في عام 1986 عقد مؤتمر بالقاهرة لنصرة القدس تبناه آنذاك المثقف العظيم الراحل رئيس اتحاد الفنانين العرب الأستاذ سعد وهبة حضره الزعيم الراحل ياسر عرفات وشيخ الجامع الأقصى ونخبة من مثقفي القدس المرابطين داخلها. وقد عرضوا مشاهداتهم لتفاصيل مخططات التهويد التي تقودها البلدية اليهودية للقدس تحت مظلة حكومة الاحتلال الإسرائيلي. وفي الأسبوع الماضي ظهرت تقارير جديدة تتحدث عن تصعيد جديد ضد المسجد الأقصى والوجود العربي بالقدس، تمثل في الجرائم التي تقوم بها ثلاث منظمات يهودية هي »عطيرت كوهنيم« و»عيردافيد« و»إلعاد« في حمى الشرطة الإسرائيلية. وتركز تلك المنظمات على بلدة السلوان الملاصقة للقدس بعد أن زعمت أنها قد بنيت على أنقاض »مدينة داوود«! من المهم أن نعلم أن هذا الإدعاء تؤيده البلدية اليهودية للقدس، فقد قامت بإصدار قرار ينص على إزالة حي البستان بالبلدة، ومن ثم تشييد حديقة مكانه تحمل اسم الملك داوود! إن هذا النوع من التفكير ليس سوى تطبيق لمقولة زائفة في الفكر الصهيوني هي مقولة الملكية التاريخية اليهودية لفلسطين. لقد أفرزت هذه المقولة جرائم عديدة كان أولها مخطط صهيوني دولي لطرد الشعب الفلسطيني وتشريده استخدمت في تنفيذه أخطر الوسائل وأشدها مجافاة للقانون الدولي. لم يوضع المخطط وينفذ من جانب منظمة هامشية أو ثانوية بل قام على تنفيذه دافيد بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل عام 1948. ولقد تتابعت الجرائم التي ترتكب باسم الملكية التاريخية بدءاً من إصدار قانون يضم القدس الشرقية المحتلة عام 1967 إلى إسرائيل، وصولا إلى ما يجري اليوم من اقتحام لمباني سلوان والاستيلاء عليها في حماية الشرطة. ومن الدلائل على أن المنظمات المتطرفة تحظى برعاية الحكومة، ذلك التقرير المنشور بالصحف الإسرائيلية حول الميزانية التي تنفقها الحكومة سنوياً لتوفير الحماية للمستوطنين اليهود الذين يستولون على مباني العرب ويحولونها إلى بؤر استيطانية. لقد بلغ الرقم عشرين مليون دولار سنوياً تنفق لحماية بضع مئات من الأشخاص اليهود الذين استولوا على حوالى سبعين شقة حتى الآن في سلوان. إن جرائم التهويد تتم باستخدام أساليب مختلفة بعضها بالقهر وبعضها بعروض على الأهالي العرب لترك بيوتهم والحصول على أخرى بديلة وبعضها باستخدام قوانين صيغت خصيصاً لتمكين السلطات الإسرائيلية من انتزاع العقارات والأراضي من أصحابها العرب وتمكين المنظمات اليهودية من الاستيلاء عليها. أعلم أن عالمنا العربي يعيش حالة غير مسبوقة من التمزق الداخلي، لكن علينا أن نحمد الله أن لدينا عدداً من الدول العربية المستقرة والمتماسكة والواعية بواجبها القومي والديني تجاه القدس. هذه الدول هي محط أملنا في تحريك برنامج مدني يدعم أهلنا في القدس وما حولها من بلدات وقرى أصبحت كلها في مرمى التهويد. هل من العجيب أن نطالب بمؤتمر لنصرة القدس رغم ما يحيط بالأمة من صراعات ومؤامرات؟ إن الاستجابة من أي مؤسسة عربية ستعني أننا ما زلنا واعين بدورنا في الحفاظ على المسجد الأقصى. إن مثل هذه الاستجابة ستعيدنا إلى زمن كانت فيه الأنظار والأسماع مركزة على قضية فلسطين وعلى المسجد الأقصى.