بإحدى قاعات العرض السينمائي بمنتريال كندا سيستمتع جمهور عريض من الجالية المغاربية والعربية قريبا بالعرض الافتتاحي لفيلم قصير للمخرج والمنتج المغربي علي الحضري " الأفق الأبيض " (2015 ) سيناريو وإخراج علي الحضري، ومن بطولة انجيلو فوصبي، نجاة تاتو، أوديري كريني، أسامة مولاي اودري، وممثلين آخرين، وذلك قبل نزوله إلى القاعات السينمائية الكندية والمغربية الربيع القادم ويندرج هذا الفيلم L?horizon blanc وهو الثاني في فيلموغرافيا علي الحضري المقيم بكندا، في إطار التوثيق للذاكرة الجماعية في فترة اتسمت بصعوبة اندماج المهاجر المغربي إلى أمريكا الشمالية، وهو لا يروي مكابدات الشاب علي الحضري المهاجر إلى كندا 2005 بقدر ما ويؤرخ لصعوبات الهجرة وقساوتها على نحو عام ، إن على مستوى المناخ أو الحياة الاجتماعية إبان هذه الفترة من خلال تركيزه على الجانب الإنساني في موضوع الهجرة . يرصد الفيلم الثمن الغالي الذي يقدمه المهاجر القادم من مناخات صحراوية أو متسمة بالاعتدال، إلى طبيعة تتسم بالبرودة القاسية ناقص 40 درجة، من خلال تضحياته الجسيمة والعمل في ظروف قاسية جدا لتأمين اندماج أفضل مع ثقافة المجتمع الأمريكي. لقد استوحى علي الحضري السيناريو، وقائع فيلمه الأفق الأبيض من مآسي الهجرة إلى أمريكا وصعوبتها، وما قد يعتري آفاق الهجرة ومستقبلها من تداعيات على المستوى النفسي والاجتماعي. وفي تصريح لصفحة " إعلام وفنون" لجريدة "لاتحاد الاشتراكي" ، قال المخرج والمنتج المغربي المقيم بمنتريال علي الحضري إن " الفيلم قصة حميمية وإنسانية عميقة ، لكنه يحكي أيضا استبسال رجال جاؤوا من الشمس إلى القطب المتجمد الشمالي وأرادوا الحياة ، إنه يعكس من جهة أخرى تاريخ الإنسان المشترك في حله وترحاله الكوني ضمن مسار يتسم بصناعة الحياة وبناء القيم الكونية لحياة أفضل فوق الكوكب المشترك من أجل أفق أبيض . تيمة الفيلم حلم هجرة الشباب إلى القارة الأمريكية وتحديدا كندا وما يكتنفه من غموض، وما يمكن أن يطرحه من مشاكل وصعوبات، فالمهاجر سيواجه حتما ثقافة أمريكية مختلفة تماما عن الثقافة الأوروبية، سواء على مستوى نمط العيش أو أشكال التواصل السوسيوثقافي للمجتمع. وكذلك على مستوى المناخ الذي يغير نظام الحياة ويتأثر بها. الفيلم هو في جوهره نوع من السيرة الذاتية أو بمعنى آخر يقول مخرجه استرجاع للألم وإعادة إنتاجه فنيا وجماليا لحماية القادم الجديد ." هو إذن الوجه الآخر ل "علي" الذي لا يكتفي بسرد الذات، بل يحكي فيه تجارب لشباب قدموا ولم يستطيعوا التأقلم مع مناخ شمال القارة الأمريكية وثقافتها، وعادوا الى ديارهم سالمين " قد تكون المغامرة والظروف الصعبة والتجارب المريرة التي عشتها في المغرب قد ساعدتني على تحمل قساوة الوضع الجديد في كندا المتسم بناقص40 درجة ولمدة 6 أشهر في السنة، وأنا القادم من صحاري المغرب الممتدة، يقول علي ويضيف "إن الاندماج مع المجتمع والثقافة الأمريكية لم تكن