بالتفاصيل.. الولايات المتحدة تجدد دعمها الكامل لمغربية الصحراء خلال لقاء بوريطة وروبيو    حين تحدّث الملك فاهتزت الإمبراطورية    الترويج لوجهة المغرب: المكتب الوطني المغربي للسياحة يطلق جولة ترويجية كبرى بتورنتو وبوسطن وشيكاغو    اضطرابات جوية مرتقبة وعاصفة "أوليفييه" تقترب من المغرب    الطرق السيارة بالمغرب تتعزز بخط جديد يربط مراكش بآسفي    الذهب يرتفع 2% وسط تراجع الدولار ودخول رسوم جمركية أمريكية حيز التنفيذ    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    بعد أن فضحتها المهندسة المغربية ابتهال.. انتقادات من الداخل والخارج ل "مايكروسوفت" بسبب دعمها إسرائيل    الهزيمة القاسية تغضب أنشيلوتي    السعدي يفتتح جناح "دار الصانع" في معرض "صالون ديل موبايل ميلانو 2025"    كيوسك الأربعاء | تخفيض جديد في أسعار بعض الأدوية منها المسخدمة لعلاج السرطان    من بنجرير وبغلاف مالي بلغ مليار الدرهم.. إطلاق البرنامج الوطني لدعم البحث والابتكار    رابطة العلماء تواصل حملة "تمنيع" السجناء ضد التطرف العنيف في سياق "مصالحة"    عوامل الركود وموانع الانعتاق بين الماضي والحاضر    من قال: أزمة السياسة "ليست مغربية"؟    الممثل محمد الشوبي في وضع صحي حرج.. نداء إنساني لإنقاذ حياته    هجوم سيبراني يضرب الموقع الإلكتروني لوزارة التشغيل    لحسن السعدي يفتتح جناح "دار الصانع" في معرض "صالون ديل موبايل ميلانو 2025"    طقس الأربعاء.. أجواء غائمة بمعظم مناطق المملكة    بعد تهديدها للضحية.. أمن مراكش يوقف المعتدية على التلميذة "سلمى"    المنتخب الوطني المغربي للسيدات ينهزم أمام نظيره الكاميروني (1-0)    الصين تتوعد باتخاذ "تدابير حازمة وشديدة" ردا على رسوم ترامب الجمركية    أحزاب مغربية معارضة تطالب بعقد جلسة برلمانية للتضامن مع فلسطين    الولايات المتحدة تجدد تأكيد اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء    "سلة الفتح" تفوز على الملعب المالي    الأمن يلقي القبض على مرتكب جريمة قتل بحي المويلحة القديمة بالجديدة    ماكرون يدين استهداف إسرائيل لطواقم الإسعاف في غزة    ديكلان رايس نجم أرسنال ضد الريال    البايرن ميونخ والهزيمة الغير المتوقعة أمام الانتر    تيرازاس: الأزياء في المشاهد السينمائية ليست ترفا.. وعمل المصممين معقد    معرض الطاهر بنجلون بالرباط.. عالمٌ جميلٌ "مسكّن" لآلام الواقع    حادث اصطدام عنيف بين ثلاث سيارات يُخلف مصابين باكزناية    دينامية شبابية متجددة.. شبيبة الأحرار بأكادير تطلق برنامج أنشطتها بروح المبادرة والتغيير    النفط يهبط لأدنى مستوى منذ 4 سنوات.. تراجع سعر البرميل إلى أقل من 60 دولارًا    الجيش يغادر دوري أبطال إفريقيا    الهجرة الجديدة من "بلاد كانط".. خوف من المستقبل أم يأس من التغيير؟    تساؤلات حول مصير سفير الجزائر بواشنطن بعد تجديد الدعم الأمريكي لسيادة المغرب على صحرائه الغربية    انتخاب المغرب في مكتب لجنة الديمقراطية وحقوق الإنسان داخل الاتحاد البرلماني الدولي    دوري أبطال أوروبا.. أرسنال يصعّب مهمة الريال وإنتر يهزم بايرن في ميونيخ    لشكر يُشهر ملتمس الرقابة.. وأوزين يُحرج نواب الاستقلال أمام "الفراقشية"    الوزير قيوح: المغرب يعزز أمنه الجوي ويقود جهود التعاون الدولي لمواجهة التحديات في مناطق النزاع    دروس ما وراء جبهة الحرب التجارية    «طيف» لبصيرو «مائدة» العوادي يتألقان في جائزة الشيخ زايد للكتاب    في افتتاح الدورة 25 لفعاليات عيد الكتاب بتطوان: الدورة تحتفي بالأديب مالك بنونة أحد رواد القصيدة الزجلية والشعرية بتطوان    الشعب المغربي يخلد ذكرى الرحلتان التاريخيتان للمغفور له محمد الخامس لطنجة وتطوان يوم 9 أبريل    المغرب يتصدر التحول الرقمي الإفريقي بإنشاء مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    دراسة: السكري أثناء الحمل يزيد خطر إصابة الأطفال بالتوحد واضطرابات عصبية    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    الوداد بلا هوية .. و"الوينرز" تدق ناقوس الخطر    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    بين نور المعرفة وظلال الجهل    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اسمهان : الأسطورة المتجددة ...في ذكرى رحيلها 71
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 20 - 07 - 2015

بدت للعارفين بأصول الطرب والمقامات، وتنوع طبقات الصوت وقدرتها على الأداء، مشروع معجزة تعد بمنجز رفيع المستوى. اقتحمت ميدان الغناء بثقة وتفان وإصرار وكبرياء أميرة. تمردت على تقاليد الأسرة ومواضعات المجتمع، عاشت حياتها القصيرة بما يجدر بالحياة أن تعاش. سقطت سيارتها في " الترعة " على ضفاف وادي النيل، وهي تأخذ فسحة من رتابة تصوير فيلمها الثاني، وفي يدها رواية بالفرنسية كانت تقرأها. تتكلم ثلاث لغات الإنجليزية والفرنسية والعربية. ماتت بطريقة تراجيدية ملغزة، كأنها أرادت أن تبقى أسطورة متجددة. فهل صدقت نبوءة المنجم كما زعم لما قال لها ذات يوم : " ولدت في الماء وستعودين إلى الماء ".
