يزداد عدد المغاربة المقيمين في الخارج، باستمرار، نظرا لما يعرفه العالم من تحولات كبيرة، جعلت مسألة الحركية على المستوى الجغرافي، إحدى سمات القرن الواحد والعشرين. لذلك، تغيرت الصورة التقليدية «للمهاجر»، حيث أصبحت ظروف العمل والدراسة والاستثمارات و السياحة والمشاركة في الأنشطة والتظاهرات، تحتّم على ساكنة الأرض التحرك خارج الحدود، للإقامة بصفة دائمة أو مؤقتة. لقد تغير وجه الهجرة، الذي لم يبق كما كان في بدايته، مقتصرا على طلب متزايد لليد العاملة، بل تطور الأمر حاليا لتتنوع الصورة أكثر، سواء على مستوى الوظائف التي يشتغلها «المهاجرون» أو على مستوى الأجيال المتلاحقة، التي اكتسبت جنسيات بلد الإقامة وتشبعت بثقافتها... على أن الذي ظل ثابتا، هو الارتباط المتين بالبلد الأم، في عدة مظاهر ثقافية واجتماعية، تكشف مدى التعلق بالوطن الأصلي. ويبدو هذا أيضا واضحا في العدد المتزايد للزيارات، بمناسبة العطل وفي حجم التحويلات المالية، نحو المغرب، ما يدعو إلى ضرورة وضع سياسات عمومية متجددة، لمرافقة هذه التطورات، وللاستجابة للحاجيات المتزايدة. لايمكن هنا ،إلا أن نسجل الأهمية القصوى لما جاء في الخطاب الملكي، بمناسبة الذكرى السادسة عشرة لعيد العرش، حيث أكد على ضرورة توطيد تمسكهم بهويتهم، وتمكينهم من المساهمة في تنمية وطنهم. فالصعوبات التي تواجههم لا تتحدد في معاناتهم داخل المغرب فقط، ولكن أيضا تظهر في المعاملات التي تقوم بها تُجاههم البعثات القنصلية المغربية بالخارج، حيث ذكر الخطاب أن بعض القناصلة، عوض القيام بعملهم على الوجه المطلوب، ينشغلون بقضاياهم الخاصة أو بالسياسة، ويتجلى هذا في سوء المعاملة ببعض القنصليات، وفي ضعف مستوى الخدمات التي تقدمها لهم، سواء من حيث الجودةُ أو احترامُ الآجال أو بعض العراقيل الإدارية. وأعطى العاهل المغربي توجيهات صارمةً لوزارة الخارجية، من أجل وضع حد للاختلالات والمشاكل التي تعرفها بعض القنصليات، مثل إنهاء مهام كل من يثبت في حقه التقصيرُ أو الاستخفافُ بمصالح أفراد الجالية أو سوء معاملتهم، بالإضافة إلى الحرص على اختيار القناصلة الذين تتوفر فيهم شروط الكفاءة والمسؤولية. لذلك، يمكن القول إن الحكومة برمّتها، خاصة وزارة الخارجية، مدعوةٌ إلى مراجعة مجمل سياستها على هذا الصعيد، فقد تأكد أن أداء القنصليات تدهور بشكل واضح، في السنوات الأخيرة، بسبب غياب رؤية واضحة للتطورات الحاصلة في عالم الهجرة، فضلا عن النظرة التقليدية التي ظلت ترافق العمل القنصلي، في العديد من التمثيليات المغربية بالخارج. كان من اللازم على وزارة الخارجية إذن، أن تشتغل طبقا لمخطط شامل، يأخذ بعين الاعتبار ضرورة تحديث وتطوير الخدمات الإدارية، التي تقدمها لمغاربة الخارج، علاوة على إعادة تكوين القناصلة، وسائرالعاملين بهذه التمثيليات،غير أن كل المؤشرات تبين أن هذا العمل لم يتم، في ظل الحكومة الحالية. الآن، ينتظر الرأي العام، خاصة مغاربةَ العالم، كيف ستترجَم التوجيهات الملكية، في إجراءات إدارية ملموسة، وفي قرارات ومراجعات شاملة، حتى تستجيب لمستلزمات الخدمة العمومية التي ينبغي أن تقدمها لمواطنين مغاربة، من حقهم التمتع بكل الحقوق.