كانت تتصدر مسألة الإصلاح السياسي والدستوري في برامج الأحزاب الوطنية الديمقراطية في البلاد مند الاستقلال إلى غاية دستور 2011, و قد ناضلت من أجله بالفعل القوى الوطنية الحية في البلاد منذ عقود من الزمن و قدمت في شأنه مذكرات تارة من طرف الكتلة الوطنية و على رأسها حزب الاستقلال و الاتحاد , و تارة أخرى بانفراد كما لم يغث هده الأحزاب أن تضمن هذا المطلب و بإلحاح ضمن توصيات مؤتمراتها و أجهزتها بمختلف مستوياتها , لكن الاستجابة للإصلاح بصفة عامة يصطدم بعدم توفر الإرادة الصادقة لدى الحاكمين و بمواجهة شرسة من طرف القوى الثالثة التي تناهض كل إصلاح قد يمس بمصالحها في البلاد. و باتت الحكومات المتعاقبة على الحكم سجينة اختياراتها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و عجزت عن التخلص منها إلى أن أوصلت البلاد إلى الباب المسدود ((السكتة القلبية)) إلا أنه ما كان المغرب أن يفكر في الإصلاح الشمولي و سن منهجية ديمقراطية تمكن الحزب تولي رئاسة الحكومة من تنفيذ برنامجها مع حلفائها ليتبين منه النجاح أو الفشل فيها إلا بعد إجهاض الحكومة التي ترأسها اليوسفي باسم الاتحاد الاشتراكي من سنة 1998 إلى سنة 2002,اجبار على الحكومة و هو أخر موعد كبير يتخلف عنه المغرب وعلى اثر ذلك أصدر المكتب السياسي أنداك بلاغا مفاده أن الخروج عن المنهجية الديمقراطية بعلة أن الحزب قد تصدر من جديد الرتبة الأولى في مقاعد البرلمان و جاء في مطلب الإصلاح إشارة قوية يفرض على المغرب التفكير في المطلب الذي طال أمده و أرى أنه ما كان على الاتحاد أن يشارك في حكومتي جطو و الفاسي , و دافعت على هذا الموقف مع مجموعة كثيرة من أعضاء اللجنة الإدارية آنذاك و هي الجهاز التقريري بعد مؤتمر لكن بدون جدوى وهو ما تأكد أخيرا للجميع ذلك انه لو عاد الاتحاد آنذاك المعارضة لكان خيرا له و استعاد مكانته القوية في المشهد السياسي هذا هو السبب الرئيسي في نظري البسيط فيما ألت إليه الأمور داخل الاتحاد الاشتراكي و زاد في تعميق الأزمة الداخلية ما جرى في المؤتمر الوطني التاسع إلا أنه من المؤكد انه ليس من مصلحة البلاد إضعاف الاتحاد كمشروع أو انهياره , و بالنسبة للمطلب المتعلق بالإصلاح السياسي و سن المنهجية الديمقراطية قد نص عليها دستور سنة 2011 لكن المستفيد منها حزب العدالة و التنمية دون أن يكلف نفسه أي عناء للتضحية من أجلها ولذلك فلا يعرف قيمتها و لهذا السبب صار يقود البلاد إلى الهزيمة و انتهى مطلب الإصلاح الذي باء الفشل . في ظله برزت بشكل ملحوظ تحديات و رهانات خطيرة تتعلق بالأساس بمسألة الأمن و الاستقرار الناتجة عن الصراع العقائدي الذي ابتدعته السلفية الجهادية ذات الفكر الأصولي المتشدد استمدته هي و الحزب الحاكم من منبع واحد و يتعلق الأمر بفرق الوهابية المتطرفة و ما طاله من تكفير و فتنة و تحريض على القتال و التعصب , و التصدي لهذه الظاهرة هو الذي أصبح مطلبا جوهريا يجب استئصاله للتصدي للفكر المذكور , و في هذا الصدد تأتي مسألة إصلاح الحقل الديني الذي من المفروض أن يخضع للإصلاح السياسي بصفة شمولية في جميع مستوياته بإنجاز إصلاحات في مجال الفكر و الفقه الديني لمسايرة تطورات العصر , و لا يتأتى ذلك إلا بالتنوير و التطوير ,و تحرير الإنسان