هي سليلة عائلة من أمراء جبل الدروز بالشام. والدها " فهد الأطرش " كان يشغل وظيفة سلطوية (قائم مقام) في مدينة " ديميرجي " بالأناضول. في أتون الحرب العالمية وتفكك الدولة العثمانية، لما بدأ اليونانيون يزحفون تجاههم سنة 1917، هرب أفراد العائلة عبر سفينة، وكانت " علياء المندر " حاملا في شهرها الأخير. أنجبت في البحر وهم في طريقهم بين " أزمير " وبيروت. فأطلقت الأم على المولودة اسم (آمال) تفاؤلا بنجاتهم.
كان سفر الأم الثاني مكرها سنة 1923 للابتعاد عن خطر الاضطرابات الحاصلة في الشام، مع أولادها الثلاث (فؤاد وفريد وآمال). لم يسمح لها بدخول مصر، إلا بعد أن طلبت المساعدة من الزعيم الوطني " سعد زغلول " لأنها لا تملك أوراق ثبوت الهوية.
بدت القاهرة التي كانت مدينة عالمية، يهجر إليها الكثير من الأجانب هربا من الحرب، تتحول سنة 1927 إلى مدينة للفن والطرب تتخلى عن صفتها " الكوسموبوليتية ".
على الساحة الفنية ظهرت أصوات نسائية كبيرة، كمنيرة المهدية - فتحية أحمد - نجاة علي و ليلى مراد ... وغيرهن.
كان الملحن الكبير " فريد غصن " الشامي الأصل والمقيم في القاهرة، بحكم صداقته للعائلة ورعايته لفريد شقيقها، هو أول من عرفها وهي صبية على كبار الملحنين (داوود حسني، القصبجي وزكريا أحمد) أو بالأحرى عرف هؤلاء عليها. لما عادت ذات يوم من السينما وهي تردد ما سمعته من أغان وعمرها لا يتجاوز 13 سنة. سمعها داوود حسني فانبهر بصوتها، وقاسمه فيما بعد القصبجي وزكريا أحمد نفس الانطباع. اتفق الجميع على تعليمها أصول الغناء والمقامات وقدرة التحكم في الصوت وأساليب الأداء. تكفل كل واحد بجانب مما تختزنه ملكات الصوت وفق تقسيم مدقق للتطوير. وكان فريد غصن من بدأ التلحين لها سنة 1932 وهي يافع ب (ازاي فؤادي يسلاكي) وهي أول ما سجلت من الأسطوانات، أتبعها ب (يا نار فؤادي و نور عيني). وفريد غصن هذا واحد من أفضل ثلاث كبار، يجيدون العزف على العود (القصبجي - السنباطي وهو)، وبالمناسبة هو أول من علم فريد الأطرش أصول العزف. لحن للعديد من المطربين والمطربات وبخاصة المنحدرات من الشام، بل حتى لأم كلثوم التي لحن لها سنة 1943 مونولوغ (وقفت أودع حبيبي) الذي غنته في سهرة عمومية، لكنه لم يسجل شأنه شأن العديد من ألحان هذا العبقري، التي اعتبرت لغاية الأسف من المفقودات الموسيقية. يكفي أن نذكر أنه هو من لحن الأغنية الشهيرة (أمنت بالله) للمطربة " لور دكاش " وهو أيضا صاحب لحن " كل دقة فقلبي بتسلم عليك "للمطربة " نازك ". ربما قد نعود للتعريف بهذا الموسيقار الكبير في مقال مستقل.
