أمام تصاعد موجات العبور نحو أوروبا، من خلال المداخل الشرقية والجنوبية للقارة العجوز، أصبحت القوى السياسية اليمينية وجل المتطرفين عموما في أوروبا في حالة بحث عن مشروعية جديدة للظهور، من خلال استغلال الأزمات التي تسببها جحافل اللاجئين والمهاجرين إلى دول الاتحاد الأوروبي، إما هربا من جحيم الحرب في الشرق الأوسط، أو بحثا عن أفق أفضل للحياة في أوروبا. وقد نجح اليمين نسبيا في تأجيج شعور قطاعات من شعوب أوروبا بالاستعلاء القومي على حساب الجنسيات الأخرى، في مشهد يذكر العالم بالشوفينية التي تسببت في حرب كانت خسائرها بالملايين في أربعينات القرن الماضي. تعهدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعدم التسامح مع الهجمات "المعيبة" ضد طالبي اللجوء، وبمواجهة اليمين المتطرف الذي استقبلها بصيحات الاستهجان لدى وصولها إلى مركز إيواء في هايديناو شرق ألمانيا، في حين يستمر تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا بأعداد كثيفة. وقد استقبل متظاهرون ألمان من اليمين المتطرف المستشارة بصيحات الاستهجان لدى وصولها إلى المركز، ورفع حوالي 200 شخص لافتات كتب عليها ?خائنة?. لكن ميركل قالت لدى وصولها ?يجب القول بوضوح: لن يتم التسامح أبدا مع هؤلاء الذين لا يحترمون كرامة الآخرين?. وأضافت ?كلما كان هذا واضحا للناس، كلما أصبحنا أقوى وأفضل وأكثر قدرة على القيام بهذه المهمة، أي رعاية طالبي اللجوء?. ويأتي هذا فيما سادت مشاهد الفوضى في المجر الأيام الأخيرة، حيث أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على مهاجرين قرب معبر روشكي حيث يعبر غالبية المهاجرين إلى المجر من صربيا التي لا تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي، ومن المجر نحو دول أخرى، من بينها وأساسا ألمانيا. وسعت الشرطة إلى منع نحو 200 شخص من محاولة مغادرة مركز اللاجئين الرئيسي في البلاد. وتسعى أوروبا جاهدة للتعامل مع أكبر أزمة للمهاجرين غير الشرعيين منذ الحرب العالمية الثانية، حيث وصل الآلاف إلى السواحل الإيطالية واليونانية فيما يتسلق آخرون شاحنات للعبور من فرنسا إلى بريطانيا، وقد أجج هذا الواقع الدعوات العنصرية المتطرفة لطرد المهاجرين واللاجئين باستعمال العنف والشعارات العنصرية الجارحة. وقد حاول مهاجم إشعال النار في مركز إيواء خال في لايبزج وألقت الشرطة في بلدة باركيم القبض على رجلين اقتحما مركزا للإيواء وهما يلوحان بسكين. وقال مهاجرون في مركز إيواء في هايدناو إنهم يأملون في الذهاب إلى بلدات في غرب ألمانيا حيث يعتقدون أن الحياة أسهل لطالبي اللجوء. وفي ظل الافتقاد إلى خطة أوروبية متماسكة لمواجهة الأزمة، اتخذت الحكومات في أوقات عدة خطوات متناقضة في التعاطي مع هذه القضية. فبينما تسعى الحكومة الألمانية الحالية إلى استقبال حوالي 800 ألف لاجئ في المدة القادمة، وتسهيل ظرفي ومؤقت لطالبي اللجوء من جنسيات بعينها، تسعى دول أخرى إلى التصدي لظاهرة الهجرة عبر برامج لا تحظى بقبول واسع في الأوساط الأممية والحقوقية، حيث عبر العديد من النشطاء عن امتعاضهم من قيام المجر ببناء جدار لمنع دخول المهاجرين إليها، فيما قامت أحزاب يسارية في تشيكيا بتظاهرات ضد دعوة نائب رئيس الوزراء التشيكي أندري بابيس إلى إغلاق حدود منطقة ?شنغن? ونشر قوات لحلف شمال الأطلسي لمنع تسلسل اللاجئين. واتهم الرئيس الألماني يواكيم غاوك ما أسماها ?ألمانيا المظلمة? بالوقوف وراء سلسلة الهجمات المعادية للأجانب، كما ندد القادة الألمان بهذه الهجمات مشددين على أن بلادهم ?لم تعد نازية منذ أكثر من ستين عاما، ولا مكان للتطرف والمعاداة في البلاد?، مؤكدين أن القوانين الألمانية بنيت على قيم التسامح والتعايش والبناء الإنساني المشترك. وقد أكد حزب الخضر الألماني في بيان له أن أحداث العنف التي أصبحت شبه يومية في ألمانيا والتي تستهدف المهاجرين ?أمر خطير بصدد الانتشار داخل المجتمع الألماني?، منددا بما أسماها ?سياسة الصمت? التي تتبعها حكومة أنجيلا ميركل إزاء تفشي ظاهرة التعصب داخل الألمان. وقال جيم أوزديمير رئيس حزب الخضر الألماني إنه ?على التحالف المسيحي الديمقراطي الحاكم اليوم التحرك في اتجاه إرجاع حقيقة ألمانيا إلى الواجهة، فسمعة البلد تضررت جراء العنصرية المنتشرة بكثرة في الأيام الأخيرة في ألمانيا?. وقد أكد عديد النواب من الأحزاب اليسارية وحزب الخضر في ألمانيا، أنهم تلقوا رسائل تهديد من قبل مجهولين متطرفين بعثوا برسائل عنصرية وتتهم فيها النواب ?بضياع النقاء الألماني?، وتزيد نسبة هذه الرسائل خاصة في المناسبات التي تذكر الألمان بالمحرقة اليهودية. وأعرب أزوجان موتلو النائب عن حزب الخضر الألماني، عن أسفه الشديد لتلقيه مثل هذه الرسائل. وقال النائب إن مجلس النواب الاتحادي الألماني ?بوندستاغ? يحوي قرابة 37 نائبا من المهاجرين والعديد منهم تلقى رسائل تهديد أيضا.