من الارتكان للتقليد و الماضوية من خلال إرجاع الاعتبار للعقل . و للتذكير فقد سبق لي أن ناولت هذا الموضوع بإسهاب تحت عنوان معركة السلفية و الصوفية و أشرت من خلاله عن ضرورة الانفتاح و تأسيس وعي جديد ملائم للعصر دون الخروج عن الينابيع الأصلية للشريعة و إلا ستتحكم على هذا الدين بالجمود وعلى واقعنا السياسي بالمزيد من الانحصار والتردي و هي منهجية ضرورية و حيوية بالنسبة الذين يمتلكون الجرأة في طرح الأسئلة و الجرأة في الإجابة عنها في ظل الثورة المعرفية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي تعيشها البشرية ومن المؤكد أننا نلاحظ اليوم الكوارث المترتبة عن فتاوى التكفير و غيرها بدون علم خاصة من طرف مؤطري التنظيمات الإسلامية المتطرفة لذلك فلا قيمة لأي إصلاح في القطاع الديني من دون هذه الثورة الفقهية و الفكرية و فتح باب الاجتهاد و التجديد و أعتقد أيضا إن لا مستقبل و لا ضمان للإصلاح إلا إصلاح الحقل الديني بدوره في الظرف الراهن وذلك ظل بعض رواد هذا الحقل من علماء وفقهاء ودعاة و سياسيو يمنحون من ثقة الجمود و التقليد و يروجون له فلا مجال للحديث عن اصلاح الحقل الديني إطلاقا , وهكذا فإذا كان المسلمون يعتبرون إن خاصية الإسلام الأساسية تكمن في كونه دينا صالحا لكل زمان و مكان معناه دين لا تنتهي مدة صلاحيته فانه يستمد هذه الخاصية من الاجتهاد و التجديد الدائمين المستمرين و النموذج الواضح نجده في تجربة الخلفاء الراشدين الذين فتحوا باب الاجتهاد على مصراعيه عندما ظهرت مستجدات على المجتمع الإسلامي نتيجة توسع و تطور الدولة . و هي الاختلاف لم يروي عن احد منهم يتهم معارضه أو يطعن في دينه و كلهم من أهل السنة دون سواهم.و الملاحظ انه قلما نسمع في مختلف القنوات و الخطب شيئا عن مدرسة الشاطبي القاصدية التي تعاملت مع النص من خلال تأويله لكي يساهم في تحقيق العدل بين الناس , والحال أن الشاطبي نجح في وضع المبادئ الأولى لحقوق الإنسان في كتابه القيم الموافقات حيث أكد وجوب حفظ النفس , حفظ العرض , حفظ الدين , حفظ النسل و حفظ المال وحفظ العقل لم يقع استمراره في التكوين و التأطير لما فيه صلاح البلاد و مستقبل المجتمع المغربي وكما أن الإصلاح لا يعني التمييز بين الإسلام و الحركة الإسلامية بمختلف تجلياتها وعناوينها من اجل احتكار التكلم باسم الدين واحتكار الفتوى و توظيف الدين في الصراع السياسي وتأسيس الشرعية في الصراع على المصالح المتعارضة للفرقاء في الساحة ويبدو أن توظيف علماء وزارة الأوقاف ووعاظها كحراس يسهرون على الأمن الروحي للمواطنين ليس هو المهم إذا كان هؤلاء مؤهلين لكن إصلاح الدين المطلوب رهين بالدرجة الأولى بإصلاح الفكر والفقه السني المالكي وتحديدهما في أفق بناء مغرب الديمقراطية و الحداثة المبدعة و ليس المقلدة مغرب النماء والتقدم لكن الأسوأ في الأمر هو ما ترتب ما سيرتب عن تعثر الإصلاح الديني هو هجرة الجماهير نحو اتجاهات دينية أكثر تطرفا و عنفا خصوصا في ظل هيمنة فضائيات تروج و تبشر لفكر و فقه يتسم بالغلو في التطرف و الاستبداد. و في هذا الإطار تفيد الإحصائيات أن أغلب الملتحقين بداعش هم مغاربة و شباب لأسباب كثيرة لا داعي للدخول فيها أو في بعضها بل أترك الأمر لكل من يهمه الأمر.