داوود حسني هو من أطلق عليها (اسمهان) وهو اسم لمطربة حسناء فارسية في زمن غابر، ... يقال عنها أنها تخرجت من عمامة الشيخ زكريا وأنامل داوود حسني وآهات فريد غصن ودهشة القصبجي ...
عاشت اسمهان تجربة الحياة في سياق التصادم بين الشرف والشهرة وبين التحول ورتابة التقليد. سنة 1933 تزوجت من ابن عمها " حسن الأطرش " وعادت إلى أهلها في الدروز فأنجبت فتاة (كاميليا) وهي الوحيدة لديها.
بسبب تكوينها المتحرر وميولها للفن ونزوعها الشديد للحرية، لم تستطع أن تتحمل القيد في زواج مثقل برواسب الماضي وأرث الأسرة والعشيرة. فتركت الجمل بما حمل وعادت للقاهرة، حيث أصبح يحكمها الملك " فاروق " وتزايد نفوذ الملكة " نازلي " والدته. فتلقفتها ألحان الكبار وانهالت عليها عروض شركات التسجيل، ودخل شقيقها فريد على الخط بعد أن غدا له مكان تحت الشمس، لدرجة أنه حظي بنصيب الأسد دون غيره فيما وضع لها من ألحان، هكذا كانت روائع (يا بدع الورد - يا الي هواك شاغل بالي ودويتو " الشمس غابت أنوارها " الذي اشترك فيه غناءا، وكان فيه أمل). وهذه التحف جميعها ضمنت في فيلمها الأول (انتصار الشباب) ثم (أهوى وموال " يا ديرتي " ورائعة ليالي الأنس)، في الفيلم الثاني والأخير لها (غرام وانتقام)، بالإضافة إلى ألحان القصبجي والسنباطي، هذا الأخير الذي أبدع لها (أيها النائم) و رائعة (يا لا عينيك ويا لي) المعروفة بحديث عينيك.
لعل الموسيقار الكبير القصبجي قد وجد في صوتها الاستثنائي الأوبرالي، المفعم بالأداء المرهف والشحنة العاطفية والنطق السليم، ضالته التجديدية التي كان يبحث عنها. ومن تم وضع لها أربع أغان هي بالتحديد (هل تيم البان فؤاد الحمام، ليت للبراق عينا، اسقنيها بأبي أنت وأمي ويا طيور) حملتها للارتقاء إلى مصاف الكبار، لتقف ندا لعبد الوهاب وأم كلثوم. بل إنها شكلت المنافس الأقوى الوحيدة لكوكب الشرق.
إن جل الكتابات عنها تأثرت بكثير من الشائعات التي حامت حولها، ولم ترى في مسيرتها إلا الجزء الظاهر السطحي. فمن لم يتمعن في حياتها الاجتماعية والإنسانية وضعها على الضفة الأخرى من الأخلاق. ومن بحث عن العلاقات السياسية في حياتها صنفها في زمرة العملاء والجواسيس، وحتى من تكلم عن فنها لم يفيها حقها في الإبداع ولم يبرز براعتها في الغناء.
وهي على العكس من كل ذلك تماما، كافحت من أجل فنها وحريتها، وجرفتها تيارات السياسة ولعبة صراع الأمم. اقتحمت المجتمع المخملي، وارتادت صالونات كبار السياسيين والإعلاميين والأدباء ورجال السلطة حتى من حاشية القصر. وكانت تناقشهم بندية من دون مركب نقص. وهو ما أثار عليها غيظ حسادها،من بينهم الملكة " نازلي " نفسها التي حاكت لها الكثير من المتاعب وأمرت بعدم تجديد بطاقة إقامتها لأنها لا تحمل الجنسية المصرية. الروايات اذن عنها لا تنفد إلى ما قامت به من دور ميداني لدى أهلها وعشيرتها من أجل إقناعهم بالوقوف إلى جانب الحلفاء مقابل استقلال بلدها.
ألم تكن بهذه المواصفات الاستثنائية سابقة لعصرها ؟
وتشاء الصدف أن يتزامن موتها في 14 يوليوز 1944، بيوم التحرير من النازية، الذي أصبح عيدا وطنيا كبيرا بفرنسا.
ويظل السؤال العريض حول طبيعة وفاتها بذلك الشكل التراجيدي! هل كانت الوفاة عادية ؟ أم أنها كانت مدبرة بليل ؟ كما يقال. ومن وراءها ؟ هل هي المخابرات الإنجليزية أم الملكة " نازلي " ذات النفوذ والجاه ؟ أم هما معا ؟.
وكأنها تنبأت عن حياتها القصيرة في دويتو " الشمس " مع شقيقها لما أدت تغريدتها الرائعة :
الدنيا جميلة
أيامها قليلة
يا عذابي الليلة.
عانت الكثير من العذاب وانطفأت وعمرها لا يتجاوز 26 ربيعا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.