إستراتيجيتان متناقضتان ينظر بهما أصحابهما إلى مستقبل المنطقة بعد الاتفاق النووي الإيراني: الأولى تمثل الحلف الإيراني الروسي الصيني الذي أخذ يتبلور زائدا دول ميدان الصراع في سوريا ولبنان حزب الله والعراق بدعم من الجزائر. الإستراتيجية المقابلة تمثلها تركيا والسعودية والأردن ودول الخليج حيث لم تصل هذه الدول إلى مستوى الحلف الإستراتيجي. يبدو أن كلا الحلفين قد اقتربا من نقطة الحسم النهائي لحصاد من المنتصر ومن الخاسر، أم أن الطريق ما زالت تتفاعل وتتصارع فيها الأحداث. أما أميركا أوباما فتلعب بانتهازية على جميع الأطراف، فمن جهة تحاول إيهام حلفاءها التاريخيين من عرب الخليج بأن الاتفاقية ستغيّر من سياسة إيران في المنطقة نحو السلام والاستقرار، وأي محاولة منها للخروج عن بنود الاتفاق ستضعها أمام عقوبات مشددة بينها الخيار العسكري، وهو كلام استهلاكي لم تعد السعودية بحاجة إلى قاموس لفك طلاسمه، فيما تعمل بسرعة لتهيئة مناخ الاندماج الإيراني في المجموعة العالمية. ويسعى أوباما لتبريد موجات النقد الأميركي الداخلي بين معارضيه الحزبيين أو أمام استفهامات مراكز الدراسات والبحوث التي تشكك بهذه الخطوة الأوبامية. الشهور الستة المقبلة هي الزمن القصير المتبقي لمعرفة معالم مصير المنطقة، وذلك في الجوانب الإجرائية لصفحات الاتفاق النووي ومن ضمنها قرار الكونغرس، وكذلك في حسم شوط الحرب على داعش باعتبارها المحرار الميداني لوقائع الأرض وتطورات ملفاتها الساخنة في كل من سورياوالعراق، مضافا إليها ملف اليمن. كلا الحلفين، يشتغلان هذه الأيام بشكل استثنائي (إيرانوروسيا والصين ومعها سورياوالعراق ولبنان حزب الله) وفي المقابل (تركيا والسعودية ودول الخليج والأردن ومعها دول العرب المتأذية من التوسع الإيراني) جميعها في ميدان الحرب على داعش الذي تم تصنيعه لكي تتبدل تحت سقفه المواقف وتحدث الانكسارات أو الانتصارات، حتى الوصول إلى نقطة النهاية، قبل أن تخرج العجينة النهائية لصورة المنطقة إلى أين وكيف؟ وقبل انتهاء الشوط الذي تتخلله أعمال عسكرية كبيرة كحرب اليمن، أو غيرها من مناطق العرب تحصل إشارات سياسية واضحة الدلالات من أوباما في الانحياز لإيران وحلفها مقابل الحلف العربي، حيث أدخلها فورا في تحالف أعداء ?داعش? ترجمة منه لنظرية سلفه جورج بوش (إن لم تكن معنا فأنت ضدنا)، ولهذا بادرت تركيا بالدخول في معركة جدية ضد داعش في الأيام الأخيرة رغم أن ذلك يقع في حالة الدفاع عن أمنها الوطني، أما إيران فلم يمسها داعش بشعرة واحدة. كما اشتغل أوباما، مبكرا، مع ما يفترض رأس القطبية الثنائية الجديدة فلاديمير بوتين، على وضع حلول سياسية للملف السوري بمشاركة إيران. ليست الطائرات والدبابات والصورايخ، ولا حتى السياسات الجامدة، ما يرسم معالم المنطقة التي تتحرك بسرعة، ولهذا تلعب المؤسسات الإعلامية لكلا الحلفين وأنصارهما دورا تعبويا ونفسيا لقبول الأحداث القادمة، ومن خلال صناعة أدوار وأبطال بعضهم وهمي لقبولهم لدى الرأي العام في المنطقة، وأنصار إيران يشتغلون الآن بحماسة عالية وفق نظرية ترويج الأوهام حسب سياقات لا ترقى إلى حالة الإقناع بأنه قد تحقق ?