شهدت سنة 2015 صدور عملين مميزين؛ الأول سينمائي، وهو فيلم "جوق العميين" لمحمد مفتكر، والثاني أدبي وهو رواية "أراضي لله" لنجيب عبد الحق. هما سينمائي وكاتب، وكلاهما ينحدران من نفس الحي، الحي الأسطوري الشهير الذي يحمل اسم الحي المحمدي. خمس مائة متر هي المسافة التي بالكاد تفصل بين منزل الكاتبين، وأربع أو خمس سنوات هي فارق العمر بينهما. لم يسبق لهما أن التقيا، ولم يتعرفا على بعضهما البعض إلا في وقت لاحق، عندما أصبح نجيب عبد الحق صحفيا وشرع في الكتابة حول السينما، وهو الذي يلتهم الأفلام بشراهة، كما يحلو له وصف نفسه. عادة وشغف نبعا من تردده المستمر حد الهوس على سينما السعادة، وهي قاعة الحي التي كان محمد مفتكر يتردد عليها بانتظام هو الآخر. كل هذا ليس سوى جزء من التاريخ. أما الأمر الذي يبدو غريبا ومثيرا للاهتمام في ذات الآن فهو المسار الذي تبناه كل واحد من الكاتبين من أجل إخراج عمليهما إلى حيز الوجود. مسار يهيمن فيه الزمان والمكان والشخصيات على الحبكة. وتلعب هذه العناصر دورا مهما في وضع الإطار السردي بدون تصنع ولا تنميق مبالغ فيه. وفي كلا العملين، ليس ثمة فعليا أية حبكة ينبغي تحريها ولا غرابة يتعين كشفها، من خلال الحي الذي رأى فيه الكاتبان النور، حيث لا يملك السكان ما يخفونه عن بعضهم البعض، حيث الجميع يعرف الجميع. سكان الحي المحمدي شخصيات فيلينية [نسبة إلى المخرج الإيطالي فيديريكو فيليني]، تعيش تعقدها بعيدا عن كل استشعار للخير والشر، تتمسك بالحياة بحلوها ومرها، تعيش في فترة السبعينيات، فترة كانت جد حاسمة في تاريخ البلد والتي يشكل جيلها مغرب اليوم. شخصيات "جوق العميين" و"أراضي لله" تعيش في فضاء مفتوح ومغلق في نفس الوقت، فضاء يسحقها، لكن يتيح لها أيضا فرصة الانفلات، والتحليق في الواقع كما في الحلم والخيال. شخصيات لا تحكم على بعضها البعض، بل تتقبل بعضها رغم تصادماتها الدائمة، تصادمات تمنح لوجودها حقا وتفسيرا. مشاهدة هذا الفيلم أو قراءة تلك الرواية متعة حقيقية، متعة جمة يخرج منها المشاهد وقد طرأ عليه تغيير كلي. ويترك الشك مكانه لتساؤلات كثيرة وعلامات استفهام عديدة حول مغرب الغد. "جوق العميين" و"أراضي لله" عبارة عن رحلة جميلة وسط بحر المتعة والمشاعر والتفكير، ولا عذر لعدم مشاهدتهما.