ونظرا لأهمية و ارتباط فقه المعارضة والحوار التداولي على السلطة بالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية ، وارتباط ذلك أيضا بالواقع المعاصر ، فقد خصص أربعة مباحث للموضوع جاءت على الشكل التالي: المبحث الأول : تناول فيه مقاصد فقه المعارضة . حيث أجملها في أربعة مطالب أما المبحث الثاني : مقاصد فقه المعارضة وتأصيل الحوار.اقتصر فيه على التأصيل للموضوع من خلال أصلين فقط هما الكتاب والسنة، وجعل المبحث في ثلاثة مطالب. أما المبحث الثالث فقد فصل فيه تطبيقات في فقه المعارضة والتداول على السلطة و قسم المبحث إلى ثلاثة مطالب. وبالنسبة للمبحث الرابع:خصصه للمعارضة السياسية والواقع المعاصر،قصد ربط الماضي بالحاضر والإسهام في بناء نظام سياسي إسلامي يستجيب لتحديات العصر، وهكذا عقد لهذا المبحث ثلاثة مطالب . وأنهى الطالب موضوع أطروحته بخاتمة دون فيها أهم الخلاصات والاستنتاجات النوعية المستفادة من مسيرته البحثية ، والتي أجملها فيما يلي: أن " لفظ المعارضة " مصطلح حديث ارتبط بالممارسة السياسية في معناها العصري، كما ارتبط بتطور الحياة السياسية وتطور أنظمة الحكم في شكلها الحديث ؛ أن مشروعية المعارضة وحقها في النقد والمراقبة والتقويم أمر ثابت في الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء الراشدين عبر مختلف مراحل تاريخ الدولة الإسلامية؛ تزَعَّمَ عملية المعارضة في الغالب من الأحيان العديد من العلماء والفقهاء وبعض الدعاة و المصلحين، وذلك انطلاقا من مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ارتباط ممارسة المعارضة بمهمة الحراسة على الدين وسياسة الدنيا مع الرقابة على الحاكم درءا للاستبداد ومنعا للظلم ، أكثر من ارتباطه بالمعاكسة والحد من السلطة والصدام لإسقاط الحاكم و الحلول محله؛ ارتباط عملية المعارضة بفقه واسع ، نابع من أصول الإسلام ومرتبط بكليات الشريعة ومقاصدها ويتسع ليشمل تدبير مختلف مناحي حياة الإنسان بالشكل الذي يحقق الاستخلاف؛ اختلاف" فقه المعارضة " في الإسلام عن ممارسة المعارضة السياسية في الفكر السياسي الغربي الذي يجعل من المعارضة آلية لتغيير الوضع بالدرجة الأولى. فليس في الإسلام معارضة بالإطلاق أو موالاة بالإطلاق، وإنما أوجب المعارضة وفق الضوابط الشرعية في حالة انتهاك القائد أو الحاكم لشرع الله أو الإخلال بالواجب اتجاه العامة؛ تميز مفهوم المعارضة في الفقه السياسي الإسلامي بكونه يرتكز على أوسع مبدأ رقابي على المستوى الذاتي و الفردي و الشعبي و هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ توصلت لتحديد أهم المبادئ المؤسسة لفقه المعارضة في السياسة الشرعية والمتمثلة في: 1 الخلاف والاختلاف انطلاقا من الكتاب والسنة النبوية؛ 2 مبدأ الحرية ؛ 3 الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ؛ 4 مبدأ الشورى ؛ كما خلص من خلال هذا التأصيل أن الشرعية التي تستمدها المعارضة من خلال العناصر التي تم التطرق إليها لا تعني أنها معارضة مبنية على جزئيات و وقائع متفرقة بين بعض آي القرآن و حوادث السيرة القولية و الفعلية أو بعض النوازل و الحوادث في سيرة الخلفاء الراشدين و إنما هي شرعية شاملة تستمد قوتها من شمولية المنهج الرباني المبني على التضامن و التكافل الاجتماعي و تحقيق قيم العدل و المساواة و الحرية... والتي تشكل حلقات متماسكة فيما بينها لا يمكن الاستغناء على أي فرع منها في الحياة الإسلامية عموما و في نظام الحكم الإسلامي على وجه الخصوص. أن نظام الحكم في الإسلام لم يكن في كثير من الأحيان حكما مطلقا بلا رقابة ولا محاسبة ، بل وإن لم يكن آنذاك مفهوم المعارضة مؤطراً بالشكل الذي عرفه عبر مراحل تطور الفكر الإنساني ليستقر على ما هو عليه في النظم الغربية المتقدمة حاليا، فقد كانت المعارضة مرتبطة بممارسة الحكم ارتباطا دينياً مبني على