تدفقت صباح أمس الخميس على العاصمة الإدارية الرباط، أمواج بشرية قادمة من مختلف المدن تتشكل من طلبة كليات الطب الخمس، وطلبة أطباء طب الأسنان، والأطباء الداخليين والمقيمين، تنفيذا لقرار تنظيم مسيرة احتجاجية، لمطالبة وزارة الصحة بالتراجع عن الصيغة الحالية لمشروع قانون الخدمة الوطنية الصحية، أو ما يعرف بالخدمة المدنية الإجبارية، الذي يعرف رفضا واسعا بعد أن أصدرت 3 نقابات هي الأخرى بلاغا لم يقف عند حدود الرفض وإنما تجاوزه إلى التنديد أيضا، مع دعوة وزارة الحسين الوردي للاستجابة لملفهم المطلبي الذي يشمل عدة نقاط، لم يتم التفاعل معها وأغلق باب الحوار بشأنها. الأطباء المحتجون تجمعوا انطلاقا من حوالي الساعة التاسعة صباحا أمام مقر وزارة الصحة وهم يرددون الشعارات المنددة بسياسة الوزارة، رافعين اللافتات واليافطات، مستعملين صفارات الاستهجان والتنديد، قبل الانطلاق في مسيرة جماعية صوب مؤسسة البرلمان بشارع محمد الخامس، حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف، استكمالا لبرنامج الخطوة الثانية من المسلسل الاحتجاجي الذي تم تدشينه والذي من المنتظر أن يتوّج بإضراب مفتوح في حال عدم تفاعل وزارة الصحة بشكل إيجابي مع مطالب الاطباء وفتح باب الحوار الجدي في هذا الصدد. "أنس شبعتها" المنسق الوطني لمجالس طلبة الطب أكد ل "الاتحاد الاشتراكي"، أن آلاف الطلبة، قدّرت اللجنة التنظيمية عددهم بما يفوق عشرة آلاف محتج، حجوا إلى الرباط أمس الخميس موقعين على يوم تاريخي في تاريخ كليات الطب بالمغرب، بالنظر إلى الحشود المشاركة في هذا الحدث الاحتجاجي، مشددا على أن المشاركين نددوا خلال المسيرة السلمية التي تم تنظيمها بمشروع قانون الخدمة الوطنية الصحية، معبرين عن رفضهم للإجبارية، ولاستهداف الطالب المغربي والأطباء الذين هناك سعي لجعلهم ضحايا بمبرر عجز ميزانية الدولة، مطالبين بالمقابل بالدكتوراة الوطنية، وتوفير مناصب للشغل في القطاع العام، مؤكدين كذلك أن الطلبة الأطباء في كليات الطب والصيدلة هم أبناء الطبقات الشعبية، ولايعني متابعة تكوينهم في مجال الطب أنهم ينحدرون من اسر ميسورة بالضرورة، مصرين على أن نضال الأطباء من اجل ملفهم المطلبي هو متواصل وبروح عالية، داعيا الوزارة ومن خلالها كافة مكونات الحكومة إلى التعقل والتبصر، والبحث عن حلول معقولة بعيدا عن لغة التهديد والوعيد! من جهتها أكدت نقابات قطاع الصحة المنضوية تحت لواء الفيدرالية الديمقراطية للشغل، الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، عن رفضها التام والمطلق لمشروع القانون المتعلق بالخدمة الوطنية الصحية الذي تعتزم الوزارة تمريره بالرغم من عدم قبوله من قبل كل الأطراف. وقد جاء قرار الرفض، جوابا عن مراسلة وجّهها وزير الصحة إلى النقابات المذكورة في 7 شتنبر 2015، وعلّلته الإطارات النقابية بالاعتماد على جملة من الملاحظات، على رأسها ملاحظة منهجية تتمثل في استفراد وزارة الوردي بصياغة مشروع القانون دون الاستشارة مع كل الفاعلين والمعنيين بالموضوع، في ضرب للمنهجية التشاركية التي ينص عليها الدستور. وأكدت النقابات في ردّها على أن هذا المشروع هو مجرد حلّ ترقيعي لن يهدف بتاتا كما تدّعي ديباجته إلى الرقي بالمستوى الصحي للمواطنات والمواطنين، وتيسير استفادتهم من الحق في العلاج والعناية الصحية، واصفة إياه "بمحاولة لذر الرماد في العيون، وبيع الأوهام للمواطنين، والالتفاف على الحلول المستدامة لإشكالية الصحة، والاستجابة للحاجيات الصحية للساكنة، مما يؤكد حالة التيه في تدبير وتسيير قطاع الصحة، وغياب رؤية واضحة وسياسة وطنية للصحة، مقابل الاعتماد على خطاب موجّه للاستهلاك الإعلامي، وتحريضي للمواطنين ضد العاملين بقطاع الصحة وضد الطلبة، مهنيي الغد، لإخفاء عجز الوزارة عن تحسين أوضاع القطاع". وشدّدت الإطارات النقابية على أن هذا المشروع هو "غير قانوني بل هو تحايل على القانون "، إذ عوض الزيادة في ميزانية الوزارة، والتعامل مع خصوصية قطاع الصحة، والزيادة في المناصب المالية القارة لمعالجة الخصاص المهول في الموارد البشرية، وتوظيف العدد اللازم من الأطباء والممرضين ومن مختلف المهن الصحية، عملت وزارة الصحة على تنفيذ قرار الحكومة بتقليص عدد المناصب المالية الهزيلة أصلا إلى النصف، وفرض هذا النوع من الخدمة في قطاع الصحة لوحده فقط، وتغييب مبدأ المساواة بين كافة المواطنين في كل المهن وكل القطاعات، مضيفة بأنه وعوض أن تتجاوب الوزارة مع مطالب العاملين بالقطاع بمختلف فئاتهم، ومع انتظارات مهنيي المستقبل من طلبة كليات الطب وطلبة معاهد المهن الصحية، لم تجد إلا هذا المشروع للالتفاف على الإصلاح الحقيقي لقطاع الصحة مع استعمال كل الوسائل وأساليب التعتيم الإعلامي ودغدغة عواطف المواطنين من أجل تمريره وفرضه!