إذا كان المواطن في الحواضر يطلب من الدولة أن توفر له الشغل، والسكن والعلاج ودور الشباب وملاعب كرة القدم والكماليات بعد الضروريات، وتستوقفك تظاهرات واحتجاجات من المجتمع المدني تطالب بالحقوق لمن يطالبونهم بالواجبات، فالسكان في العالم القروي التابع لجهة سوس ماسة درعة كنموذج، لا يطالبون بما تمت الإشارة إليه، يطالبون فقط بعدم محاصرتهم بالقوانين الجائرة التي منها ما تركه المستعمر الفرنسي، كتلك التي حاصر بها المجال الغابوي دون أن تشهد أية مراجعة، بل تم تطبيقها بمحاصرة القرى ومن لم يهاجر من ساكنتها. وفي الوقت الذي تبنى فيه الجامعات بجميع تخصصاتها والمستشفيات، نفس الشيء في بعض الحواضر، نصفق لذلك ونطالب بالمزيد، تم شحن شاحنات من الخنازير البرية المتوحشة والتي تكاثرت واحتلت الحقول لتمنع الفلاح الصغير من حرث ما تركه التحديد الغابوي الجائر مما فرض الهجرة الكلية بعد الجزئية، لما ذكر، ولعدم توفر ضروريات الحياة كالتعليم الإعدادي والثانوي والمستشفيات وماء الشروب، فقط تملأ القرى صيفا في العطلة السنوية! رخصة البناء في الدواوير إن مطالبة السلطة برخصة البناء في الدواوير البعيدة عن الطرق الرئيسية جعلت من لا يزالون يترددون على منازل الآباء والأجداد صيفا ، يفكرون في التخلي كليا عن دواوير لا تقدم لهم أثناء زيارتهم لها إلا ما يحملونه لها، بل وترسل المواد الغذائية والنقود من الحواضر لمن لا يزالون هناك من الشيوخ والأرامل. لكن أن يتم تعميم قانون التعمير الخاص بالحواضر على البوادي فهذا يدل على أن واضعي القوانين من هذا النوع جلسوا في مقاعدهم الوثيرة وفي مكاتب مكيفة، ويجهلون كل شيء عن القرية وما تبقى من أسرها، وتسند مهمة التطبيق لجيل الشباب ممن تخرجوا حديثا في المدارس الإدارية ويجهلون كل شيء عن خصوصيات العالم القروي، مما جعلهم يطبقون ما تم تدوينه في مدونة التعمير حرفيا، بل ويمنعون حتى من أراد إصلاح ما تركه الآباء من جدران متهالكة. وظيفة الشيخ التقليدية خصوصية أخرى لها أهميتها كان المنتظر أن تنقرض ، وهي وظيفة الشيخ والمقدم ممن يتجسسون على السكان، وإذا كان لابد منها فلتكن بمباراة لمن يتوفرون على مستوى دراسي في مستوى المسؤولية، وعلى تكوين لسنة أو سنتين على الأقل، ليستطيع أن يكون مساعدا كفؤًا للسلطة وللسكان بدل أن تسند هذه الوظيفة دون مقاييس لمن له اتصال مباشر بالسكان يتلذذ بحمل الاستدعاءات وبإيقاف فلان وفلان وبالوشاية بفلان وفلانة على سبيل المثال لا الحصر. بعد تعيين قائد جديد لقيادة أضار إقليمتارودانت وبعد تعيين شيخ جديد، كان أول شيء قاما ويقومان به هو منع البناء في الدواوير ومنع إصلاح البيوت القديمة المنهارة والتي على وشك السقوط، بدل مساعدة السكان على الاستقرار وعلى رفع الأنقاض التي تسببت فيها الأمطار والفيضانات الأخيرة. أرسل القائد استدعاء للمقدم لأحد سكان قرية مكط الذي أتى من الدارالبيضاء لإصلاح منزله في القرية وقد يضيف بيتا والقرية بعيدة عن الطريق الرئيسي بكيلومترات مما جعله يحمل أفراد أسرته بعد إقفاله لباب منزله ليعود إلى الدارالبيضاء... وفي قرية مكزارت، شرع أحد السكان في إصلاح منزله ليكون صالحا لقضاء العطلة بالنسبة لأبنائه وأحفاده، وقف عليه الشيخ وأمر من وجدوا فرصة للشغل المؤقت بالتوقف، وامتثلوا لأوامر الشيخ المرسل من طرف القائد وأقفل صاحب المنزل منزله البعيد عن الطريق وفي أعلى الجبل وعاد إلى الدارالبيضاء. كما تم منع صاحب مقهى اسونغو من إتمام بناء خزان صغير لخزن المياه، تم استدعاء المعلم الذي يشتغل في البناء وأخذ بطاقته الوطنية وذهب لقيادة أضار مسافة حوالي 70 كلم وانتظر القائد من العاشرة صباحا إلى الثالثة ليخبره بالمنع، مع العلم أنها المقهى الوحيدة في الطريق الرابط بين تارودانت وإيغرم (84 كلم) يستريح فيها المسافرون إلى إيغرم فطاطا ذهابا وإيابا ، بمن في ذلك الأجانب، وأول شيء تتطلبه السياحة الداخلية والخارجية ماء الشروب والنظافة، لكن ليتم منع إتمام الخزان الصغير سعته فقط حوالي ستة أطنان... وهذا كله ناتج عن انعدام الثقافة القروية بخصوصياتها وبحاجياتها وإمكانياتها ، والتي تستدعي مساعدة الساكنة القروية على الاستقرار، من ذلك أن يعمل القائد و الشيخ على إيصال الدقيق المدعم إلى سوق الجماعة والوقوف ، بإشراك المنتخبين، على توزيعه بعد إخبار المنتخبين والسكان بتاريخ الوصول وبالكمية مع تسليم لائحة المستفيدين للجماعة قصد المتابعة والمراقبة بدل جهل المجلس الجماعي المنتخب كل شيء عن الدقيق الذي تم دعمه للسكان لا للممون، لكن على السلطة أن تقوم بواجبها بدل محاربة من يريدون إصلاح أو إضافة بيت لقضاء العطلة الصيفية! نموذج الهجرة الكلية وأسبابها لو قام القائد بإحصاء للسكان المهاجرين من كل قرية وعدد المستقرين فيها، سيجد أن نسبة المهاجرين 95% ، وعدد الذين يصوتون مثلا في قرية تيلكيست منذ انتخابات 1997 وإلى الآن، سبعة إلى عشرة أصوات لانتخاب مستشار جماعي. هل تم إشعار السيد العامل والسيد وزير الداخلية بهذه المهزلة التي ستتكرر لا محالة؟ معنى هذا أن القرى أفرغت من سكانها نتيجة القانون الغابوي الجائر الذي حاصر القرى وساكنتها، والحارس الغابوي الذي شدد بدوره الخناق على من أراد أن يأتي بالحطب اليابس للطهي والخنزير البري الذي عاث في الأرض فسادا في جميع الفصول، بل و أضحى مهددا للسكان في حياتهم، ثم ليأتي قانون التعمير الخاص بالحواضر ليتم تعميمه على بؤساء العالم القروي ليزيد في الطين بلة، كما يقال. وقد شكل موضوع الرخص حديث المجالس واللقاءات الجمعوية لأبناء المنطقة في المدن وفضلت الأقلية المتمسكة بالقرية أن تحمل ما تبقى من أسرهم إلى الحواضر خاصة من يمتلكون السكن حيث يعملون في هذه المدينة أوتلك ، ومستقبلا لن تجد السلطة من يتلقى أوامرها المتعلقة بالرخصة وغيرها!!