تميز الخطاب الملكي، بمناسبة ذكرى عيد العرش، بلغة صارمة وصريحة بخصوص سوء المعاملة التي يتعرض لها أفراد الجالية المغربية بالخارج في بعض القنصليات. وقد بين الخطاب أن الوضع يبعث على الاستياء، ولايحتمل أي نوع من التأويل، بخصوص ضعف مستوى الخدمات القنصلية، «سواء من حيث الجودة، او احترام الآجال، أو بعض العراقيل الإدارية». ولم يتردد الخطاب الملكي في إرجاع هذا الاختلال إلى انشغال بعض القناصلة بقضاياهم البعيدة عن مهامهم، مما يستوجب، حسب التوجيه الملكي لوزير الخارجية، إنهاء مهام كل من يثبت في حقه التقصير، أو الاستخفاف بمصالح أفراد الجالية، أو سوء معاملتهم، والحرص على اختيار القناصلة الذين تتوفر فيهم شروط الكفاءة والمسؤولية، والالتزام بخدمة أبنائنا بالخارج. وإذا كان البنية السوسيو-مهنية للجالية المغربية المقيمة في الخارج عرفت تحولا نوعيا خلال السنوات الماضية إذ تشمل الهجرة أيضا المغاربة من ذوي الكفاءات في ميادين مختلفة، فإن تعزيز مشاركة مغاربة الخارج في الحياة الوطنية، عبر تفعيل مقتضيات الدستور المتعلقة بإدماج ممثليهم في المؤسسات الاستشارية، وهيآت الحكامة والديمقراطية التشاركية، أصبحت ضرورة ملحة، بل لابد لهذه التمثيلية أن تكون جزءا من المعيش اليومي للمهاجرين، وفي كل معاركهم للدفاع عن قضاياهم وأيضا في إرتباطهم بقضايا وطنهم الأم، بالإضافة إلى أن تسوية أوضاعهم وتسهيل حصولهم على حقوقهم ، تساعد على خلق القوة البشرية القادرة على التحول الى قوة مدنية وسياسية فاعلة في المحيط الدولي. وهذا ليس غريبا عن جالية أثبتت قدرتها الكبيرة على الاندماج في مجتمعات الإقامة، واستطاعت الوصول إلى مراتب التمثيل السياسي، فمنهم نواب برلمانيون ومستشارون ورؤساء بلديات وبعض الوزراء.. لقد وصلت الرسالة إذن، وهو ما نادى به الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، غير ما مرة وفي أكثر من مناسبة، ذلك أن التعبير السياسي والمدني للمهاجرين في بلدهم الأصلي، وفي بلدان الاستقبال، كان في السابق يخضع لشبه إكراه، عن طريق التأطير الرسمي، وكانت العديد من القنصليات تشتغل للحيلولة دون إرساء علاقات المواطنة، بل كانت تعيد إنتاج العلاقات السلطوية، التقليدية، السائدة في الوطن الأم. وكان المهاجر في التصور الرسمي السابق، مجرد أرقام، عبر التحويلات المالية. لقد مضى هذا العهد، وهو ما بلوره الخطاب الملكي، وهي الرسالة التي ينبغي أن تلتقطها الحكومة، وخاصة وزراة الخارجية، لتنظيف بيتها.? فمسألة تحسين معاملة المهاجرين، في القنصليات، وإدماجهم ورفع تمثيليتهم داخل المؤسسات الاستشارية وهيآت الحكامة الديمقراطية والتشاركية، تستمد مشروعيتها ومصداقيتها، الآن، من الدستور ومن واقع الهجرة الذي تغير بشكل حذري، ومن المفهوم الحديث للمواطنة، الذي يعيشه هؤلاء في بلدان الإقامة، مما يمكنهم من المقارنة بين النموذجين. ولعل الحكومة كانت في حاجة إلى هذا التنبيه، حتى تعرف أن هناك دستورا جديدا و واقعا يتحول باستمرار، ويتطلب إعادة النظر بشكل شمولي في العلاقات التي تربط المواطنين بالإدارة والدولة، سواء كانوا مقيمين في الداخل أو في الخارج.