صعبة بالنسبة لي، كانت حلما جميلا، إنه الأفق الأبيض المؤثث بنقط سوداء عابرة حاول الفيلم بذكاء تجسيدها، ونقلها في صورة فنية وجمالية تدغدغ الوجدانات الطرية المفعمة بحلم الهجرة في محاولة جادة وواعية لآفاقها الرحبة الواسعة الضفاف ارتباطا بهذا التناقض الجميل بين منظومة قيم لبلد المنشأ بتقاليدها وحرارة العيش فيها وتقليدانيته وبين الحياة على ضفة أخرى يقتضي الوصول إليها ليلة كاملة من الطيران فوق المحيط الأطلنطي صوب القطب الشمالي المتجمد . هناك ما يمكن أن نسميه بالخلاص الفردي داخل كل منا، يقول علي، لكن هذا الخلاص" الهجرة "يحتاج إلى تصور ورؤيا واعية ومدركة لواقع الهجرة وفخاخها وشراكها المؤلمة والفاجرة من أجل تحقيق ما نصبو اليه . فالاصطدام بالواقع المر أمر لا ريب فيه. هذا سلم النجاح في الحياة يبدأ بالخطوة الأولى، وهي قاعدة تكاد تكون بشرية في الرقي والتنمية . وللوهلة الأولى يوجه الفيلم حديثه ووصاياه إلى كائن له أحلام عاصفة يرغب في تحقيقها ببلد له منظومة قيم مختلفة عن تلك التي نشا فيها، والتي من علاماتها البارزة انتفاء قيم الديمقراطية على نحو ما يتمنى .لذلك، من غير المقبول في نظر الحضري لمهاجر أن يندمج فقط لأنه يحب الكيبيك أو يعشق كندا، أو فقط لطقسها ومناخها الجميل، فالإنسان المهاجر المتشبع بقيم التكافل الاجتماعي والانصهار في الجماعة وثقافة الحشد والحلقة والحركية الدائبة من ضجيج وصراخ الأسواق الشعبية وزعيق السيارات في مشهد حياته اليومية في موطنه الأصلي، يجد نفسه فجأة، وسط الثلج تتطاير أنفاسه لاهثا، لا بد أن يصدمه واقع السكون والهدوء والضجيج المخدوم والفوضى الخلاقة، ولعل هذا الإدراك في حد ذاته، يشكل خطوة حقيقية على درب الاندماج السهل والمتمنع للوهلة الأولى للمهاجر العربي على نحو خاص . وبهذا المعنى وذاك، ففي في الفيلم عشر وصايا للاندماج السهل في مجتمع الهجرة، وهو الى ذلك كتاب يسهل على قارئه الغوص في أعماقه دون اختناق عبر تصريف دقيق لكمية الهواء داخل الماء .يسعى جادا إلى تقليل مخاطر الهجرة وتداعياتها، وتذليل صعوباتها خلال السنوات الأولى قاسية، وهي إحدى المهام الأساسية للشريط، كندا ليست بحيرة أو فضاء تحتويها العين، وترتب فضاءاتها بصور حالمة، كندا امتداد شاسع، هي بلد 30مليون لاك.. وثمة 5 ساعات فرق بين شمالها وجنوبها .هناك يرى مخرج الشريط خلاصه الفردي "اراه جميلا لأنه شكل منعطفا حقيقيا في حياتي، جعلتي أحقق حلمي في دراسة الإخراج والإنتاج السينمائي .إنه عالم مظلم يضع فيه المهاجر مشاعل مرتجفة مهددة بإطفائها بريح من كل الجهات، إنه الإبداع من داخل الهجرة . فالعمل الفني ليس سردا لوقائع وأحداث وكفى، بل ثمة حبكة جمال وفن في البناء والمعنى والرسالة، وهو يعكس حجم الاستقرار الذي يؤطر حياة المبدع والإنسان معا. أليس هذه هو المبدأ الذي هاجر من أجله فاسكو ديكاما، وكريستوف كولومبو، وجاك كارتيي مكتشف جزيرة منتريال نهاية القرن 15 عشر ؟