الانتصار الإيراني الكبير، وأن هذه الدولة أصبحت إحدى الدول السبع الكبرى، بل هي ألمانياالجديدة، وأصبحت اليوم واحة العالم للتنمية والمال سيكون لديها تريليون مليون دولار خلال عشر سنوات، وعلى أهل المنطقة قبولها بشروطها هي?، وكذلك ترديد الموال التقليدي ?الممانعة والمقاومة? الذي وفق التسويق الإعلامي لأنصار إيران في بلاد العرب ناضل منذ عشرات السنين وهو اليوم يقطف ثماره في ?الانتصار الإيراني على أميركا المستسلمة وإسرائيل الذليلة والسعودية الخاسرة?، ويقرأ هؤلاء سيناريو الحركة السريعة لتطورات المنطقة بعد الاتفاق النووي على إنها ستقود وتحت عباءة الحرب على داعش، وفق فرضية الإرادة الإيرانية الداعية إلى تقليم أظافر السعودية ورضوخها لحل سياسي واسع في اليمن وسورياوالبحرين يعيد الحوثيين إلى سلطة مناصفة في الحكم ويبقي بشار الأسد في السلطة لأنه القائل ?إما أنا وإما داعش والنصرة?، ويغيّر نظام الحكم في البحرين بمشاركة رئيسية للشيعة أنصار إيران، واستمرار الحكم الطائفي في العراق، وعدم التلاعب بالممتلكات الإيرانية في هذه المناطق لأنها أصبحت هي الحاكم وغيرها محكومين. قبل الحديث عن المعطيات السياسية التي يقودها معسكر السعودية لابد من الانتصار في معركة اليمن وحسم أهدافها، صحيح أنها أبعدت، إلى حد اللحظة، المخاطر الكبيرة التي كانت مبيتة على السعودية وبلدان الخليج من قبل إيران، ولكن تداعيات هذه الحرب مهمة، وهناك تساؤلات لا بدّ من إجابة السعودية عليها رغم انشغالها في هذه الحرب: هل تدخل السعودية فيما يروّج له من حلول تقودها كل من روسيا وأميركا وإيران في المنطقة؟ ويبدو أنهم مستعجلون عليها حتى قبل إنجاز المهام العسكرية السعودية، وسط همس وتسريبات عن تفكك تحالف الخليج بعد أن لم يتلمسوا ?الصحوة العربية? لعاصفة الحزم، وانحسرت في إطار الأزمة اليمنية. والقضية الأهم هي أين معسكر العرب الإعلامي في ظل الإمكانيات المالية الهائلة التي تمتلكها السعودية ودول الخليج، خصوصا قطر والإمارات، في مغادرة الانشغال بمشكلات فرعية لا أهمية خطيرة لها وحولها خلاف بين السعودية وبعض دول الخليج كقضية الإخوان المسلمين، وذلك بالانتقال إلى طرح إستراتجية عربية موحدة تجيب على السؤال؛ ما دور العرب ونخبهم في التحولات المقبلة السريعة في المنطقة؟ وهذا لا يعني الدعوة إلى تصعيد المعارك الإعلامية ضد إيران التي ستضاعف من دعمها لمؤسساتها القائمة ولمريديها في المنطقة. المطلوب تحديد معالم الإستراتيجية العربية من خلال مؤتمر أو ندوة فكرية وسياسية عربية، وكذلك ملتقى إعلامي لوضع حلول للأزمات لصالح قضايا الشعوب ومطالبها في الحرية، ومسؤوليات جارتي العرب، إيرانوتركيا، خصوصا إيران وانسحابها من العراقوسوريا وبناء ميثاق جيرة وصداقة دائمة خدمة لمصالح شعوب إيران والعرب، وبناء إستراتيجية إعلامية عربية بناءة.