انتقى وزير الصحة الحسين الوردي، ومعه المكلفون بتحرير بلاغات الوزارة، تعبيرا «بليغا» ليعبّر به عما يحسّه، أو يريد أن يروّج له كإحساس، المسؤول الأول عن الشأن الصحي في بلادنا، وهو يُواجه بموجة رفض عاتية لم يستطع أمام مدّها المناورة ذات اليمين أو ذات الشمال، والمتمثل في «لاسامحهم الله، حين حديثه عمن وصفهم ببعض المنابر الإعلامية وبعض الأطباء، الذين أكّد بلغة غاضبة أنهم يروجون مغالطات للرأي العام وافتراءات لا أساس لها من الصحة حول مشروع الخدمة الصحية الوطنية؟ وبعيدا عن الخوض، اليوم، في الحديث عن هذا المشروع الذي أثار الكثير من الجدل والذي خرجت للاحتجاج ضده فئات كبيرة من أطر البلاد المنتظرة في المجال الصحي، لابأس أن نقف قليلا عند هذا التعبير الذي يعبّر عن مظلمة وغبن كبيرين يحسّهما المتلفظ به، للتأكيد على أن ضررا بالغا أصابه لم يجد معه إنصافا إلا اللجوء إلى الباري عز وجل طلبا لإنصاف إلهي، رافضا أي تساهل مع مصدر الضرر، فهل هذا حقا ما ينطبق على الوردي، الوزير التقدمي الذي اقتبس بعضا من قاموس رئيس الحكومة وحزبه الذي لايكلّ من استعمال الخطاب الديني في كل الخطابات السياسوية، بهدف القرب من لغة المواطنين من عامة الشعب؟ ألا يعلم الوزير «الوردي» بأنه يوميا هناك عشرات، مئات، وربما آلاف المواطنين الذين يوجهون أكفهم تضرعا وابتهالا صباح مساء وقبل النوم إلى الله سبحانه وتعالى يرجون منه عدلا إلهيا، أيتام، أرامل وغيرهم ممن فقدوا قريبا في أحد «المستشفيات»، أو في إحدى أروقتها أو على عتبة أبوابها، أو لم يكتب لهم وصولها حتى، مواطنون أكدوا بأنهم لن يسامحوا من تسبب لهم في ضرر مادي ومعنوي تعرضوا له وعاشوا تداعياته المباشرة وغير المباشرة بالمرافق الصحية، مرضى فتح لهم وزير الصحة بابا ورديا عريضا حالما من خلال تصريحاته التلفزية والإذاعية وعلى صفحات الجرائد والمواقع الالكترونية مؤكدا بأن كل مايبتغونه متوفر في كل المستشفيات والمراكز الصحية، لكنهم عندما طرقوا أبوابها وجدوها موصدة كأبواب قلاع حربية حصينة تضع متاريس وحواجز شتى في وجه «العدو» لبلوغها؟ ألا يعي وزير الصحة بأن أقارب «رقية»، نموذجا، وجيرانها وغيرهم ممن خرجوا للاحتجاج مساء يوم الأحد 26 يوليوز 2015 أمام المركز الصحي بتافراوت ضد تردي الخدمات الصحية بالمرفق المذكور، بعد أن وافت المنية هاته المواطنة المنحدرة من دوار فيسلي /أيمور بسبب لدغة أفعى، ولم تجد من يسعفها، هم بدورهم يقولون « اللهم لاسماحة»، ويضيفون «الله ياخذ الحق» في من كان سببا؟ ألا يتابع وزير الصحة الاحتجاجات الساخطة في كل شبر من ربوع المملكة، ألا يعاين الدموع وهي تُذرف، والحناجر وهي تبحّ، مرددة «لاسامحكم الله»، الموجهة إلى كل من كان سببا في مصابهم الجلل، الذي هو نتاج لخصاص لوجستيكي على مستوى البنيات التحتية الصحية، والعتاد التقني، وقلة الموارد البشرية، وغياب الأدوية ... وغيرها، التي تتحمل وزارة الصحة مسؤوليتها؟ أيجهل البروفسور الحسين الوردي، بأن عددا كبيرا من المهنيين الذين يشتركون معه الانتماء إلى نفس الجسم المهني، يعانون الأمرّين بعيدا عن أسرهم، في الخلاء، حين يجد الممرض نفسه، ممرضا، وطبيبا، ومعلما، ويقوم بكل الأدوار الممكنة منها والمستحيلة، دون أدنى اعتراف، ليقول أمام الجحود والإنكار وربما التسلط والشطط «لاسامحكم الله»؟ ألا يستحضر وزير الصحة أن هناك أطباء هجروا تخصصات معينة لأن بعض رؤساء المصالح والأساتذة ، بعيدا عن التعميم، أضحوا مخلّدين في هاته المصالح، منهم من حوّلها إلى ضيعة، وآخرون إلى ثكنة، ويفرضون شروطا بعينها على الأطباء الطلبة، بمباركة وتزكية من القائمين على تدبير الشأن الصحي، في حين يعيش آخرون الويلات في انتظار من ينصفهم، أخذا بعين الاعتبار مسلسل الاستقالات والتقاعد مما أدى إلى تدني جودة ومستوى التكوين، والذين هم بدورهم يقولون «لاسامحكم الله»؟ ألم يخبر أحد الوردي، بأن الأطباء يرفضون قانون الخدمة الصحية الإلزامية لمبررات يرون بأنها معقولة ينتظرون أن تتم مناقشة تفاصيلها معهم، ويطالبون بفتح باب الحوار قبل إسقاط أي مشروع قانون حتى يكون التحضير له جماعيا بمقاربة تشاركية، عوضا عن الرمي باللائمة عليهم، واعتماد مبررات هناك إمكانيات عدّة لحل معضلاتها، خلافا لاعتماد العقدة، ورهن مستقبلهم، وغيرها من الإرهاصات التي يعيشونها والتي تدفعهم للاحتجاج والانتقاد دون أن يخاطبوه بالقول «لاسامحكم الله»! ألا يعلم وزير الصحة بأن الممرضين مايزالون يترقبون هيئة وطنية لهم، وتنفيذ اتفاق 5 يوليوز، وحلّ مشكل المعادلة العلمية لدبلوماتهم، والمعادلة الإدارية بحذف السلم 9، والتعويض عن مناصب المسؤولية بالنسبة للمرضين الرئيسيين بالمصالح الاستشفائية، وارتفاع مدّ الاعتداء عليهم ومعهم الأطباء كذلك أثناء مزاولة مهامهم، والحدّ من الخصاص في الأطر والموارد البشرية وهل يغفل البروفسور الوردي بأن الأطر الصحية أضحت الحلقة الأضعف، التي تحاول الوزارة أن تجعل منها مشجبا لتعلق عليه أخطاءها وتبرر من خلاله فشل سياستها الصحية، في حين أن هاته الأطر تعاني الأمرّين بين مطرقة حاجيات المواطنين وسندان وزارة غير منصفة تتفنن في إنتاج البلاغات بعبارات وخطابات تزيد من منسوب الألم في نفوس المتضررين الذين وبكل تأكيد هم يقولون في قرارة أنفسهم «لاسامحكم الله» !