التعبد وليس ارتباطاً دنيويا مبني على المناصب وتولي السلطة والحكم. أن ممارسة المعارضة في تاريخ الدولة الإسلامية لم ينقطع في فترة من الفترات بالرغم من القرب أو البعد من نموذج الخلافة الراشدة، وهو الاستنتاج الذي أكدته النماذج التي عرضت لها عبر فترات تاريخية لعدة دول إسلامية. من النتائج التي استخلصتها من البحث كذلك، اختلاف " فقه المعارضة" عن "المعارضة " في الفكر الغربي على مستوى بعض الأهداف والمقاصد أخص منها : ارتباط "فقه المعارضة" فكرا وسلوكا وممارسة بتحقيق طاعة الله والالتزام بالشرع الإسلامي،قال تعالى: )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ([1]، بينما نجد أن ممارسة المعارضة في أي نظام غربي تنطلق من مبدأ العلمنة وتحييد الدين، مع إعطاء الشعب أقصى حد من الحرية والسيادة المطلقة في التشريع. ارتباط الرقابة السياسية لفقه المعارضة على أعمال السلطة بتحقيق المساواة و العدل ولو على أيدي الحاكم وليس بالضرورة على أيدي المعارضة بانتقالها للحكم. اعتبار مبدأ الحوار بشقيه الداخلي و الخارجي ركيزة أساسية ترتبط ارتباطا وثيقا بمجال السياسة الشرعية إسهاما في إقامة الحجة ودرء الخلاف وتجنب الشقاق. أن جميع الخلفاء الراشدين تولوا الخلافة بعد فتح حوار داخلي بين كبار الصحابة لاختيار وترشيح الأنسب للخلافة قبل الانتقال إلى طلب البيعة من العامة ، وهو منهج إسلامي أصيل يستند على مبدأ القرآني من خلال قوله تعالى:)وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِم وَ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَ أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ، وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، وَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ([2] أن مسالة التداول على السلطة في السياسة الشرعية يرتبط بمبدأي الشورى و الحرية، المستمدين من الشرع باعتباره الإطار العام المنظم للحياة ، لأنه إذا كانت " السيادة للشرع المطهر في النظام الإسلامي فإن السلطان فيه للأمة، فهي صاحبة الحق في اختيار حاكمها، و هي التي تحاسبه و تراقبه و تحتسب عليه، و هي أيضا التي تلي أمر عزله عند الاقتضاء ممثلة في أهل الحل و العقد منها. لقد ثبت من خلال دراستنا هذه أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم لم يورثوا الخلافة لأبنائهم و لا لأقربائهم و إنما أصَّلُوا لمبدأ التداول على الحكم على أسس ومبادئ الإسلام الحنيف، فكان لمبدأ الشورى و قيم الحرية و العدالة، الكلمة الفصل في اختيار الخلفاء، وإرساء دعائم حكم شوري راشد. لقد أدت أزمة الحوار والتداول على السلطة بين المعارضة والحكم في كثير من المجتمعات العربية إلى انزلاق المعارضة نحو الصدام والمواجهة مع أجهزة الدولة ، مما أدى إلى ارتكاب أعمال عنف ذهب ضحيته العديد من الأبرياء ، لتعيش مختلف البلدان العربية في الآونة الأخيرة على وقع أزمة سياسية شبه شاملة أثرت على وحدة ومستقبل هذه الدول . لقد تأكد لدي من خلال البحث والممارسة الميدانية على ارض الواقع أن المعارضة تستمد مشروعيتها من البدائل والحلول الواقعية المطروحة لمعالجة الإشكالات والقضايا التنموية التي تؤرق المواطنين، شريطة اقتران ذلك بتوفر الكفاءات البشرية اللازمة والموسومة بالقوة والأمانة بالتعبير القرآني. إن أي إصلاح سياسي في المجتمعات العربية والإسلامية لا يأخذ بعين الاعتبار إشكالية التداول على السلطة من خلال مرتكزات الفقه السياسي الإسلامي المبني على الحوار؛ والحرية ؛ والشورى؛ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يمكن أن يؤدي إلا لمزيد من الصراعات و الصدامات الداخلية في هذه المجتمعات، لقوله تعالى ]وَلَا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم وَاصْبِرُوا إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ[[3]