يواصل أدغار موران وهو في التّاسعة والثّمانين من عمره إنتاج تفكير غنيّ وملتفت نحو المستقبل. إنّ هذا المقاوم القديم، الشّيوعيّ السّابق، عالم الاجتماع والفيلسوف، الّذي كان نيكولا سركوزي منذ بضع سنوات يستعير منه دون أن يدري تصوّر "سياسة حضاريّة"، قد أنتج للتّوّ تأليفا جديدا بعنوان "السّبيل"La Voie يقوم فيه بمعاينة قاسية ومقلقة في نفس الوقت لأدواء عصرنا، ويحاول أن يمنح بعض الدّروب للمستقبل. إليكم هذا الحوار الّذي أجرته معه مجلّة Rue89. p هل أنت نفسك قد خاب أملك في أوباما؟ n كلاّ! أنا معجب بأوباما وأحترمه. فحالة التّقهقر الّتي يعيشها العالم أودت بسياسته المتعلّقة بإسرائيل وفي فلسطين، وببقيّة العالم، وأفغانستان إلى الفشل... إنّه ضحيّةٌ شيئا ما. يحزنني هذا الفشل ولكنّ أملي لم يخب. ما أخشاه هو انفلات ردّ فعل أسوأ من ردّ فعل بوش. فحين نرى هؤلاء المنتمين إلى "حفلة شاي Tea Party"، فإنّ ردّ فعل الجمهوريين أمر مقلق جدّا! إنّ تشخيص التّقهقر يجب أن يحثّنا على اقتراح مستقبل مّا. ليس برنامجا أو نموذجا لمجتمع... كلاّ! يجب اقتراح سبيل يمكنه أن يخلق سبلا أخرى وبإمكان هذا السّبيل أن يخلق التّحوّل. هذا هو الجانب المتفائل لمعاينة متشائمة! p أنت تقول إنّ خيبة الأمل هو فقدان الإيمان بالتّقدّم. هذا قريب من خيبة الأمل المرتبطة باقتراب المرء من موته الخاصّ... n أبدا لم يوجد هذا الاتّحاد في المصير بين الإنسانيّة كلّها، كلّ البشر يشتركون في التّعرّض لنفس التّهديدات القاتلة، لنفس معضلات الخلاص. وتُعتبر العولمة أسوأ الأمور وأفضلها بالنّسبة إلى ذلك. لقد اهتممت بمعضلة الموت في كتابي "الإنسان والموت". كان وراء هذا الاهتمام موت أمّي عندما كنت في العاشرة من عمري، كان حدثا فظيعا ولامعقولا، ثمّ كان موت أصدقائي المقرّبين رميا بالرّصاص أو مبعدين... الموت والحياة هما بطبيعة الحال عدوّان، غير أنّ الحياة تنجح في مقاومة الموت مستعينة بالموت. فنحن حين نأكل لحوم الحيوانات نميتها. كما أنّ خلايانا تموت دون توقّف وتعوّضها خلايا فتيّة. إنّ هذه الجدليّة الدّائمة بين الحياة والموت حيث ينتصر الموت في نهاية المطاف على الأفراد، وحتّى على الحياة عند فناء الشّمس، لا تقوم إلاّ بتوطيد فكرة أهمّيّة الحياة. بإمكاننا أن نكبح كروب الموت بحدّة الحياة، بحدّة قوى الحياة الّتي هي قوى حبّ وشعر وفنّ للتّشارك. لا يوجد ردّ آخر على الموت غير ذاك المتمثّل في القدرة على أن يحيى المرء حياته. ماعدا بالنّسبة إلى أولئك الّذين يؤمنون بحياة أخرى بعد الموت. p أنت تلحّ على فكرة التّحوّل، مع الحكاية الرّمزيّة عن الأسروع والفراشة. هل هي رواية مختلفة عن الحياة بعد الموت؟ n كلاّ. بعد الموت هناك إمّا البعث في المسيحيّة والإسلام، وإمّا التّناسخ. أمّا فكرتي فهي أنّ شيئا مّا يحدث على الأرض. ليس هناك فقط التّحوّلات الكثيرة في العالم الحيوانيّ، عند الضّفدعيات والحشرات، بل عند الإنسان أيضا. نحن أنفسنا، عندما نكون أجنّة، نتحوّل. ننتقل من حالة السّيولة إلى الهواء. تاريخيّا، عرفت البشريّة بأسرها التّحوّل، من مجتمع الصّيّادين في بضع مواقع من الكرة الأرضيّة إلى المدن الأولى، إلى الزّراعة والدّيانات الكبرى والأعمال الفنّيّة والتّقنيات والفلسفة... منذ ظهور الإمبراطوريات العظمى حدثت تحوّلات مذهلة. علينا اليوم أن نصل إلى تحوّل ما بعد ? تاريخيّ، إلى حضارة كونيّة لا يمكننا أن نتوقّع شكلها. أنا إذن باق في كون دنيويّ لكي لا أقول أرضيّا. p أليس الصّراع في الشّرق الأوسط علامة على أدواء الحضارة الرّاهنة؟ n تماما. بل إنّه يضيف إليها فورته. تشكّلت أمّتان في نفس الإقليم، تشكّلت قوميّتان وكلّ منهما تنزع نحو ارتداء لون دينيّ أكثر فأكثر. كثيرون يتساءلون ماذا تساوي هذه القضيّة في مواجهة مآسي السّودان... لا ينبغي طرح القضّيّة بهذه الطّريقة لأنّها تهمّ الملايين من المسلمين واليهود والمسيحيين بسبب القدس. لقد فكّرت فيها على أنّها نوع من السّرطان، شيء مّا يفضي إلى انبثاثات [تغيّرات في مركز المرض métastases (المترجم)] : فمعاداة اليهوديّة في العالم الإسلاميّ تتغذّى من معاداة السّاميّة الغربيّة الّتي تخفّ قوّتها لمصلحة معاداة العروبة. لقد فاقمت هذه القضيّة من خطورة الوضع العالميّ. هي ليست العامل الوحيد للمانويّة وللأصوليّة، ولكنّها تمثّل انحطاطا شاملا. هذا أكيد. p إنّنا نسحب كلمتنا "تشاؤم"... n يجب الوصل بين تفاؤل وتشاؤم. هذا هو التّفكير المركّب، إنّه الجمع بين مفاهيم يدفع الواحد منها الآخر. عن«الأوان»